الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع عشر
تنظيم المجتمع النبوي
أولا: بناء المسجد:
(عن أنس قال: قدم النبي (ص) المدينة، فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي (ص) أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار، فجاؤوا متقلدي السيوف، كأني أنظر إلى النبي (ص) على راحلته وأو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب.
وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وإنه أمر ببناء المسجد. فأرسل إلى ملأ بني النجار فقال:((يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا؟)) قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا من الله. قال أنس: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين. وفيه خرب وفيه نخل، فأمر النبي (ص) بقبور المشركين فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطعت. فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضاديته الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون، والنبي (ص) معهم وهو يقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة
…
فاغفر الأنصار والمهاجرة) (1)
(1) شرح السنة للبغوي 366/ 13 وقال: هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم ك. المساجد ب. 1 ح 524. والبخاري: ك. مناقب الأنصار 63 ب. هجرة النبي (ص) 45 وفي رواية البخاري: فانصر الأنصار والمهاجرة ج 5 ص 86.
لقد كانت الخطوة الأولى في المدينة، بعد وصول الرسول (ص) واستقراره، وفي اليوم الأول الذي نزل فيه هو بناء المسجد النبوي. وهو عنوان هذه الأمة، وهو الذي يمثل رمز انتصاراتها. لقد أمضى في مكة ثلاثة عشر عاما يعبدون الله على خوف ووجل. ويضطهدون إن أعلنوا شعائرهم، ويؤذون إن صلوا وجهروا بصلاتهم، وكان أول ركن تقوم دولة الإسلام عليه، ومن أجله هو الصلاة {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوههم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (1).
فكان قيام المسجد النبوي وإعلان التوحيد في المدينة، هو إعلان قيام دولة الإسلام، ورسول الله (ص) يعقد هذا الأمر في دور بني النجار، وبعيون الملأ منهم، وفي ظلال سيوفهم. فالدولة الآن دولة الإسلام وهم حماتها، واختيار رسول الله بني النجار، هو اختيار عميق، يحمل معنى عميقا كذلك، فبنو النجار أخوال رسول الله (ص)، وهو في جوارهم، والمسجد في أرضهم، ولن يروم حماهم أحد .. وحيث يمكن أن يقع صراع في أي قبيلة بين مؤيد ومعارض. ففي بني النجار، فلا .. لأنهم أهل رسول الله (ص)، وكما كان بنو هاشم وبنو المطلب في مكة، فبنو النجار في المدينة، ونقيبهم
(1) النور 55.
(2)
الحج 41.
أسعد بن زرارة، صاحب العقبات الثلاث، والشاب الذي يتوقد قوة وحيوية، الذي خاض غمار المواجهة في المدينة حتى أرسى دعائم الإسلام فيها. وشهد رسول الله (ص) لبني النجار بالخيرية فقال:((إن خير دور الأنصار دار بني النجار. ثم عبد الأشهل، ثم دار بني الحارث، ثم بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير} (1). وبلغ من إكرام الرسول (ص) لهم أن كان نقيبهم بعد وفاه نقيبهم أسعد بن زراره. فقد ذكر ابن إسحاق عن عاصم عن عمر بن قتادة أن بني النجار سألوا رسول الله (ص) أن يقيم لهم نقيبا بعد أسعد بن زرارة، فقال:((أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم)) وكره أن يخص بها بعضهم دون بعض، فكان من فضل بني النجار الذي يعتدون به على قومهم أن كان رسول الله (ص) نقيبهم) (2).
وسبيقى المسجد بالنسبة للمسلمين رمز انتصاراتهم، لا على أنه دار عبادة فحسب، بل هو دار حياة المسلم، وحين نرى المساجد الضخمة اليوم تملأ الآفاق في كل أصقاع الأرض، ونرى زينتها وزحرفها وتفوقها كثيرا في البناء، لكننا لا نجد في داخلها تلك الحيوية التي تمثل انطلاقة الإسلام، فالمسجد يحكم البيت، ويحكم الشارع، ويحكم الحاكم، ويحكم الحياة .. لكنه تحول في واقعنا إلى بيت للصلاة فقط، وفي بعض البلدان هو بيت الخوف والرعب، فالشاب الذي يدخله معرض للفتنة والابتلاء والموت، نذكر هذه المساجد أمام القلعة الأولى للإسلام في المدينة، والتي تحركت منها الكتائب التي حكمت ثلثي الأرض آنذاك .. هذه القلعة نستمع إلى وصف دقيق لها:
(1) البخاري ك. مناقب الأنصار 63 ب. فضل دور الأنصار 7 ج 5 ص 41.
(2)
البداية والنهاية 3/ 251.