الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأصل منذ مجيئها وإلى اليوم والغد، تبغي الخير والسلامة والعدالة والاستقرار والعيش بسلام في ديارها وفي العالم أجمع، سواء بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم الذين يعيشون في ديار الإسلام وأوطانه، وإذا تحقق هذا الهدف، وهو سريع التحقق إذا طبقت أحكام الشريعة بأصولها وفروعها الصحيحة، وفي ضوء مقاصد التشريع العامة وروحه النقية الصافية، والتُزمت جميع الأحكام الشرعية، ليس في نطاق العقاب الصارم وحده، وإنما في مبنى الهيكل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الشامل لجميع المواطنين في ديار الإسلام بحيث يشعر الناس أن مظلة الإسلام رحمة كلها، وخير كلها، وعدل كلها، ومصلحة كلها. وقد أثبتت التجارب أن العقوبات والأنظمة الوضعية لم تحقق للناس سعادتهم ولم تكفل أو تضمن لهم الأمن والسلامة والاستقرار لأموالهم وأنفسهم ومنازلهم وتحركاتهم وتنقلاتهم وأسفارهم.
ولا فرق في الحاجة إلى تطبيق شريعة الإسلام المدنية والجزائية بين عالم متمدن متحضر، وعالم بدائي أو متخلف، فالبشر هم البشر، والناس هم الناس، والكل يعرف أن أكبر نسبة للجرائم في العالم هي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه في كل دقيقة أو ثانية تقع جريمة في بريطانيا وأمريكا.
ومبدأ
إقليمية قانون العقوبات
وغيره في كل دولة معناه أن القانون يسري حكمه على كل ما يقع في إقليم الدولة من جرائم مهما كانت جنسية المجرم وصفته. وأساس هذا المبدأ حق الدولة في السيادة على إقليمها، سواء الإقليم الأرضي، والمائي، والجوي. والإقليم الأرضي يشمل جميع أجزاء حدود الدولة الجغرافية من مساحة الأرض اليابسة، والإقليم المائي يمتد إلى ذلك الجزء من البحر العام الملاصق لشواطئ الدولة، ويتحدد في العرف الدولي عرضه بثلاثة أميال
بحرية من آخر نقطة ينحسر عنها البحر وقت الجزر، والإقليم الجوي يضم كل طبقات الجو فوق الإقليمين الأرضي والمائي.
وهذا المبدأ الذي يحكم نطاق التطبيق المكاني للنصوص الجنائية الوضعية وهو ما يعبر عنه بمبدأ (إقليمية قانون العقوبات) هو المبدأ السائد في عالم القانون المعاصر، ولكن يرد عليه استثناءان: أحدهما داخلي والآخر خارجي. أما الاستثناء الداخلي فيقتضي إعفاء بعض الأشخاص من الخضوع لقانون العقوبات في الدولة، وهم أعضاء البرلمان عما يبدونه من أفكار وآراء في أداء أعمالهم داخل المجلس أو في لجانه، ورؤساء الدول الأجنبية ورجال السلك السياسي الأجنبي، وأفراد القوات الحربية الأجنبية الذين يقومون بمهمات أمنية لحفظ السلام بترخيص من الدولة، وذلك عملاً بالعرف الدولي باعتبار أن هؤلاء تتصل أوضاعهم بسيادة الدولة التي ينتمون إليها.
وأما الاستثناء الخارجي فيعني تطبيق قانون عقوبات الدولة خارج إقليمها على جرائم تمس مصلحة أساسية لها، وهي الجرائم المخلة بأمن الدولة، وجرائم تزييف النقود الوطنية، وجرائم تزوير أختام الدولة.
ولقد أجمع فقهاء الإسلام على وجوب تطبيق الشريعة في دار الإسلام على المسلمين وغيرهم، كما هو السائد في نظريات القوانين الوضعية، ومنها القوانين العربية، مع المخالفة أحياناً في بعض الحالات، فإن فقهاءنا اختلفوا فيما بينهم في مدى تطبيق الشريعة على المستأمن: وهو من دخل دارنا بأمان مؤقت، وذلك مثل الأجانب الذين يدخلون أراضي دولة أخرى بتأشيرة دخول من الدولة نفسها أو من سفاراتها أو قنصلياتها المعتمدة في خارج الدولة، كما اختلفوا أيضاً في مدى تطبيق الشريعة على جرائم مواطني الدولة الواقعة أو التي ترتكب خارج أرض الدولة.