الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع والعشرون
غزوة حنين
أحداث الغزوة:
1 -
قال عباس: (شهدت مع رسول الله (ص) يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله (ص) فلم نفارقه، ورسول الله (ص) على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى. فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين. فطفق رسول الله (ص) يركض بغلته قبل الكفار. قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) أكفها إرادة أن لا تسرع. وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله (ص). فقال رسول الله (ص): ((أي عباس ناد أصحاب السمرة)) فقال عباس - وكان رجلا صيتا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة. قال: فو الله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يالبيك قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحاث بن الخزرج. فنظر رسول الله (ص) وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسول الله (ص) هذا حين حمي الوطيس. قال: ثم أخذ رسول الله (ص) حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد. قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أري. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم
بحصياته. فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا) (1).
2 -
(قال رجل للبراء: يا أبا عمارة: أفررتم يوم حنين؟. قال: لا والله ما ولى رسول الله (ص) ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نصر. فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. فأقبلوا هناك إلى رسول الله (ص)، ورسول الله على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به فنزل فاستنصر وقال: أنا النبي لا أكدب أنا ابن عبد المطلب، ثم صفهم) (2).
3 -
وعن جابر بن عبد الله قال: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا. قال: وفي عماية الصبح. وقد كان القوم قد كمنوا لنا في شعابه. وفي أجنابه ومضائقه قد أجمعوا وتهيؤوا وأعدوا. قال: فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد وانهزم الناس راجعين. فانشمروا لا يلوي أحد على أحد. وانحاز رسول الله (ص) ذات اليمين ثم قال: إلي أيها الناس. إلا أن مع رسول الله (ص) رهط من المهاجرين والأنصار وأهل بيته غير كثير. وفيمن ثبت معه أبو بكر وعمر عليهما السلام ومن أهل بيته علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن وأسامة بن زيد عليهما السلام. قال: ورجل من هوازن على جمل له
(1) مسلم: ك الجهاد والسير 32/ب في غزوة حنين 28/ج3 ص 1398/ح 1775.
(2)
المصدر نفسه رقم 1776.
أحمر في يده راية له سوداء في رأس رمح له طويل أمام الناس وهوازن خلفه. فإذا أدرك طعن برمحه. فإذا فاته الناس رفع لمن وراءه فاتبعوه قال: وبينما ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه قال: فيأتيه على من خلفه فيضرب عرقوبي الجمل فيوقع عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه. فانعجف عن رحله واجتلد الناس فوالله ما رجعت رجعة الناس حتى الأسارى مكتفين عند رسول الله (ص)) (1)
4 -
وعن عبد الله بن مسعود قال: (كنت مع النبي (ص) يوم حنين قال: فولى الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة، قال: ورسول الله (ص)، على بغلته يمضي قدما فحارت به بغلته. فمال عن السرج. فقلت: ارتفع رفعك الله.
فقال: ناولني كفا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا.
قال: أين المهاجرون والأنصار قلت: هم أولاء. قال: اهتف بهم فهتفت بهم. فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم) (2).
5 -
وعن الحارث بن بدل قال: (شهدت رسول الله يوم حنين وانهزم
(1) مجمع الزوائد /6/ 180 وقال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى ورواه البزار باختصار وفيه ابن اسحاق وقد صرح بالسماح في رواية أبي يعلى وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
(2)
المصدر نفسه وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة.
أصحابه أجمعون إلا العباس بن عبد المطلب وأبا سفيان بن الحارث فرمى رسول الله (ص) وجوهنا بقبضة من الأرض فانهزمنا، فما يخيل إلي أن كل شجرة ولا حجر إلا وهو في آثارنا) (1).
6 -
وعن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول الله (ص) في غزوة حنين في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر. فلما زالت الشمس. لبست لأمتي وركبت فرسي فأتيته في فسطاطه فسلمت عليه فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقلت: حان الرواح يا رسول الله قال: فناد بلالا. فثار بلال من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر.
فقال لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال: أسرج لي فرسي سرجا دفتاه من ليف ليس فيه أشر ولا بطر فأسرج له ثم ركب ومضينا عشيتنا وليلتنا.
فلما تسامت الخيلان (2) ولى المسلمون مدبرين كما قال الله فقال رسول الله (ص) يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله واقتحم عن فرسه فنزل فأخذ كفا من حصى قال: فحدثني من هو أقرب إليه مني أنه ضرب وجوههم وقال: شاهت الوجوه فهزم الله المشركين. قال: فحدثني أبناؤهم أن آباءهم قالوا: فما بقي منا يومئذ أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة من السماء إلى الأرض كإمرار الحديد على الطست) (3).
(1) مجمع الزوائد الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2)
تسامت الخيلان: أي التقى الجيشان.
(3)
مجمع الزوائد 6/ 181 - 182 للهيثمي وقال: روى أبو داود منه إلى قوله ليس فيه أثر ولا بطر. ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات.
7 -
وقال محمد بن شهاب: (وزعم عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبره أن رسول الله (ص) قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوا أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله (ص):((معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه. فاختاروا إحدى الطائفتين. إما السبي وإما المال. وقد كنت استأنيت بكم - وكان نظرهم رسول الله - (ص) - بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف - فلما تبين لهم أن رسول الله (ص) غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله - (ص) - في المسلمين. فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: ((أما بعد فإن إخوانكم قد جاؤوا تائبين، وقد رأيت أن أرد إليهم سبيهم. فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل. ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا.))
فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله (ص) فقال: ((إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن. فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم.))
فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله (ص) فأخبرو أنهم قد طيبوا وأذنوا) (1).
8 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: لما فرغ النبي (ص) من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس. فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى، وبعثني مع أبي عامر. فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته. فانتهيت
(1) البخاري ك 64/ ب 54/ ج 5/ ص 195 - 196.
إليه. فقلت يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت إليه فلحقته، فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألا تثبت. فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته.
ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم.
فنزعته. فنزا منه الماء. قال: يابن أخي اقرىء النبي (ص) السلام وقل له: استغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس. فمكث يسيرا ثم مات. فرجعت فدخلت على النبي (ص) في بيته على سرير مرمل وعليه فراش. قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه. فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال: قل له: استغفر لي. فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: ((اللهم أغفر لعبيد أبي عامر)) ورأيت بياض إبطيه. ثم قال: ((اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)). فقلت: ولي فاستغفر. فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما) (1).
9 -
وعن أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ومع النبي (ص) عشرة آلاف، ومن الطلقاء. فأدبروا عنه حتى بقي وحده. فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه. فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك. ثم التفت عن يساره. فقال: يا معشر الأنصار. قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك. وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون. فأصاب يومئذ غنائم كثيرة. فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا.
(1) البخاري ك 64/ ب 56/ ج 5/ ص 197 - 198.