الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند الله أتقاكم» (1)، وفي حديث آخر:«ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» (2).
وذلك يعني أن الإسلام هدم برج العصبية القاتلة، والعنصرية السقيمة البغيضة لأنها تفرق الجماعات، وتولد الأحقاد والشرور والمنازعات، وأحل محلها الإنسانية العالمية، لأنها سبيل الإخاء والمحبة والسلام (3).
الركن الثاني ـ الإقليم:
أولاً ـ موقع هذا الركن مادياً واختلافه عن نظيره في المفهوم الحديث للدولة:
15 - يشمل إقليم الدولة الإسلامية جميع البلاد الإسلامية، فهو يتحدد بحدود دار الإسلام مهما اتسعت رقعتها، ودار الإسلام:(اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين)(4). وهذا يعني ضمناً أن حدود إقليم الدولة الإسلامية ليست ثابتة أو دائمة (5)، إذ أنه يجب شرعاً تبليغ الدعوة الإسلامية إلى العالم،
(1) رواه الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ مقارب لهذا (سنن أبي داود: 624/ 2، جمع الفوائد: 398/ 2، الترغيب والترهيب: 573/ 3، 614).
(2)
رواه أبو داود عن جبير بن مطعم (سنن أبي داود: 625/ 2).
(3)
إذا كان نظام الدولة الحديث يقوم على أساس فكرة الأمة التي يرتبط أفرادها بروابط الجنس واللغة والدين أو بالروابط الاقتصادية أو الجغرافية أو التاريخية، فإن مفهوم الأمة الذي يقوم عليه نظام الدولة المسلمة أوسع مدى، فهي تشمل كل من آمن بالإسلام أو التزم أحكام الإسلام، مهما كان جنسه أو لونه أو أصله أو لغته، لأن رابطة الأخوة الإسلامية فوق رابطة الجنسية ورابطة الإقليمية أو التوطن في بلد معين.
(4)
شرح السير الكبير: 81/ 3، وانظر للتفصيل دار الإسلام ودار الحرب للمؤلف.
(5)
كان ركن الإقليم في دولة المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عبارة عن المدينة وضواحيها، ثم أخد إقليم الدولة يمتد في عهده، ثم في عهد خلفائه على النحو المعروف.
وعندئذ تنتقل الحدود بانتقال سلطان الإسلام إلى البلاد الأخرى، فكلما اتسع نطاق سلطان المسلمين اتسعت الأقاليم الإسلامية. ولا يراد بالوطن عند فقهاء الإسلام إلا مكان إقامة الشخص الدائمة، أي بلده التي يقيم فيها عادة، أو محل سكناه.
فإذا وقف سلطان امتداد الإسلام تحدد الإقليم تحت وطأة الضرورة والظروف بالحدود التي وقف عندها، وأصبحت حدود دار الإسلام مقيدة من الناحية الواقعية بهذه الحدود (1).
إلا أن الإسلام حين يزيل الحواجز الجغرافية أو العنصرية التي تقوم عليها فكرة الوطن القومي، فإنه لا يلغي فكرة الوطن على الإطلاق، لأن تعلق الإنسان بوطنه أمر فطري، حتى إن حبه يملأ نفسه ومشاعره، لذا فهو أي الإسلام يبقي على المعنى الطيب وحده لهذه الفكرة: معنى التجمع والتآخي والتعاون والنظام والمشاركة في الأفراح والأحزان، والالتفاف مع الإخوان في الوطن حول الهدف الأعلى المشترك (2)، وبالتالي فالوطن فكرة في الشعور لا رقعة من الأرض نعيش
(1) أما من الناحية المثالية فإن إقليم الدولة الإسلامي غير محدود، شأنه شأن الخطاب التكليفي غير محدد إطلاقاً بإقليم محصور معين، ولا مقيد برابطة الجنسية أو الموطن، بل هو خطاب مطلق من كل قيد، وموجه إلى المسلمين والبشر جميعاً، بغض النظر عن الروابط الإقليمية، يعني أن الشريعة ليست ذات صبغة إقليمية وإنما هي ذات صبغة عامة أو عالمية. إلا أن سلطة الدولة الإسلامية مقيدة في الواقع بحدود دار الإسلام لعدم قدرتها على التنفيذ الجبري لأحكامها في خارج دار الإسلامي (قارن التشريع الجنائي الإسلامي: 278/ 1 وما بعدها والإسلام وأوضاعنا السياسية للأستاذ عبد القادر عودة: ص221 وما بعدها، وأحكام القانون الدولي في الشريعة لحامد سلطان: ص 111و 184 و 231).
(2)
نحو مجتمع إسلامي لسيد قطب: ص 96، الإسلام والحياة للدكتور محمد يوسف موسى: ص189.