الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتكون خارج إقليم الدولة نتيجة وقوع انقلاب عسكري يتسلم فيه زعيم الانقلاب مقاليد السلطة في داخل البلاد، وذلك تمهيداً لدخول تلك الحكومة إلى البلاد لطرد جماعة الانقلاب، وممارسة الحكم فيها بالسيطرة على الإقليم والشعب ومباشرة سائر الاختصاصات المتعلقة بالحكم.
ثالثاً ـ الاعتراف بحالة الحرب:
34 - وهو يحصل إذا ما اتخذت الثورة شكل الحرب الأهلية، وأصبح للثوار حكومة منظمة تباشر سلطاتها على إقليم معين، وجيش يتبع قواعد الحرب، ويترتب على اعتبار حالة الحرب قائمة بما يتبعها من آثار فيما يتعلق باتباع قواعد الحرب الدولية، والتزام الدولة المعترفة بمراعاة جانب الحياد حتى يتقرر مصير الحرب الدائرة، وينتهي النضال لصالح الإقليم الثائر أو دولة الأصل (1).
وهذا الوضع يشبه في الفقه الإسلامي حالة البغاة أو دار البغي، فإذا تعذر على الحاكم الأصلي إخضاع البغاة، وظلوا مسيطرين على الأماكن التي أعلنوا فيها سلطانهم كان معنى ذلك إمكان صدور اعتراف بهم من الآخرين على أساس الأمر الواقع، مع تقدير أن الاعتراف يسيء إلى الدولة الأصل.
الفرع الثالث ـ شخصية الدولة الإسلامية:
35 -
تتمتع الدولة الإسلامية بشخصية مستقلة تعرف حديثاً بالشخصية المعنوية أو الاعتبارية (2) وقد أقر فقهاء الإسلام مدلول هذا الاصطلاح بدليل ما قرروه من نتائج أو خصائص بالنسبة للدولة ونحوها وهي:
(1) حافظ غانم، وعلي منصور، المرجعان السابقان.
(2)
عرف الفقه الدولي الغربي في منتصف القرن العشرين هذا الاصطلاح الذي فرضه لبعض الجهات أو المؤسسات العامة، واعتبر أن الدولة تتمتع بالشخصية المعنوية، ورتب عليها النتائج الآتية:
أـ تعد الدولة وحدة قانونية مستقلة عن أشخاص الحكام.
ب ـ حقوق الدولة تظل قائمة مدة بقائها وإن تبدل ممثلوها، والتزاماتها التي تتعهد بها ومعاهداتها واتفاقاتها التي تبرمها تبقى نافذة فيها، وملتزمة بها بالرغم من تغير ممثليها، أو انقراض الأشخاص الذين تعاقدوا باسمها.
جـ ـ تظل القوانين التي تصدرها الدولة قائمة ما دامت لم تلغ أو تعدل صراحة أو ضمناً (حافظ غانم: ص 140 وما بعدها، ثروت بدوي: ص 52 وما بعدها، موجز القانون الدستوري للدكتور عثمان خليل والدكتور سليمان الطحاوي: ص12 ومابعدها، حامد سلطان، المرجع السابق: ص 185، محاضرات في النظرية العامة للحق للدكتور شمس الدين وكيل: ص113).
أـ إنهم عرفوا فكرة الدولة مستلقة عن أشخاص الحكام، فكان الحاكم أو الخليفة يعد بمثابة أمين على السلطة يمارسها بصورة مؤقتة، ونيابة عن الأمة، كما يتضح من الخطب السياسية التي كان يلقيها الخلفاء الراشدون بمجرد انعقاد البيعة لهم (1)، والتي يبدو منها أنهم كانوا يمارسون السلطة من أجل مصلحة الجماعة الإسلامية لا من أجل مصالحهم الشخصية، فالخليفة يعتبر نفسه وكيلاً عن الأمة في أمور الدين وفي إدارة شؤون الدولة بحسب شريعة الله ورسوله (2)، وهو لهذا يستمد سلطانه من الأمة، ولها حق نصحه وعزله من منصبه إن وجد ما يوجب العزل (3).
وكان العمال أو الموظفون لا ينعزلون بموت السلطان الذي عينهم، وكذا نائب القاضي لا ينعزل بعزل القاضي ولا بموته؛ لأن القاضي الذي استناب غيره في
(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ص 16و 50.
(2)
تاريخ الإسلام السياسي لحسن إبراهيم: 203/ 1 وما بعدها، وقال صلى الله عليه وسلم واصفاً الإمارة:«إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» رواه مسلم عن أبي ذر (شرح مسلم للنووي: 209/ 12).
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي: ص 15 وما بعدها، حجة ال البالغة: 112/ 2، نظام الحكم في الإسلام، يوسف موسى: ص 124.
القضاء إنما يعمل بولاية الأمة وفي حقوقها، لا بولاية شخصية من السلطان ولا في حقه الخاص؛ لأن الخليفة أو السلطان بمنزلة رسول معبر عن الأمة (1).
1/ 35 ـ ب ـ وتظل حقوق الدولة الإسلامية ثابتة لها، وإن تغير حكامها بدليل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبقى الأراضي المفتوحة على ملكية أهلها، على أن يدفعوا خراجاً دائماً (2). وأكد معظم الفقهاء هذا المعنى، فقرروا أنها وقف لجماعة المسلمين.
فقال مالك: تصير الأراضي التي استولى عليها المسلمون عنوة وقفاً على المسلمين حيث غنت.
وقال أبو حنيفة: الإمام فيها بالخيار بين قسمتها بين الغانمين، فتكون أرضاً عشرية، أو يعيدها إلى أيدي المشتركين بخراج يضربه عليها، فتكون أرض خراج ويكون المشركون فيها أهل ذمة، أو يقفها على جميع المسلمين.
وقال الحنابلة في الأرجح عندهم: إن الإمام يفعل ما يراه الأصلح من قسمة هذه الأراضي، ووقفها مقابل خراج دائم يقرر عليها كالأجرة.
وكذلك الأراضي المملوكة عفواً لانجلاء أهلها عنها خوفاً: تصير بالاستيلاء عليها وقفاً. وأيضاً الأراضي المستولى عليها صلحاً على أن ملك الأرض لنا، تصير بهذا الصلح وقفاً من دار الإسلام، ولايجوز بيعها ولا رهنها (3).
(1) البدائع: 16/ 7، و 37/ 6 وما بعدها، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي للأستاذ الزرقاء: ص 262، ف186/.
(2)
شرح السير الكبير: 254/ 3، الخراج لأبي يوسف: ص 24 و 27 و 35، القسطلاني شرح البخاري: 200/ 5، الأموال: ص 58، فتوح البلدان للبلاذري: ص 275.
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي: ص 132 وما بعدها، ولأبي يعلى: ص 130 وما بعدها، وانظر للتفصيل بحث: أموال الحربيين للمؤلف: ف/84 - 88.
وقال الفقهاء أيضاً: (بيت المال وارث من لا وارث له)(1) أي أن هذا حق ثبت له، وبديهي أن بيت المال من أخص حقوق الدولة، بل ومن أهم مقومات وجودها. ومن الأحكام الفقهية: لبيت المال حق الأخذ بالشفعة بسبب الشركة في ملكية العقار المبيع إن وجد في ذلك المصلحة له (2).
2/ 35 - وأما بالنسبة لالتزامات الدولة، فقال عنها فقهاؤنا: تظل قائمة، ففي بحثهم المعاهدات مثلاً قالوا: تبقى المعاهدة نافذة يلزمنا الوفاء بها حتى تنقضي مدتها، أو ينقضها العدو، لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (3)[المائدة 1/ 5]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك» (4)، فلو مات الإمام الذي عقد الهدنة أو عزل لم ينتقض العهد، وعلى من بعده الوفاء به، لأن العقد السابق كان باجتهاد، فلم يجز نقضه باجتهاد آخر، كما لم يجز للحاكم نقض أحكام من قبله باجتهاد جديد، بدليل إتمام علي كرم الله وجهه ما عقده لأهل نجران (5). وهذا يدل على أن الدولة شخص اعتباري يمثله الإمام ويتعاقد باسمه.
ويشير إلى ذلك أيضاً أن أمان الواحد من المسلمين رجلاً أو امرأة يسري على المسلمين جميعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم،
(1) يترك مال من لا وارث له في بيت المال باتفاق المذاهب الأربعة، غير أن الحنفية والحنابلة يقولون: إن هذا ليس بطريق الإرث، وإنما هو من باب رعاية المصلحة على أنه مال ضائع فيصرف في سبيل المصالح العامة. وقال متأخرو المالكية، والراجح عند الشافعية: يكون بيت المال وارثاً بشرط كونه منتظماً (شرح السراجية: ص 11، نظام المواريث للشيخ عبد العظيم فياض: ص 20، ط الثانية).
(2)
أسنى المطالب: 265/ 2، منْح الجليل للشيخ عليش: 584/ 3.
(3)
المائدة: 1.
(4)
رواه الحاكم عن أنس وعائشة (الفتح الكبير) ورواه الترمذي عن عمرو بن عوف «المسلمون على شروطهم .. » (نيل الأوطار: 254/ 5).
(5)
الدر المختار: 25/ 3، البدائع: 16/ 7، القوانين الفقهية: ص 155، مغني المحتاج: 261/ 4، المغني: 462/ 8، البحر الزخار: 450/ 5 و 455.
وهم يد على من سواهم» (1)، هذا الحديث يدل على وجود شخصية اعتبارية لجماعة المسلمين يمثلها أحدهم ويعتبر الأمان الصادر منه ملزماً لهم.
ومن الأحكام الفقهية في هذا الشأن ما قاله فقهاؤنا: (إن على بيت المال نفقة من لا عائل له من الفقراء)(2).
وقالوا في نطاق المسؤولية المدنية والجنائية: إذا أتلف الحاكم شيئاً في غير حالة تطبيق العقوبات الشرعية أثناء قيامه بمصلحة من المصالح العامة، فضمان المتلفات على الدولة باعتبارها شخصية معنوية يمثلها الحاكم نياية عن جماعة المسلمين، قال عز الدين بن عبد السلام: «إن الإمام أو الحاكم إذا أتلف شيئاً من النفوس أوالأموال في تصرفهما للمصالح، فإنه يجب على بيت المال دون الحاكم والإمام، ودون عواقلها على قول الشافعي، لأنهما لما تصرفا للمسلمين، صار كأن المسلمين هم المتلفون، ولأن ذلك يكثر في حقهما، فيتضرران به، ويتضرر عواقلهما) (3).
وذكر فقهاء الحنفية: إذا أخطأ القاضي في حق من حقوق الله تعالى الخالصة له (أي من حقوق المجتمع) كأن قضى بحد زنا أو سرقة أو شرب خمر، واستوفى الحد، ثم ظهر أن الشهود ساقطو العدالة، كأن كانوا محدودين في قذف، فالضمان في بيت المال، لأن القاضي عمل في ذلك لعامة المسلمين لعود منفعتها
(1) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً. وفي الصحيحين ومسند أحمد عن علي: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) .. (نيل الأوطار: 27/ 7 وما بعدها).
(2)
السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 51، الأحكام السلطانية للماوردي: ص 122، المهذب: 167/ 2.
(3)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 165/ 2، ط الاستقامة. وانظر للتفصيل: نظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي: ص 337.