الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحس أبو بكر بدنو أجله، طلب من الناس أن يؤمّروا عليهم واحداً في حال حياته، حتى لا يختلفوا بعده، خشية على المسلمين من التفرق بعد أن بدؤوا الحرب مع فارس والروم، فردوا الأمر إليه في أن يختار لهم من يرى فيه الخير ولهم وللدين. فاستمهل ثم بدأ مشاوراته مع كبار الصحابة وأهل الرأي، سائلاً الواحد تلو الآخر في ترشيح عمر، وكان من أشهر من استدعاهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وأسيد بن الخضير وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فأثنوا عليه خيراً، وتخوف بعضهم وهو ابن عوف من شدته (غلظته)، فأجابه أبو بكر بقوله: ذلك لأنه يراني رقيقاً، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه. وبعد أن أتم أبو بكر مشاوراته، أملى على عثمان عهده إلى المسلمين، ثم أشرف على الناس وزوجته أسماء بنت عميس تمسكه، فقال: أترضون بمن استخلفت عليكم، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة؟! وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا.
ثم أمر أبو بكر عثمان بتبليغ الناس وأخذ البيعة، فذهب ومعه عمر وأسيد بن سعيد القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب (أي لعمر)؟ فقالوا: نعم. وبعد تمام البيعة بايعه أبو بكر معلناً أنه لم يرد إلا صلاح المسلمين وإبعادهم عن الفتنة، وأوصاه بما هو خير (1).
3 - عثمان بن عفان:
يبدو لنا في صورة اختيار عثمان مظهر الشورى بشكل أوضح، إذ أن عمر رضي الله عنه وهو صحيح حدد لجنة الشورى في ستة: وهم (2) علي والزبير بن
(1) راجع طبقات ابن سعد: 122/ 3، 200، تاريخ الطبري: 51/ 4 - 54.
(2)
تاريخ الإسلام السياسي للدكتور حسن إبراهيم: 254/ 1 وما بعدها.
العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص. وعين لهم مدة ثلاثة أيام للاختيار، ورسم لهم خطة المشاورة، بالأخذ برأي الأكثرية، فإن تساووا يرجح الجانب الذي فيه عبد الله بن عمر، أي في حالة تساوي الأصوات، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، فليكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. وأمر بضرب عنق من خالف بعدئذ. وخلف على أصحاب الشورى أبا طلحة في خمسين من قومه من الأنصار، في ألا يتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، وقال له عمر قبل موته بساعة: اللهم أنت خليفتي عليهم.
وقام أهل الشورى هؤلاء بإجراء مشاورات طوال الأيام الثلاثة ليلاً نهاراً، وكان عبد الرحمن ـ الذي خلع نفسه من الخلافة ـ يلقى أصحاب رسول الله، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، يشاورهم، فوجد الناس يجمعون على أحد اثنين: عثمان أو علي. إلا أن أكثرية أهل الشورى والمسلمين رغبوا بعثمان لما عرفوا فيه من لين ورحمة وأفضال على الناس بتجهيز جيش العسرة من ماله وشراء بئر رومة وجعله سبيلاً للمسلمين يسقون منه. ثم جمع عبد الرحمن المسلمين في المسجد، واستوثق من عثمان وعلي بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين الراشدين من قبله بالعدل والإنصاف، ثم بايع (أي عبد الرحمن) عثمان رضي الله عنه وتابعه المسلمون بالمبايعة، وفيهم علي بن أبي طالب بعد أن تأخر عن المبايعة بسبب مرضه.
ولم تكن مبايعة عبد الرحمن محاباة ولا ظلماً كما قد ظن بعض الناس، وإنما كانت تعبيراً أميناً صادقاً عن آراء الأمة ومشاوراته الليالي والأيام مع أكابرها