الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله (ص) وإن الله على أنقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وأن لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على
المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله (ص)) (1).
…
إنه
دستور الدولة الإسلامية الجديدة
، وقد حدد المعالم الآتية:
(أ) في
الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:
1 -
الكتاب من محمد رسول الله (ص) فهو الرسول المبلغ عن ربه، وهو الحاكم بشريعة الله سبحانه، والحاكم المسلم بعده يمثل هذه السلطة.
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 501 - 504.
2 -
الكتاب في بابه الأول بين المؤمنين والمسلمين من قريش ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، فهو يمثل كتلة المسلمين الواحدة. وهم جميعا أمة واحدة من دون الناس، فمفهوم الأمة قائم على أساس الدين.
3 -
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ويفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وقد ذابت الكيانات القبلية بين المهاجرين، وأصبحوا تجمعا واحدا تحت هذه الراية.
4 -
أخذ التنظيم الإسلامي في المدينة طابع القيادات القبلية، فأبقى وضع الناس على حاله من هذه الناحية، حيث أن الإسلام قد عم أكثر أبناء القبيلة، ولعل النقباء الاثني عشر يمثلون هذه التجمعات، ويتم حكمها من خلالهم.
5 -
وقد حدد الدستور نوعين من الالترمات المالية هي من مسؤولية هذا التنظيم هما: الدية، وفك العاني. فالدية تحملها القبيلة، وفك الأسير وتكاليفه المادية يحمله التنظيم على أفراده.
6 -
ومن الواجبات المالية كذلك على كل تجمع من هذه التجمعات، معالجة وضع الغارمين المثقلين بديونهم، وهذا يمكن المشاركة العامة فيه، فليس من خصوصيات التجمع الواحد.
(وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم) فهو ولاء جديد يقوم لله ورسوله ولا يقوم للقبيلة ونصر ابنها ظالما أو مظلوما كما كان من قبل:
لا يطلبون أخاهم حين يندبهم
…
في النائبات على ما قال برهانا
فالظالم الباغي يحاربه المجتمع كله، وهو تطور هائل في التاريخ البشري. وقد حدد رسول الله (ص) نصر الأخ الظالم بردعه عن ظلمه
فذلك نصر له (1).
8 -
(وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم) فلم تقر التجمعات القبلية للخزرج، وتجمع المهاجرين وتجمع الأوس، كي نشكل كتلا متصارعة .. إنما أقر هذا الواقع ليحقق التكافل لكل فرد، ويحدد المسؤولية عليه، أما عند البغي والظلم، فالبراءة من كل باغ وظالم ولو كان ولد أحدهم، والولاء لله ورسوله.
9 -
(ولا يقتل مؤمن مؤمنا بكافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن) فمعالم دولة الإيمان في الأرض تحدد، ولا يمكن أن يتساوى المؤمن والكافر، وكما تبرز الدولة القومية معالمها بعدم التفريق بين أبنائها على أساس الدين.
لكنها تجعل لأبناء قوميتها الميزة والعلو، فدولة الإيمان كذلك لن تدع الرابطة القبلية أقوى من الرابطة الإسلامية. وتقبل التناصر بين المؤمن والكافر على المؤمن، وتبيح قتل المؤمن بالكافر لأن المؤمنين إخوة، وفي الوقت الذي تطالب جميع أبناء الأمة الإسلامية أن يكونوا يدا واحدة على الباغي والظالم ولو كان ولد أحدهم، تقف دون علو الكافرين على المؤمنين على المؤمنين نصرا وثأرا ..
10 -
(وأن ذمة المسلمين واحدة يجير عليهم أدناهم) فكرامة أدنى فرد من المسلمين محفوظة، وكلمته تسري على جميع المسلمين، وإجارته لشخص
(1) نص الحديث: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال:((تمنعه من الظلم فذلك نصره إياك)) متفق عليه. انظر مشكاة المصابيح 1385/ 3 ح 4957.
ينفذها رئيس الدولة.
11 -
وليس هذا الولاء للمؤمنين فقط، بل حتى غير المؤمنين الذين يرتضون أن يسلموا أمورهم وقيادهم للمؤمنين بحيث يكونون تبعا لهم (وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر ولأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم) فمثل هؤلاء الأفراد الذين يقدمون ولاءهم للقيادة المسلمة مباشرة رغم اختلافهم معها في العقيدة يعرضون أنفسهم للخطر الماحق من فئاتهم أو طوائفهم، والدولة المسلمة كفيلة بحمايتهم ورد العدوان عنهم.
12 -
والجهاد أساس في الدولة المسلمة، ينتظم أفراد الأمة جميعا بحيث لا يبقى أحد إلا وهو يساهم فيه (وإن كل غازية غزت منا يعقب بعضها بعضا).
13 -
(وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله) فهو التعاون والتناصر في التعويض عن الخسائر في الأرواح والأموال، يواسي بعضهم بعضا كأنهم أسرة واحدة، المواساة في المال، والكفالة لليتامى، والرعاية للثكالى، سمة رئيسية من سمات هذا التجمع.
14 -
(وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه) فليس الإسلام فقط هو خير دين، كذلك المسلمون هم خير أمة وعلى خير هدي، وأقوم هدي، لا حاجة لهم بشرائع الشرق والغرب، قد أغناهم الله من فضله، وأرسل لهم خير رسله، وخير كتبه، وخير رسالاته.
15 -
ولئن ذكرت الإجارة (يجير على المسلمين أدناهم) فهذه المادة توضح حدودها، فلا إجار لعدو محارب من مشرك مهادن معا، ولا أمان