الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن يلاحظ أن التاريخ لا تتقرر أحكامه بالافتراض، والاحتمال المنطقي، وإنما يعتمد الخبر والرواية والنظر في مدى صحتها وصدقها وتمحيص الوثائق المنقولة. وما اعتمد عليه الشيعة من أخبار ناتج عن الفكرة المسيطرة على أذهانهم سابقاً بوجوب النص، واستخلاف علي رضي الله عنه بالذات.
والخلاصة: أنه لم يثبت يقيناً نص صريح قطعي يدل على إمامة علي أو غيره، ولم يصح في ذلك شيء عند أحد من أئمة النقل (1).
وحبذا لو طوينا هذا الخلاف السياسي القديم بين أهل السنة والشيعة، وأنهينا كل ما خلفه من عصبيات موروثة وخلافات جانبية، وأدركنا جميعاً ضرورة الحفاظ على الوحدة الإسلامية، وحدة الصف أمام العدو الخارجي فقط، وأن الكل مسلمون، يعملون للإسلام دون تفرقة بين الطوائف؛ لأن الخلاف بينها ليس في الأصول قطعاً، وإنما في جوانب هي أقل من الفروع والجزئيات، ولا يصح أن نتحمل آثار ومخلفات الماضي السياسية، ولا أن تبقى سبباً للخلاف؛ لأن الدين واحد، والعقيدة واحدة، والدستور واحد واضح في القرآن والسنة، وخلاف الرجال لا يصح أن يشتت وحدة الأمة.
تعيين الإمام بولاية العهد أو الاستخلاف:
ولاية العهد: هي أن يعهد الإمام إلى شخص بعينه أو بواسطة تحديد صفات معينة فيه، ليخلفه بعد وفاته، سواء أكان قريباً أم غير قريب.
رأى الفقهاء جواز انعقاد الإمامة بولاية العهد أو بالإيصاء إذا توافرت في ولي العهد شروط الخلافة، وتمت له البيعة من الأمة. فهي إذن بمثابة ترشيح
(1) مقدمة ابن خلدون: ص 168.
واقتراح من الخليفة السابق. قال الماوردي (1): وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:
أحدهما ـ أن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه، فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
والثاني ـ أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر، اعتقاداً لصحة العهد بها.
وأما ضرورة توافر شروط الإمام الشرعي في ولي العهد فهو أمر بدهي مفروغ منه، ككونه أميناً ورعاً ثقة مخلصاً لله، ناصحاً للمسلمين. قال الماوردي (2): وإذا عهد الإمام بالخلافة إلى من يصح العهد إليه على الشروط المعتبرة، كان العهد موقوفاً على قبول المولى. وتعتبر شروط الإمامة في المولى من وقت العهد إليه، فإن كان صغيراً أو فاسقاً وقت العهد لم تصح خلافته حتى يستأنف أهل الاختيار بيعته.
ويتضح ذلك من حادثتي تولية أبي بكر لعمر، وتولية عمر لأهل الشورى، فقد كان معيار الاختيار هو الحرص على رعاية مصالح الأمة، وانتقاء المستوفي لشروط الإمامة.
وأما رضا الأمة بالمولَّى فهو أمر أساسي أيضاً كما سنعرف، وهو الرأي الذي قرره بعض علماء البصرة إذ قالوا: إن رضا أهل الاختيار لبيعته شرط في لزومها للأمة؛ لأنها حق يتعلق بهم، فلم تلزمهم إلا برضا أهل الاختيار منهم.
(1) الأحكام السلطانية: ص 8.
(2)
الأحكام السلطانية: ص 9.