الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة في إعلان الحرب متى شاءت، لأن الميثاق يقوم على فكرة نبذ الحروب ووجوب استتباب الأمن والسلم الدولي (1).
والخلاصة: أن الاتجاه الحالي للدول نحو التجمع والاتحاد يتفق مع أصل الفكرة الشرعية الداعية إلى وحدة السلطة أو السيادة في جميع أقاليم دار الإسلام.
المطلب الثاني ـ نشأة مصطلح الدولة الإسلامية:
1 - السبب في إطلاق مصطلح الدولة الإسلامية على نظم الحكم الإسلامية:
6 -
لم يضع العلماء المجتهدون نظرية عامة للدولة تبين أسسها النظرية أو العملية، وإنما كانوا يضعون الحلول ويقدمون الآراء بمناسبة كل حالة طارئة، كما هو الشأن في أغلب أحكام الفقه الإسلامي، لكنهم مع ذلك يلاحظ أنهم يسيرون على هدى مبادئ ونظريات عامة ثابتة، وهكذا فإن الدولة الإسلامية قامت على دعائم جديدة مبتكرة تختلف تماماً عن الدعائم التي قامت عليها بيزنطة وفارس، ومنها أن الإسلام نبذ فكرة سيطرة الحاكم، وفكرة خضوع المحكومين في الشؤون الدينية والدنيوية معاً لغير مبادئ الإسلام، فالله وحده هو صاحب السلطان في شؤون الآخرة من ثواب أو عقاب، ويقوم نظام الحكم في الشؤون الدنيوية على القواعد الشرعية في حفظ المصالح ودرء المفاسد بحسب حال الزمان والمكان،
(1) القانون الدولي العام للدكتور حامد سلطان: ص 752 وما بعدها، حافظ غانم، المرجع السابق: ص153.
وعلى أسس العدل والشورى والمساواة والمعاملة بالمثل والأخلاق، وعدم التمييز بين الناس في الجنس واللغة أو اللون أو الإقليم (1).
7 -
ونلاحظ أن عناصر الدولة الحديثة نفسها التي تتكون منها الآن كانت متوافرة في تكوين الدولة الإسلامية في الماضي (2): وهي الجماعة من الناس، والخضوع لنظام معين، والتسليم المحدد، والسلطان أو السيادة، والشخصية المعنوية.
هذه العناصر والخصائص توافرت بذاتها في الحكومة النبوية التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فالمسلمون الأولون من المهاجرين والأنصار هم شعب الدولة، والشريعة الإسلامية هي نظامها، والمدينة هي إقليمها، والنبي صاحب السلطان لا يشاركه فيه سلطة أخرى، والجماعة الإسلامية تمثل الشخصية المعنوية للدولة فيكون لها حقوق، وعليها التزامات، وتظل المعاهدات التي يعقدها الحاكم الأعلى نافذة المفعول لا تنتقض أو لا تنتهي بوفاته.
وكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية قبل الهجرة (3) على الإيمان بالله وبرسوله، وعلى السمع والطاعة للرسول عليه الصلاة والسلام، وحمايته ونصرته هما الركيزة الأولى في الاتفاق على تكوين دولة المدينة (4).
(1) تفسير ابن كثير: 217/ 4، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 157 وما بعدها، شرح أدب الدنيا والدين: ص 240، 488، تفسير المنار: 11/ 3 وما بعدها، و 199/ 4 وما بعدها، و 188/ 5 وما بعدها، أحكام القانون الدولي في الشريعة لحامد سلطان: ص 127 وما بعدها.
(2)
ر: للتفصيل دار الإسلام ودار الحرب للمؤلف.
(3)
حدثت البيعة الأولى قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر، والثانية بعدها بعام واحد في موسم الحج:(سيرة ابن هشام: المجلد الأول/431، 418، ط الثانية للحلبي).
(4)
على الرغم مما كانت عليه هذه الدولة من بساطة، فإنها كانت دولة مستوفية جميع أركانها، كما كان شأن دولة مدينة روما، أو دولة مدينة أثينا في الأزمنة القديمة (انظر مبادئ نظام الحكم في الإسلام للدكتور عبد الحميد متولي: ص 451 و 488).
كانت إذن الحكومة النبوية في المدينة جديرة بإطلاق مصطلح الدولة الإسلامية عليها، ويؤكد ذلك ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من إصلاحات اجتماعية وسياسية عقب الهجرة مباشرة، فجمع بين المهاجرين والأنصار وآخى بينهم، ووادع يهود المدينة، وكانت هذه المعاهدة بين المسلمين وغيرهم بمثابة الدستور الذي نظم شؤون المسلمين وعلاقاتهم بغيرهم داخل المدينة وخارجها (1) على نحو أشبه ما يسمى اليوم بالميثاق الوطني.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمارس شؤون السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فكان عن طريق الوحي والاجتهاد الخاص يضع قواعد السلوك للناس في حياتهم الاجتماعية، ويحكم بين الخصوم، ويجبي الصدقات، ويوزع الغنائم، ويولي الأمراء على القبائل والمدن ويحدد لهم الاختصاصات، ويرسل القضاة إلى الأمصار، ويقود المعارك، ويعقد عقود الصلح أو الموادعة.
أنشأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه التصرفات تنظيماً أو جهازاً إدارياً بالتدريج توضحت معالمه واستكملت عناصر بنيانه قبل وفاته بسنتين، حيث أرسل الأمراء والعمال إلى البلاد التي آمنت برسالته، وكان في كل وقت شديد الحرص على مشاورة أصحابه، ويقوم أحد كتاب الوحي عنده بالكتابة إلى الملوك والأمراء، ويتخصص بعض الكتاب لحوائج الناس أو لمنازعاتهم، أو لعلاقات القبائل وتوزيع الحقوق فيما بينهما ونحو ذلك مما يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن رسولاً فحسب، وإنما كان كذلك حاكماً ورئيساً لدولة (2).
(1) سيرة ابن هشام، المرجع السابق: ص 501 وما بعدها.
(2)
عبقرية الإسلام في أصول الحكم للدكتور منير العجلاني: ص 90 - 98، مبادئ نظام الحكم في الإسلام للدكتور عبد الحميد متولي: ص 451.