الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه:
كل فعل تمكنت التهمة فيه، حكم بفساده، لتعارض دليل الصحة والفساد (1).
وقال المالكية: يصح إقرار المريض مرض الموت إذا لم يتهم المقر في إقراره، ويبطل إن اتهم، كمن له بنت وابن عم، فأقر لابنته، لم يقبل، وإن أقر لابن عمه قبل، لأنه لا يتهم في أنه يمنع ابنته ويصل ابن عمه (2).
هل يفضل دين الصحة
؟ لو أقر شخص في صحته بدين لإنسان، وأقر في مرضه لآخر: فقال الحنفية: دين الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف، أي (ما ليس بتبرع) يقدم على ما أقر به في مرض موته، فإذا أقر رجل في مرض موته بديون، وكان عليه ديون لزمته حال صحته، سواء علم سببها أو ثبتت بإقراره، وعليه أيضاً ديون لزمته في مرضه، لكن علم سببها كبدل شيء تملكه أو أهلكه، أو مهر مثل امرأة تزوجها: فدين الصحة والدين الذي عرف سببه حال مرضه مقدم على ما أقر به في مرضه؛ لأن الإقرار لا يعتبر حجة إذا كان فيه إبطال حق الغير، وإقرار المريض يترتب عليه إبطال حق الغير؛ لأن حق غرماء الصحة تعلق بمال المريض بدلاً من ذمته كما أشرت، ولهذا منع المريض مرض الموت من التبرع ومحاباة أحد الغرماء مطلقاً إذا أحاطت الديون بماله، فإن لم يكن عليه دين يمنع من التبرع بما يزيد عن ثلث التركة.
وإنما تقدم ديون المرض المعروفة السبب ببينة أو بمعاينة القاضي؛ لأنه لا تهمة في ثبوتها؛ لأن الشيء المعاين لا مرد له. ولا يجوز للمريض أن يحابي أحد الغرماء، فيقضي دين البعض دون البعض؛ لأن في إيثار البعض إبطال حق
(1) تخريج الفروع على الأصول: ص 102.
(2)
المغني: 197/ 5، الشرح الكبير: 398/ 3.
الباقين، إلا إذا قضى الدين الذي استقرضه في مرضه، أو نقد ثمن ما اشتراه أثناء مرضه.
فإذا قضيت ديون الصحة والديون المعروفة الأسباب، وفضل شيء عنها، كان ذلك الفاضل مصروفاً فيما أقر به حال المرض؛ لأن الإقرار في ذاته صحيح، لكنه لم ينفذ في حق غرماء الصحة، فإذا لم يبق لهم حق ظهرت صحته.
وإن لم يكن على المريض ديون في صحته: جاز إقراره؛ لأنه لم يتضمن إبطال حق الغير، وكان المقر له أولى من الورثة؛ لأن قضاء الدين مقدم على حقوق الورثة. هذا هو مذهب الحنفية (1).
وقال جمهور الفقهاء: دين الصحة ودين المرض يتساويان، فلا يقدم دين الصحة على دين المرض؛ لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال ولم يختص أحدهما برهن، فاستويا كما لو ثبتا ببينة، أي أنهما يستويان لاستواء سببهما وهو الإقرار الصادر عن كامل الأهلية، بل إن الباعث على صدق المقر حال المرض أقوى منه حال الصحة؛ لأن المرض سبب التورع عن المعاصي والتوبة عما جرى في الماضي (2).
ومنشأ الخلاف بين الحنفية وغيرهم في دين الصحة والمرض هو القاعدة السابقة التي ذكرها الزنجاني، فعند الشافعي ومن وافقهم يتساوى إقرار الصحة وإقرار المرض في استحقاق الغرماء من التركة؛ إذ الإقرار مشروع في حالتي الصحة والمرض، ولا تعتبر التهمة في الأحكام. وقال الحنفية: إن الإقرار حال
(1) راجع البدائع: 225/ 7، اللباب شرح مختصر القدوري: 84/ 2 وما بعدها، تكملة فتح القدير: 20/ 7 وما بعدها، تبيين الحقائق: 23/ 5 وما بعدها، الدر المختار: 482/ 4.
(2)
مغني المحتاج: 240/ 2، المغني: 197/ 5.