الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الأسرى:
اتفق الفقهاء على أن لولي الأمر أن يفعل بالنسبة للأسرى ما يراه الأوفق لمصلحة المسلمين، ويختار أحد أمور حددها كل واحد من أصحاب المذاهب بما هداه إليه اجتهاده (1).
مذهب الحنفية: أن ولي الأمر مخير في الأسرى بين أمور ثلاثة: إما القتل، وإما الاسترقاق، وإما تركهم أحراراً ذمة للمسلمين، إلا مشركي العرب والمرتدين، فإنهم لا يسترقون، ولا تعقد لهم الذمة، ولكن يقتلون إن لم يسلموا، لقوله تعالى:{ستُدعون إلى قوم أولي بأس شديد، تقاتلونهم أو يسلمون} [الفتح:16/ 48] ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» (2).
ولا يجوز في رواية عن أبي حنيفة الفداء بالمال أو بالأسرى بعد تمام الحرب. وعند الصاحبين: يجوز الفداء بالأسارى، وجاء في السير الكبير لمحمد بن الحسن: أنه يجوز الفداء بالمال عند الحاجة أو بأسرى المسلمين؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره: أنه فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين (3)، وفدى بامرأة ناساً من المسلمين، كانوا أسرى بمكة (4).
(1) راجع آثار الحرب: ص 430 وما بعدها.
(2)
رواه مالك وعبد الرزاق والبيهقي وإسحاق بن راهويه وابن هشام عن أبي هريرة، ورواه أحمد والطبراني في الأوسط عن عائشة بلفظ:«لا يترك بجزيرة العرب دينان» (سنن البيهقي: 9 ص 208، مشكل الآثار للطحاوي: 4 ص 13، نصب الراية: 3 ص 454، نيل الأوطار: 8 ص 64، مجمع الزوائد: 5 ص 325).
(3)
رواه مسلم وأحمد والترمذي وصححه وابن حبان عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل (نيل الأوطار: 7 ص 305، سبل السلام: 4ص 55).
(4)
أخرجه مسلم عن سلمة بن الأكوع، وفيه أنه أسر امرأة من بني فزارة، فاستوهبها الرسول منه فوهبها له، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ففدى بها ناساً من المسلمين، كانوا أسروا بمكة (نصب الراية: 3 ص 404).
وقال محمد: الجواز أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وفدى الرسول عليه الصلاة والسلام الأسارى يوم بدر بالمال (1).
ويحرم المن على الأسرى عند جمهور الحنفية؛ لأن في المن تمكين الأسير من أن يعود حرباً على المسلمين، فيقوي عدوهم عليهم، وهو لا يحل.
ويرى الإمام محمد: أنه يجوز المن على بعض الأسارى إن رأى الإمام فيه النظر للمسلمين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منَّ على ثمامة بن أُثال الحنفي حين أسره المسلمون، وربطوه بسارية من سواري المسجد (2).
لكن يجوز باتفاق الحنفية المن على الأسرى تبعاً للأراضي، كيلا يشغل الفاتحون بالزراعة عن الجهاد.
ومذهب الشافعية والحنابلة والإمامية والزيدية والظاهرية: أن الإمام أو من استنابه من أحد أركان حربه يفعل ماهو الأصلح والأحظ للإسلام والمسلمين من أحد أمور أربعة: وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء بمال أو بأسرى، يفعل ذلك بالاجتهاد لا بالتشهي، فإن خفيت عليه المصلحة حبسهم حتى يظهر له وجهها. وتقدير المصلحة يتم بحسب ما يرى في الأسير من قوة بأس وشدة نكاية، أو أنه مأمون الخيانة، أو مرجو الإسلام، أو مطاع في قومه، أو أن المسلمين في حاجة إلى المال.
(1) رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربع مئة. وروى مسلم وأحمد عن أنس قصة اقتراح أبي بكر قبول الفداء منهم، ومعارضة عمر لذلك (نصب الراية: 2 ص 402 وما بعدها، نيل الأوطار: 7 ص 304، الإلمام: ص 495).
(2)
رواه الشيخان وأحمد عن أبي هريرة (شرح مسلم: 12 ص 87، نصب الراية، المرجع السابق: ص 391، نيل الأوطار، المرجع السابق: ص301 وما بعدها.