المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام: - فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌أولامباحث تمهيدية

- ‌الفصل الأولمعنى السيرة النبوية وأهميتها

- ‌تعريف بالسيرة النبوية:

- ‌أهمية السيرة النبوية:

- ‌دراسة السيرة عبادة:

- ‌مصادر السيرة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا كتب السنة:

- ‌ثالثا: كتب السير والتراجم:

- ‌رابعا: كتب الدلائل والشمائل والمعجزات والخصائص:

- ‌خامسا: كتب التاريخ والأدب:

- ‌مدى عناية المسلمين بها:

- ‌وكلمة عن ابن هشام وعمله في سيرة ابن إسحاق:

- ‌السيرة النبوية خلال القرون:

- ‌الفصل الثانيالنبوة

- ‌حاجة البشر إلى الأنبياء:

- ‌حاجتهم إلى خاتم الأنبياء:

- ‌الإيمان هو الأصل والشرك طارئ:

- ‌النبوة اجتباء من الله تعالى واصطفاء:

- ‌الفصل الثالثلمحة عن‌‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌طروء الشرك عليهم:

- ‌عناية الإسلام بسد ذرائع الشرك:

- ‌الفصل الرابعنبذة عن حياة العرب

- ‌أصول العرب:

- ‌ العرب البائدة:

- ‌ العرب العاربة:

- ‌ العرب العدنانية:

- ‌الحالة الدينية:

- ‌الطواغيت:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌ الملك باليمن:

- ‌الملك بالحيرة

- ‌الملك بالشام:

- ‌الإمارة بالحجاز:

- ‌الحياة الاجتماعية والخلقية:

- ‌الحالة الاقتصادية:

- ‌الحالة الخلقية:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌الفصل الخامساختياره من بيت شرف ونسب

- ‌الفصل السادسيتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السابععمله ب‌‌الرعيوالتجارة

- ‌الرعي

- ‌التجارة:

- ‌الفصل الثامنحفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة

- ‌لقاؤه مع بحيرا الراهب:

- ‌أمره بستر عورته:

- ‌أمر الجاهلية:

- ‌وقوفه بعرفات:

- ‌الفصل التاسعمشاركته في أحداث قومه

- ‌حضوره حرب الفجار

- ‌شهوده حلف الفضول:

- ‌بناء الكعبة والتحكيم:

- ‌الفصل العاشرزواجه من خديجة

- ‌العهد المكي للدعوة

- ‌الفصل الحادي عشرالوحي

- ‌الفصل الثاني عشرمراحل الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشرمن أسلوب المخالفين في مواجهة الدعوة

- ‌أولا: التشويه:

- ‌ثانيا: التهديد:

- ‌ثالثا: التعذيب:

- ‌رابعا: الترغيب:

- ‌ المال:

- ‌ الجاه:

- ‌ النساء:

- ‌خامسا: التعجيز:

- ‌سادسا: الاغتيال:

- ‌سابعا: المقاطعة:

- ‌الفصل الرابع عشرسنة الله تعالى في الابتلاء

- ‌ تزكية الفرد:

- ‌ نفي الخبث عن الدعوة:

- ‌ الدعاية لها:

- ‌ جذب بعض العناصر القوية إليها:

- ‌وجوب الصبر على الابتلاء

- ‌الفصل الخامس عشرالاستفادة من قيم الجاهلية

- ‌الفصل السادس عشروطن الداعية حيث مصلحة الدعوة

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌قريش تحاول إعادة المهاجرين إليها:

- ‌تخطيط ذكي جديد:

- ‌مؤامرة جديدة تتحطم:

- ‌ثانيا: عرض رسول الله (ص) نفسه على ثقيف

- ‌ثالثا: عرض نفسه على القبائل

- ‌بنو شيبان:

- ‌الفصل السابع عشرالإسراء والمعراج ودلالتهما

- ‌حديث الإسراء

- ‌حديث المعراج

- ‌الفصل الثامن عشرالهجرة إلى المدينة

- ‌أولا: أسبابها:

- ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

- ‌ تهيئة الركب:

- ‌ شراء البعيرين وعلفهما:

- ‌ جاء في نحر الظهيرة:

- ‌ مجيئه مقنعا:

- ‌ الأمر بإخراج الناس من البيت:

- ‌ تهيئة الزاد:

- ‌ الخروج من خوخة أبي بكر:

- ‌ كتمان الأمر:

- ‌ الخروج إلى الغار:

- ‌ عبد الله يتلقط الأخبار:

- ‌ عامر بن فهيرة يعفو على الأثر:

- ‌ ابن فهيرة وغنمه للزاد كذ

- ‌ رسول الله (ص) لا يبيت على فراشه:

- ‌ مبيت علي رضي الله عنه في الفراش:

- ‌ اختيار الدليل المناسب:

- ‌ اختيار طريق الساحل:

- ‌ الهادي على الطريق:

- ‌ حيلة أسماء في المال:

- ‌أهمية الهجرة في تاريخ الدعوة:

- ‌ثالثا: دور الشباب والمرأة في الهجرة:

- ‌العهد المدني للدعوة

- ‌الفصل التاسع عشرتنظيم المجتمع النبوي

- ‌أولا: بناء المسجد:

- ‌ثانيا: المؤاخاة:

- ‌ثالثا: وثيقة المدينة (الدستور الإسلامي):

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌ دستور الدولة الإسلامية الجديدة

- ‌ الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:

- ‌ الباب الثاني: حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة المسلمة

- ‌ الباب الثالث: أحكام عامة للمواطنين عامة:

- ‌الفصل العشرونالإذن في الجهاد

- ‌أولا: مرحلة كف اليد:

- ‌ثانيا: الإذن في الجهاد:

- ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

- ‌الفصل الحادي والعشرونأهم السرايا والغزوات

- ‌أولا: الإحصاء الإجمالي:

- ‌ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:

- ‌الفصل الثاني والعشرونغزوة بدر

- ‌أولا: أسباب الغزوة وأهدافها:

- ‌ثانيا: الاستشارة التي غيرت وجه المعركة:

- ‌ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:

- ‌رابعا: من أحداث الغزوة:

- ‌خامسا: أهمية الغزوة:

- ‌سادسا: آثارها:

- ‌الفصل الثالث والعشرونغزوة أحد

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌قوانين النصر والهزيمة:

- ‌التمحيص في أحد:

- ‌النماذج الإيمانية الرائعة:

- ‌القيادة النبوية العظيمة:

- ‌آثار المعركة:

- ‌ من حيث موقف المسلمين في المدينة:

- ‌ من حيث جرأة العرب على المؤمنين:

- ‌ من حيث الموقف مع قريش:

- ‌كيف عالج القرآن أثر المحنة

- ‌الفصل الرابع والعشرونغزوة الخندق

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌الفصل الخامس والعشرونغزوة الحديبية

- ‌أحداث الحديبية:

- ‌الفصل السادس والعشرونغزوة خيبر

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل السابع والعشرونغزوة مؤتة

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثامن والعشرونفتح مكة

- ‌ أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل التاسع والعشرونغزوة حنين

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثلاثونغزوة تبوك

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الحادي والثلاثونمواقف المنافقين من الدعوة

- ‌ النفاق في مكة:

- ‌ بداية التجمع:

- ‌ دورهم في غزوة بني قينقاع:

- ‌ دورهم في غزوة أحد

- ‌ تآمرهم مع بني النضير

- ‌ المنافقون يوم الأحزاب

- ‌ الفريق الأول:

- ‌ الفريق الثاني:

- ‌ الفريق الثالث:

- ‌ المنافقون يوم بني المصطلق

- ‌ بعد الحديبية وفتح مكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثونمواقف اليهود من الدعاة

- ‌ الموقف الديني:

- ‌ المواقف السياسية

- ‌المواقف العسكرية

- ‌الفصل الثالث والثلاثونأزواج النبي (ص)

- ‌المرحلة الأولى: حتى الخامسة والعشرين:

- ‌ عنف صبوة الشباب وتأجج العاطفة

- ‌المرحلة الثانية: حتى الخمسين من عمره

- ‌ زواجه من خديجة رضي الله عنها

- ‌المرحلة الثالثة: حتى الخامسة والخمسون من العمر

- ‌ الزواج بعائشة وسودة

- ‌المرحلة الرابعة: من الخامسة والخمسين حتى الستين

- ‌بقية نسائه

- ‌(أ) حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌(ب) زينب بنت خزيمة

- ‌(ج) أم سلمة:

- ‌(د) زينب بنت جحش:

- ‌(هـ) أم حبيبة بنت أبي سفيان

- ‌(و) جويرية بنت الحارث:

- ‌(ز) ريحانة بنت زيد:

- ‌(ح) صفية بنت حيي:

- ‌(ط) مارية القبطية:

- ‌(ي) ميمونة بنت الحارث:

- ‌المرحلة الخامسة: من الستين إلى الثالثة والستين

- ‌لم يتزوج فيها رسول الله

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الرابع والثلاثونعالمية الدعوة: أدلتها ومظاهرها من السيرة

- ‌ كتب رسول الله (ص) إلى كل ملوك الأرض

- ‌ كتاب هرقل عظيم الروم:

- ‌ كتاب كسرى عظيم الفرس

- ‌ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ بقية الكتب:

- ‌الفصل الخامس والثلاثونأخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب محبته ومن لوازم محبته اتباعه:

- ‌نماذج من تربيته (ص) لأصحابه:

- ‌الفصل السادس والثلاثونوفاته صلى الله عليه وسلم. وبيعة الصديق

- ‌قبل أربعة أيام: يوم الخميس:

- ‌قبل ثلاثة أيام: يوم الجمعة:

- ‌قبل يوم واحد:

- ‌آخر يوم من الحياة:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌جهاز رسول الله (ص) ودفنه

- ‌تكفين رسول الله:

- ‌حفر القبر:

- ‌الصلاة على رسول الله ثم دفنه:

- ‌الفصل السابع والثلاثونبيعة الصديق وحروب الردة

- ‌الانقلاب على العقب:

- ‌إنفاذ جيش أسامة:

- ‌مانعو الزكاة:

- ‌ الكتاب الذي وجهه الصديق إلى هؤلاء المردة المرتدين

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌المحتوى

الفصل: ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

العشر بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله (ص) وكانوا نيفا وثمانين قالوا: يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي - يعنون أهل منى - ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله (ص): ((إني لم أؤمر بهذا)) فلما بغى المشركون، وأخرجوا النبي (ص) من بين أظهرهم وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة. فلما استقروا بالمدينة، وافاهم رسول الله (ص) واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره، وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجؤون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك) (1).

وهكذا نرى كل الروايات تضافرت لتؤكد أن الإذن بالجهاد إنما كان في هذه الآية، ونزلت في مقدم رسول الله (ص) المدينة، ولم تكن العقبة التي أطلق عليها بيعة الحرب إلا إيذانا بذلك.

‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

نضع الجهاد في الإسلام حيث وضعه الله تعالى ورسوله.

{

ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} (2).

{

ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز

(1) تفسير ابن كثير سورة الحج 8/ 4 649،64.

(2)

البقرة من الآية 251.

ص: 389

الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (1).

((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) (2).

فالفساد في الأرض قائم ما لم يكن الجهاد. والآية الثانية تفسر هذا الفساد، بأنه منع ذكر الله في الأرض، وهدم بيوت العبادة والطاعة لله في الأرض، واجتثاث هذه العقيدة من الناس، ليكون الحكم للطواغيت، فلا يعبد الله في الأرض.

((اللهم إن تلك هذه العصابة، فإن شئت أن لا تعبد في الأرض)) (3).

هذا من الناحية السلبية، ولا يكفي أن يكون الجهاد فقط هو أن يسمح بذكر الله، وأن يسمح بحرية العبادة، وأن يسمح بحرية القول.

هناك هدف أبعد هو إقامة شريعة الله في الأرض، وتنفيذ منهجه فيها بحيث تكون الحاكمية له وحده في هذا الوجود. {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} (4)

والتمكين في الأرض يرافقه إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر {وعدا الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} (5).

(1) الحج 40، 41.

(2)

الترمذي ك. الإيمان 8 وابن ماجة ك. الفتن 12 والإمام أحمد 5/ 221 وغيرها.

(3)

مسلم ك. الجهاد والسير 1763.

(4)

الزخرف من الآية 84.

(5)

النور من الآية 55.

ص: 390

فلا بد من الاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها للذين آمنو وعملوا الصالحات، وهذا لا يتم إلا عن طريق الجهاد.

((فالجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ي (1).

و ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) (2).

إن الجهاد في الإسلام هو الأداة الوحيدة للتمكين في الأرض {لقد أرسلنا رسلنا بالبييات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ..} .

وحتى يتحقق هذا الهدف الذي من أجله أنزل الكتاب، ليحقق القسط والعدل بين الناس، لابد من الوسيلة الرئيسية له ألا وهي السلاح والجهاد .. {ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (3).

((

ما ترك قوم الجهاد، إلا عمهم الله بعذاب)) (4).

والحديث هو منطوق الآية الكريمة التي تدعو إلى الجهاد، وتحذر من التخلف عنه.

(1) أبو داود ك. الجهاد 15 ب. في الغزو مع أئمة الجور 33 ح 2532 ج 3 ص 18.

(2)

مسلم ك. الإجارة 33 ب. لا تزال طائفة (52، 53) ح 1920 ج 3.

(3)

الحديد 25.

(4)

مجمع الزوائد 5/ 284 وقال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه علي بن سعيد الرازي، قال الدارقطني ليس بذاك. وقال الذهبي روى عنه الناس.

ص: 391

{إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير} (1).

أما أجر المجاهد وثوابه، فكما يقول عليه الصلاة والسلام عن أبي سعيد الخدري:((يا أبا سعيد من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وجبت له الجنة)) فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله!

ففعل. ثم قال: ((وأخرى يرفع العبد بها مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض)) قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله .. الجهاد في سبيل الله)) (2). رابعا: الفرق بين الجهاد في الإسلام وحروب البشرية الأخرى:

الله تعالى يقول: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) (3).

وندع الحديث لسيد رحمه الله يبين لنا هذا الفرق:

(

وفي لمسة واحدة يقف الناس على مفرق الطريق، وفي لحظة ترتسم الأهداف، وتتضح الخطوط، وينقسم الناس إلى فريقين اثنين، تحت رايتين متميزتين:

(1) التوبة 39.

(2)

مسلم ك. الإمارة 33 ب. ما أعد الله للمجاهد 32031 ج 4 ص 1501 ح 1884.

(3)

النساء 76.

ص: 392

{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله} ، {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت} .

الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، لتحقيق منهجه. وإقرار شريعته، وإقامة العدل بين الناس باسم الله، لا تحت أي عنوان آخر، اعترافا بأن الله وحده هو الإله، ومن ثم فهو الحاكم.

والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، لتحقيق مناهج شتى - غير منهج الله - وإقرار شرائع شتى - غير شريعة الله - وإقامة قيم شتى - غير التي أذن بها الله - ونصب موازين شتى - غير ميزان الله -! ويقف الذين آمنوا مستندين إلى حماية الله ورعايته. ويقف الذين كفروا مستندين إلى ولاية الشيطان بشتى راياتهم، وشتى مناهجهم، وشتى شرائعهم، وشتى طرائقهم، وشتى قيمهم، وشتى موازينهم، فكلهم أولياء الشيطان.

ويأمر الله الذين آمنوا أن يقاتلوا أولياء الشيطان، ولا يخشوا مكرهم ولا مكر الشيطان:{فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} .

وهكذا يقف المسلمون على أرض صلبة، مسندين ظهورهم إلى ركن شديد، مقتنعي الوجدان بأنهم يخوضون معركة لله، ليس لأنفسهم منها نصيب، ولا لذواتهم منها حظ، وليست لقومهم، ولا لجنسهم، ولا لقرابتهم وعشيرتهم منها شيء .. إنما هي لله وحده، ولمنهجه وشريعته، وأنهم يواجهون قوما أهل باطل يقاتلون لتغليب الباطل على الحق، لأنهم يقاتلون لتغليب مناهج البشر الجاهلية - وكل مناهج البشر جاهلية - على شريعة منهح الله، ولتغليب

ص: 393

شرائع البشر الجاهلية - وكل مناهج البشر جاهلية - على الله، وتغليب ظلم البشر - وكل حكم للبشر من دون الله ظلم - على عدل الله، الذي هم مأمورون أن يحكموا به بين الناس، كذلك يخوضون المعركة وهم يوقنون أن الله وليهم فيها، وأنهم يواجهون قوما الشيطان وليهم، فهم إذن ضعاف، إن كيد الشيطان كان ضعيفا.

ومن هنا يتقرر مصير المعركة في حس المؤمنين، وتتحدد نهايتها قبل أن يدخلوها، وسواء بعد ذلك استشهد المؤمن في المعركة - فهو واثق النتيجة - أم بقي حتى غلب، ورأى بعينيه النصر، فهو واثق من الأجر العظيم.

من هذا التصور الحقيقي للأمر في كلتا حالتيه، انبعثت تلك الخوارق الكثيرة التي حفظها تاريخ الجهاد في سبيل الله في حياة الجماعة المسلمة الأولى، والتي تناثرت على مدى التاريخ في أجيال كثيرة، وما بنا أن نضرب لها هنا الأمثال، فهي كثيرة مشهورة (1). ومن هذا التصور كان ذلك المد الإسلامي العجيب، في أقصر فترة عرفت في التاريخ، فقد كان هذا التصور جانبا من جوانب التفوق الذي حققه المنهج الرباني للجماعة المسلمة على المعسكرات المعادية ..) (2).

لقد حدد رسول الله (ص) مفهوم الجهاد في سبيل الله بحيث يقطع أي

(1) ما يشهده جهاد المسلمين الأفغان في صراعهم ضد الكفر ودولته العظمى روسيا، وما تبدو فيه من كرامات وانتصارات أذهلت العالم على ضعف المجاهدين وقلة إمكاناتهم المادية دليل واضح على ذلك.

(2)

في ظلال القرآن (سورة النساء) م 2 ج 5 ص 709، 710.

ص: 394

اجتهاد في هذا المجال.

(فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا أعرابيا أتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه .. فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله (ص):((من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله)) (1).

وفي رواية: (سئل رسول الله (ص) عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله (ص):((من قاتل لتكون كلمة الله هي العيا فهو في سبيل الله)) (2).

(إنه لا يقاتل للاستيلاء على الأرض، ولا للاستيلاء على المكان .. ولا يقاتل ليجد الخامات للصناعات والأسواق للمنتجات، أو لرؤوس الأموال يستثمرها في المسعمرات وشبه المستعمرات!

إنه لا يقاتل لمجد شخص، ولا لمجد بيت، ولا لمجد طبقة، ولا لمجد دولة، ولا لمجد أمة، ولا لمجد جنس .. إنما يقاتل في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولتمكين منهجه من تصريف الحياة، ولتمتيع البشرية بخيرات هذا المنهج، وعدله المطلق بين الناس مع ترك كل فرد حرا في اختيار العقيدة التي يقتنع بها في ظل هذا المنهج الرباني الإنساني الإسلامي العام) (3).

ولا بد من لفتة هنا إلى التصور الإسلامي للبلد والأرض والوطن: إن هذه

(1) و (2) مسلم ك. الإمارة 33 ب. من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا 42 ج 3 ص 1512، 1513 ح 1904.

(3)

في ظلال القرآن (سورة النساء) ج 5 ص 707.

ص: 395

القرية (الظالم أهلها) التي يعدها الإسلام - في موضعها ذاك - دار حرب، يجب أن يقاتل المسلمون لاستنقاذ المسلمين المستضعفين منها، هي (مكة) وطن المهاجرين الذين يدعون هذه الدعوة الحارة إلى قتال المشركين فيها، ويدعو المسلمون المستضعفون هذه الدعوة الحادة للخروج منه.

إن كونها بلدهم لم يغير وضعها في نظام الإسلام - حين لم تقم فيها شريعة الله ومنهجه، وحين فتن فيها المؤمنون عن دينهم، وعذبوا في عقيدتهم، بل اعتبرب بالنسبة لهم هم أنفسهم (دار حرب)، هم لا يدافعون عنها، وليس هذا فحسب بل هم يحاربونها لإنقاذ إخوانهم المسلمين منها، إن راية المسلم التي يحامي عنها عقيدته، ووطنه الذي يجاهد من أجله هو البلد الذي تقام شريعة الله فيه، وأرضه التي يدفع عنها هي (دار الإسلام) التي تتخذ المنهج الإسلامي منهجا للحياة، لكل تصور آخر هو تصور غير إسلامي تنضح به الجاهليات، ولا يعرفه الإسلام) (1).

ويبقى الحديث عن آثار هذا الجهاد في الأرض، الجهاد المرتبط بالعقيدة وللعقيدة، التي يعرف من خلالها الفرق الواقعي بينه، وبين حروب الأرض، يقدمها سيد رحمه الله في كلمات قلائل تحمل أعمق الدلائل على هذا الجهاد.

يقول رحمه الله:

(

لقد كان التفوق الحقيقي للمجتمع المسلم على المجتمعات الجاهلية من حوله، بما فيها مجتمع اليهود القائم في قلب المدينة، هو تفوقه في البناء الروحي، والخلق الاجتماعي والتنظيمي، بفضل المنهج القرآني الرباني قبل أن يكون تفوقا عسكريا أو اقتصاديا أو ماديا على العموم!

(1) المصدر نفسه ص 708.

ص: 396

بل هو لم يكن قط تفوقا عسكريا واقتصاديا - ماديا - فقد كان أعداء المعسكر الإسلامي دائما أكثر عددا وأقوى عدة، وأغنى مالا، وأوفر مقدرات مادية على العموم! سواء في داخل الجزيرة العربية، أو في خارجها، في زمن الفتوحات الكبرى بعد ذلك، ولكن التفوق الحقيقي كان في ذلك البناء الروحي والخلقي والاجتماعي، ومن ثم السياسي والقيادي، الذي أسسه الإسلام بمنهجه الرباني المتفرد.

وبهذا التفوق الساحق على الجاهلية في بنائها الروحي والخلقي والاجتماعي، ومن ثم السياسي والقيادي، اجتاح الإسلام الجاهلية، اجتاحها أولا في الجزيرة العربية، واجتاحها ثانيا في الامبرطوريتين العظيمتين الممتدتين حوله: امبرطوريتي كسرى وقيصر، ثم بعد ذلك في جوانب الأرض الأخرى، سواء كان معه جيش وسيف، أم كان معه مصحف وأذان.

ولولا هذا التفوق الساحق ما وقعت تلك الخارقة التي لم يعرف لها التاريخ نظيرا، حتى في الاكتشافات العسكرية التايخية الشهيرة، كزحف التتار في التاريخ القديم، وزحف الجيوش الهتلرية في التاريخ الحديث، ذلك أنه لم يكن اكتساحا عسكريا فحسب، بل كان اكتساحا عقيديا ثقافيا حضاريا كذلك! يتجلى فيه التفوق الساحق الذي يطوي - من غير إكراه - عقائد الشعوب ولغاتها وتقاليدها وعاداتها، الأمر الذي لا نظير له على الإطلاق في أي اكتساح عسكري آخر، قديما وحديثا.

لقد كان تفوقا (إنسانيا) كاملا، تفوقا في كل خصائص الإنسانية ومقوماتها، كان ميلادا آخر للإنسان، ميلاد إنسان جديد غير الذي تعرفه الأرض على وجه اليقين والتأكيد، ومن ثم صبغ البلاد التي غمرها هذا المد بصيغته، وترك عليها طابعه الخاص. وطغى هذا المد على روسب الحضارات

ص: 397

التي عاشت عشرات القرون من قبل في بعض البلاد، كالحضار الفرعونية في مصر، وحضار البابليين والآشوريين في العراق، وحضارة الفينيقيين والسريان في الشام، لأنه كان أعمق جذورا في الفطرة البشرية، وأوسع مجالا في النفس الإنسانية، وأضخم قواعد، وأشمل اتجاهات في حياة بني الإنسان، من كل تلك الحضارات.

وغلبة اللغة الإسلامية واستقرارها في البلاد ظاهرة عجيبة، لم تستوف ما تستحقه من البحث والدراسة والتأمل. وهي في نظري أعجب من غلبة العقيدة واستقرارها، إذ أن اللغة من العمق في الكينونة البشرية ومن التشابك مع الحياة الاجتماعية، بحيث يعد تغييرها على هذا النحو معجزة كاملة، وليس الأمر في هذا أمر (اللغة العربية) فاللغة العربية كانت قائمة، ولكنها لم تصنع هذه المعجزة في أي مكان على ظهر الأرض - قبل الإسلام - ومن ثم سميتها - اللغة الإسلامية - فالقوة الجديدة التي تولدت في اللغة العربية، وأظهرت هذه المعجزة على يديها كانت هي - الإسلام - قطعا!

وكذلك اتجهت العبقريات الكامنة في البلاد المفتوحة (المفتوحة للحرية والنور والطلاقة) اتجهت إلى التعبير عن ذاتها - لا بلغاتها الأصلية - ولكن باللغة الجديدة، لغة هذا الدين، اللغة الإسلامية، وأنتجت بهذه اللغة في كل حقل من حقول الثقافة نتاجا تبدو فيه الأصالة، ولا يلوح عليه الاحتباس من معاناة التعبير في لغة غريبة - غير اللغة الأم - لقد أصبحت اللغة الإسلامية هي اللغة الأم فعلا لهذه العبقريات، ذلك أن الرصيد الذي حملته هذه اللغة كان من الضخامة أولا، ومن ملاصقة الفطرة ثانيا، بحيث كان أقرب إلى النفوس، وأعمق فيها، من ثقافاتها القديمة، ومن لغاتها القديمة أيضا) (1).

(1) في ظلال القرآن (سورة النساء) 23 ج 5 ص 673، 674.

ص: 398