الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مادته، وسد ذريعته (1) ودفع ما يفضي إليه، إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة .. (2) وقال القرافي:(إن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج (3).
وتلزم الدولة الإسلامية شرعاً بالحفاظ على الآداب وحماية الأخلاق، ومنع المعاصي وردع الفساق وقمع المنكرات وتأديب العصاة حتى تكون الحياة الإسلامية نظيفة من الشوائب بعيدة عن المكدرات وأسباب الفوضى والانحراف. قال الماوردي:(الذي يلزم الإمام إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عبادة من إتلاف واستهلاك)(4)، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(لا بد للناس من إمارة برَّة كانت أو فاجرة، فقيل: يا أمير المؤمنين: هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ فقال: يقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء)(5).
5 - إقامة العدالة الاجتماعية:
63 -
على الدولة أيضاً تحقيق التكافل الاجتماعي بين الناس، لأنها مسؤولة عن الرعية وعن ضرورة إقامة العدل ومنع الظلم وغيره، وتحقيق التعاون على البر والتقوى من استيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ونحوه (6)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن
(1) الذريعة: الوسيلة.
(2)
السياسة الشرعية: ص 68 و 140 وما بعدها.
(3)
الفروق: 33/ 2 وانظر أيضاً أعلام الموقعين لابن قيم: 147/ 3.
(4)
الأحكام السلطانية ص 14 وقد سبق ذكره.
(5)
السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 63 وما بعدها.
(6)
المرجع السابق: ص 47.
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (1). «من ترك كَلاًّ أو ضَياعاً فأنا وليه» (2)«ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره يجوع إلى جنبه» (3)«إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً، ويعذبهم عذاباً أليماً» (4)«أيما أهل عَرْصة ـ بقعة ـ أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى» (5).
64 -
ووسائل الدولة لتأمين معيشة رعاياها كثيرة أهمها: تهيئة سبل الكسب المشروع، ووسائل العمل الشريف مع تكافؤ الفرص، وتحقيق الحاجات الأساسية من مسكن ومأكل وملبس أولاً. ومن عجز عن العمل فنفقته على أقاربه الموسرين، فإن لم يوجدوا فعلى بيت المال، كما هو معروف عند الفقهاء.
قال الماوردي: (القاعدة الثالثة مما يصلح به حال الإنسان في الدنيا: المادة الكافية؛ لأن حاجة الإنسان لازمة لا يعرى منها بشر، قال الله تعالى في الأنبياء:
(1) سبق تخريجه.
(2)
رواه البخاري ومسلم ورواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب بلفظ «من ترك كلا فإلي» ورواه أحمد والبيهقي بلفظ «ومن ترك كلاً فإلى الله ورسوله» (صحيح البخاري: 273/ 8 جامع الأصول 384/ 10، شرح مسلم 61/ 11، الفتح الكبير).
كلاً: أي ثقلاً فيشمل الدين والعيال. والضياع: اسم ما هو في معرض أن يضيع إن لم يتعهد كالذرية الصغار والزمنى الذين لا يقومون بحاجة أنفسهم.
(3)
رواه البيهقي عن ابن عباس وكذا رواه الطبراني وأبو يعلى عنه ورجاله ثقات (مجمع الزوائد: 167/ 8).
(4)
رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وروي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أشبه (الترغيب والترهيب: 538/ 1، مجمع الزوائد: 62/ 3).
(5)
رواه أحمد والحاكم وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة، والأول مختلف فيه، والثاني قال عنه ابن حزم: إنه مجهول، وقال غيره: معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة واحتج به النسائي (نيل الأوطار: 221/ 5).
{وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وماكانوا خالدين} [الأنبياء:8/ 21]. فإذا عدم المادة التي هي قوام نفسه لم تدم له حياة، ولم تستقم له دنيا، وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في نفسه والاختلال في دنياه بقدر ما تعذر من المادة عليه؛ لأن الشيء القائم بغيره يكمل بكماله، ويختل باختلاله) (1).
وقد أطلق القرآن للإنسان حرية الاستمتاع بالطيبات المباحة، قال تعالى:{كلوا من طيبات ما رزقناكم} [طه:81/ 20]{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة:87/ 5].
ويعبر الفقهاء عن واجب الدولة بتأمين العاجزين عن العمل بدفع ضرر المسلمين إلى حد الكفاية، قال النووي:(من فروض الكفاية: دفع ضرر المسلمين ككسوة عار، وإطعام جائع إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال) وتساءل شارح المنهاج (هل يكفي سد الضروة، أم يجب تمام الكفاية التي يقوم بها من تلزمه النفقة؟ قال: فيه وجهان: قيل: ما يسد الرمق، والأوجه ما يحقق الكفاية)(2). وقال ابن حزم: (فرض على الأغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة)(3).
فعلى الحاكم إذن تحقيق العدالة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء رعاية للمصلحة العامة، وله أن يتوصل لهذه الغاية بما يفرضه من تكاليف وضرائب على
(1) أدب الدنيا والدين مع شرحه: ص 363.
(2)
المنهاج مع مغني المحتاج: 212/ 4.
(3)
المحلى: 452/ 6، م 725.