الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا مانع عند فقهاء الحنفية (1) وبعض الحنابلة والشافعية من الأخذ بنظام قضاء الجماعة: وهو اشتراك أكثر من قاض في نظر الدعاوى؛ لأن القاضي نائب أو وكيل عن الإمام، وللموكل أن يوكل عنه شخصاً أو أكثر، وحينئذ فلا بد من اشتراكهم جميعاً عند النظر في الدعاوى وإصدار الحكم فيها، على أساس الشورى.
وأما غير الحنفية (2) الذين لم يجيزوا تعدد القضاة، فتعللوا بتعذر اتفاق القضاة في الرأي بالمجتهد فيه، مما يؤدي إلى تعذر الفصل في الخصومات. وهذا السبب يمكن التغلب عليه بالأخذ برأي الأكثرية، ولأن القضاة يستندون إلى الرأي الذي صوبه الإمام، كما قال بعض الشافعية.
درجات التقاضي أو درجات المحاكم والطعن في الأحكام:
الأصل في القضاء أن يكون على درجة واحدة حسماً للنزاع في أسرع وقت، ولكن ضماناً لسير العدالة وإحقاق الحق، وبسبب قلة الورع، ونقص العلم، جرى العمل حديثاً على تعدد المحاكم.
ولا مانع في الفقه الإسلامي من مبدأ التعدد، بدليل أن سيدنا علياً قضى بين خصمين في اليمن، وأجاز لهما إذا لم يرضيا أن يأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتياه فأقر قضاء علي. وقال عمر لأبي موسى الأشعري في رسالته المشهورة:«ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، ثم راجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ لأن الحق قديم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل» .
(1) الفتاوى الهندية: 317/ 3، التبصرة لابن فرحون: 37/ 1.
(2)
مغني المحتاج: 380/ 4، المغني: 105/ 9، حاشية الدسوقي: 134/ 4.
وقد فصل فقهاء المذاهب الأربعة هذا الموضوع في بحث الاجتهاد أو نقض الحكم على النحو التالي:
إذا كان الحكم معتمداً على دليل قطعي من نص أو إجماع أوقياس جلي (1) فلا ينقض؛ لأن نقضه إهمال للدليل القطعي، وهو غير جائز أصلاً.
وأما إذا خالف الحكم دليلاً قطعياً، فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل القاضي نفسه، أو من قاضٍ آخر، لمخالفته الدليل.
فإن كان الحكم في غير الأمور القطعية، وإنما في مجال الاجتهادات أو الأدلة الظنية، فلا ينقض (أي بحسب نظام القضاة الفردي) حتى لا تضطرب الأحكام الشرعية أو تنعدم الثقة بأحكام القضاة، وتبقى الخصومات على حالها بدون فصل زماناً طويلاً.
أما في أسلوب تعدد المحاكم، فإن الخصمين يعلمان سلفاً أن الحكم لم يكتسب الدرجة القطعية، وإنما يجوز استئنافه ونقضه، فلم تعد هناك خشية من اضطراب الأحكام؛ لأن الحكم لم يكتمل بعد. ويمكن تأييد ما ذكر بما قرر الفقهاء من جواز نقض الحكم إذا صدر سهواً، أو ظهر فيه خطأ (2). فإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية من محكمة النقض، فلا ينقض الحكم السابق في حادثة مشابهة عملاً بقاعدة:«الاجتهاد لا ينقض بمثله» وأصلها قول عمر: «تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي» .
(1) وهو ما كانت العلة فيه منصوصة، أو قطع بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع، كقياس الضرب على التأفف في الحرمة.
(2)
راجع تبصرة الحكام: 55/ 1 وما بعدها، فتح القدير: 487/ 5، البدائع: 14/ 7، مغني المحتاج: 396/ 4، المغني: 56/ 9، العقد المنظم للحكام: 192/ 2، أصول الفقه للمؤلف 1114/ 2 ومابعدها.