الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما يخص الأشخاص أو الأفراد: فهو زجر من يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي.
ب ـ ما يتعلق بحقوق العباد: وهو أيضاً نوعان: عام وخاص.
فأما الحقوق العامة: فمثل تعطل مرافق البلد العامة من شِرْب وتهدم أسوار ومساجد، ومراعاة بني السبيل، فيأمر بتأمين هذه المرافق وإشباعها إما من بيت المال، أو من أغنياء المسلمين عند عجز بيت المال.
وأما الحقوق الخاصة: فمثل المماطلة في أداء الحقوق والديون، وكفالة من تجب كفالته من الصغار، فيأمر المحتسب بأداء الحقوق عند القدرة واليسار، بشرط ادعاء المستحق لها عنده وإثبات حقه. وكذلك يأمر بالكفالة عند استيفاء شروطها.
جـ ـ ما يتعلق بالحقوق المشتركة: كمطالبة الأولياء بإنكاح الأيامى (غير المتزوجات) من أكفائهن إذا طلبن، وإلزام النساء أحكام العِدَد إذا فورقن، وللمحتسب تأديب من خالف في العدة من النساء، وليس له تأديب من امتنع من الأولياء من تزويج الأيامى. وتكليف أرباب البهائم بإطعامها، وألا يستعملوها فيما لا تطيق. وإلزام من التقط لقيطاً بحقوقه أو تسليمه لمن يقوم بها ويلتزمها، وتضمينه الضالة بالتقصير في رعايتها أو تسليمها إلى غيره، وعدم ضمان اللقيط إذا هلك أو سلمه لغيره.
2 - النهي عن المنكر:
أـ ما يتعلق بحقوق الله تعالى، وتقسم ثلاثة أقسام:
الأول ـ العبادات: ينكر المحتسب الإخلال بشروط الصلاة وآدابها وطهارتها الشرعية، ويؤدب المعاند فيها. ويردع المفطرين في رمضان بغير عذر شرعي من
سفر أو مرض، وينكر المجاهرة بالإفطار لئلا يعرض المفطر نفسه للتهمة، ولئلا يقتدي به من ذوي الجهالة ممن لا يقدر العذر.
ويجبي الزكاة جبراً من الممتنع عن أدائها من الأموال الظاهرة، ويعزره على الخيانة بغير عذر. وينكر على المقصر بأداء الزكاة عن الأموال الباطنة، ويؤدبه إن ثبت تقصيره.
كذلك ينكر التسول (السؤال) من غير حاجة، ويؤدب الغني بمال أو عمل، وينكر أيضاً تصدي الجهلة لإفتاء الناس بعلم الشرع، ويمنعهم من ذلك منعاً من التغرير والفتنة والإيقاع في الضلالة.
الثاني ـ المحظورات: وهي التي نهى عنها الله ورسوله. ووظيفة المحتسب: أن يمنع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (1) فيقدم الإنكار ولا يعجل بالتأديب، مثل اختلاط النساء بالرجال في المساجد والطرقات والأماكن العامة. والمجاهرة بإظهار الخمر والمسكرات، أو الملاهي المحرمة، فيريق المسكرات على المسلم، ويؤدب الذمي على إظهارها، ويفك أدوات الملاهي حتى تصير خشباً، ويؤدب المجاهر بها، ولا يكسرها إن صلح خشبها للانتفاع به لغير الملاهي.
وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتك الأستار حذراً من الاستتار بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أتى من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإن من يبد لنا صفحته، نقم حد الله تعالى عليه» (2).
(1) رواه الترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية: ص 252. وأخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب حداً فعُجِّل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حداً فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه».
الثالث ـ المعاملات المنكرة: كالربا وعقود الميسر والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه، كالغش والتدليس في الصناعات والبياعات، وبخس الكيل والميزان، والخيانة. وعلى المحتسب إنكاره والمنع منه والزجر عليه والتأديب عليه بحسب الأحوال إذا كان متفقاً على حظره. وأما المختلف فيه بين الفقهاء بالحظر والإباحة، فلا دخل له في إنكاره.
وتعد عقود الزواج المحرَّمة في معنى المعاملات الممنوعة.
ب ـ وأما حقوق الآدميين المحضة، كتعديات الجيران فيما بينهم، بتجاوز حد الجار أو حريم داره، أو تركيب الجذوع على جداره، أو تدلي أغصان الشجرة على دار الجار، ونحو ذلك مما يسمى (التعسف في استعمال الحق) فليس للمحتسب النظر فيها إلا بادعاء شخصي من الجار.
وأما أهل الصنائع: فيقر المحتسب المتقن لها، كالطبيب والمعلم أو الأمين كالصانع والحائك والقصار والصباغ، أو المجيد كالنجار والحذَّآء، وينكر على المقصر أو الخائن أو الرديء.
جـ ـ ما يتعلق بالحقوق المشتركة: كالمنع من الإشراف على منازل الناس، ومنع أئمة المساجد من إطالة الصلاة حتى يعجز عنها الضعفاء، وينقطع عنها ذوو الحاجات، وتنبيه القضاة الذين يحجبون المتخاصمين من التحاكم بلا عذر مشروع، ومنع أرباب المواشي من استعمالها فيما لا تطيق الدوام عليه، ومنع أصحاب السفن من حمل ما لا تسعه ويخاف من غرقها، ومن السير عند اشتداد الريح، ومن اختلاط الرجال بالنساء فيها، ووضع حائل (حاجز) بينهم.
ويراقب المحتسب الأسواق والطرقات العامة، فيمنع إقامة المباني فيها، ويأمر بهدم ما بني، ولو كان المبني مسجداً، لأن مرافق الطرق للسير لا للأبنية. ويمنع
أيضاً وضع الأمتعة وآلات البناء فيها، كما يمنع إخراج الأجنحة والأسبطة ومجاري المياه والآبار الملحية ونحوها إذا أضرت بالناس.
وله منع نقل الموتى من قبورهم حتى لا تنتهك حرماتهم، ويمنع من خصاء البهائم والآدميين ويؤدب عليه، ومن التكسب بالكهانة واللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي ونحوها من المنكرات.
ويمنع المحتسب سائر الحيل المحرمة على أكل الربا، وهي ثلاثة أنواع (1):
أحدها: ما يكون من واحد، كما إذا باعه سلعة بنسيئة، ثم اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، حيلة على الربا.
وثانيها: ما تكون ثنائية: وهي أن تكون من اثنين، مثل أن يجمع إلى القرض بيعاً أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة ونحو ذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» قال الترمذي: حديث صحيح.
وثالثها: ما تكون ثلاثية: وهي أن يدخلا بينهما محللاً للربا، فيشتري السلعة من آكل الربا، ثم يبيعها لمعطي الربا إلى أجل، ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستعيدها المحلل.
ومن المنكرات: تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري، بدون القيمة، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل إلى السوق (2). وفي الحديث:«غبن المسترسل ربا» (3) والمسترسل: هو الذي لا يعرف قيمة السلعة.
(1) الطرق الحكمية: ص 351 ومابعدها.
(2)
الحسبة لابن تيمية: ص 42، الطرق الحكمية لابن القيم: ص 352.
(3)
رواه البيهقي عن أنس وعن جابر وعن علي رضي الله عنهم.
ويمنع المحتسب الاحتكار لما يحتاج إليه الناس، روى مسلم عن معمر بن عبد الله العدوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلا خاطئ» فإن المحتكر الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام، فيحبسه عنهم، ويريد إغلاءه عليهم هو ظالم لعموم الناس.
ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل، عند ضرورة الناس إليه (1).
وأما التسعير: فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز (2).
فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم، فهو حرام. وإذا تضمن العدل بين الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب، لما فيه من إلزامهم بالعدل، ومنعهم من الظلم.
وعلى ولي الأمر توزيع نسب الإنتاج بحسب المصلحة، من زراعة وصناعة وتجارة وبناء وغيرها، لأن توفير الحاجيات أمر مطلوب شرعاً، وتعلم الصناعات فرض على الكفاية، فلولي الأمر أن يلزم الناس بما يحقق الحاجة بأجرة المثل، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك.
والقاعدة العامة في هذا كما ذكر ابن تيمية في الحسبة: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح
(1) الحسبة لابن تيمية: ص 29، 41، الطرق الحكمية: ص 354.
(2)
الحسبة، المرجع السابق: ص 17 - 18، 41 - 43، الطرق الحكمية: ص 355 وما بعدها، 368 ومابعدها.