الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختيار الخليفة من بعده، من الفريق الذي في صفِّه عبد الله بن عمر في حالة تساوي الأصوات، وهي قصة الشورى أو بيعة عثمان (1).
المبحث الثالث ـ سيادة التشريع وتعاون السلطات
إن السلطات الثلاث: التشريعية (2) ممثلة بأولي الحل والعقد للاجتهاد في استنباط الأحكام من نصوص الشريعة، والتنفيذية ممثلة بالحاكم الأعلى ووزرائه، والقضائية ممثلة بالقضاة، ليس بينها مبدأ الفصل التام، ولا مبدأ الاندماج الوظيفي، فبالرغم من أن كل سلطة مستقلة في عملها عن الأخرى إلا أنها تساند وتعاون السلطات الأخرى، وهذه هي أحدث النظريات الديمقراطية التي سبق الإسلام إليها، باعتبار أن هذه السلطات تخضع كلها في دولة واحد لأصول شريعة سماوية تحترم مبدأ العدل والحرية والكرامة الإنسانية، وتحارب الظلم واستبداد الحكام وتدخلهم الذي يؤثر في سير مجرى العدالة وأعمال القضاء والتنفيذ، وإذا كان الإمام رئيساً للسلطتين التشريعية والتنفيذية فإنه مقيد بتعاليم الإسلام. وهو لا يملك التشريع وإنما له كغيره حق الاجتهاد إذا توافرت فيه شروط الاجتهاد.
إن احترام أحكام الشريعة هو أساس عمل كل سلطة من هذه السلطات؛ لأن التشريع لله تعالى، وبذلك تتحقق سيادة التشريع الإسلامي فوق كل وضع شخصي أو مصلحي. وصلاحية التشريع مختصة بالكتاب والسنة أو إجماع الأمة، أو الاجتهاد، وهذه المصادر مستقلة عن الإمام، وهو ملزم بها ومنفذ
(1) تاريخ الإسلام السياسي للدكتور حسن إبراهيم: 254/ 1.
(2)
التشريع الحقيقي كما عرفنا هو لله عز وجل، وأما إطلاق صفة التشريع على المجتهدين فهو من قبيل المجاز بمعنى الكشف عن أحكام الله وإبانتها للناس، وتعريفهم بضوابطها وقيودها، وتوضيح غاياتها، وإفتائهم بما يستجد من القضايا.
لأحكامها، كما أن القضاء المستقل أو الكائن بيد الإمام ينفذ أحكام الشريعة، أي أوامر الله (1)، ومن أهم مبادئ الإسلام في هذه المصادر هو الشورى التي لا تهادن الاستبداد في مختلف صوره وأشكاله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي» (2) وهذا أوضح نص يبين سيادة التشريع الإسلامي، ومطالبة كل مسلم بالعمل بما جاء فيهما، وإن خالف إرادة الحاكم، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في معروف .. ويمكن توضيح ما سبق في تحديد العلاقة بين السلطات بما يأتي (3):
إن فصل السلطات الثلاث في الإسلام (التشريع بمعنى الاجتهاد والتنفيذ والقضاء) يقوم على أساس فصل الوظيفة التشريعية، أي الاجتهاد عن سائر الوظائف الأخرى، لا على أساس الفصل العضوي، أي الشخص القائم بكل سلطة. فالإمام أو القاضي حينما يجتهد إنما يفعل ذلك لا بوصفه خليفة أو قاضياً، وإنما بسبب كونه مجتهداً يستنبط الأحكام الشرعية من نصوص وأصول ومبادئ الشريعة. وكذلك فإن إدماج السلطتين القضائية والتنفيذية في شخص الإمام، أي من الناحية العضوية لم يكن يؤثر في استقلال القضاة في مباشرة وظائفهم، لالتزام الكل بالتشريع الإسلامي.
وحينئذ فلا خطر من عدم وجود الفصل العضوي أو الشخصي بين السلطات، كما عليه الدول الحديثة؛ لأن الوازع الديني هو أساس عمل المسلم،
(1) النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس: ص 335، ط الثالثة، منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد: ص 101 وما بعدها، ط الأولى.
(2)
رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
راجع السلطات الثلاث لأستاذنا الدكتور سليمان الطماوي: ص 472 - 477، منهاج الحكم في الإسلام لمحمد أسد: ص 101 - 127.
حاكماً كان أو قاضياً أو فرداً عادياً. أما أساس الفصل الذي يرجع في الدول الحديثة لأهداف ثلاثة: وهي ضمان الحرية الفردية، وضمان شرعية الدولة، وتقسيم العمل، فلا مانع من الأخذ به وبمبدأ فصل السلطات فعلاً بين أشخاص القائمين بها بناء عليه، في المفهوم الإسلامي، لا سيما في وقتنا الحاضر حيث قل الوازع الديني وضعفت خشية الله تعالى، فوقع الظلم والتعسف والانحراف، كما وقع من بعض أمراء وحكام المسلمين في عهد بني أمية وبني العباس، مما استدعى وجود قضاء المظالم الذي يشبه مجلس الدولة الآن.
يتبين لنا أن فصل السلطة التشريعية أي الاجتهاد، لا بمعنى الاستقلال في إنشاء وتشريع الأحكام عن سائر الوظائف الأخرى، كان هو المعروف في صدر الإسلام. وأما القضاء وإن لم يستقل عن التنفيذ في شخص الخليفة أو الوالي أحياناً، فهو بسبب كون القاضي مجتهداً. كذلك القاضي غير الخليفة أو الإمام مستقل في عمله عن السلطة التنفيذية، نظراً لأنه يستقي الأحكام المطبقة من المصدر الإلهي لا من السلطة التنفيذية.
لكن بين هذه السلطات تعاون وتضامن في التنفيذ دون تدخل شخصي، فعلى السلطة التنفيذية أن تنفذ قرارات مجلس الشورى في الأمور الأساسية والقضايا المبدئية أو المهمة، ولكن لها الحرية في اختيار الوسائل الإدارية لتنفيذ القوانين.
قال الماوردي مبيناً هذه المعاني بالنسبة لأحد موظفي التنفيذ وهو الوالي أو الأمير صاحب الإمارة الخاصة: «وأما نظره في المظالم، فإن كان مما نفذت فيه الأحكام وأمضاه القضاة والحكام، جاز له النظر في استيفائه معونة للمحق على المبطل، وانتزاعاً للمحق من المعترف المماطل؛ لأنه موكول إلى المنع من التظالم