الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تركت، وما أمرت فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك) (1).
…
لقد تطور أمر الخروج إلى بدر من غنيمة القافلة إلى مواجهة قريش، وقد وصف القرآن الكريم فريقا من المؤمنين ببدر أنهم ابتداء، لم يكونوا يرغبون في الموجهة كما قال تعالى {
…
وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك بالحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (2) وقد رأينا بعض الروايات التي تؤكد هذا المعنى.
كما أن نفسية الجيش كله كانت ترغب بالقافلة دون المواجهة {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ..} (3) لكن الإرادة الربانية كانت حتمية اللقاء والمواجهة، وبقي التركيز النبوي على الأنصار ليعلنوا موقفهم، فكانت الاستشارة التي تعددت أكثر من مرة، وكانت تهدف الأنصار مباشرة، فكان جواب السعدين هو الذي غير الجو كله، وعبأ النفوس للقتال، وسر به عليه الصلاة والسلام حتى وعد المسلمين بالنصر، وكأنه ينظر إلى مصارع القوم.
ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:
1 -
ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه (قال ابن هشام: الرجل هو أبو بكر الصديق) قال ابن إسحاق (ص): كما حدثني محمد بن
(1) البداية والنهاية لابن كثير 3/ 262،263.
(2)
الأنفال / من 5 و 6.
(3)
الأنفال / من الآية 7.
يحيى بن حبان، حتى وقف على رجل من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما. فقال رسول الله (ص)((إذا أخبرتنا أخبرناك)) قال: أوذاك بذاك؟ قال: ((نعم)) قال الشيخ: فإنه قد بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا في يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله (ص)، وبلغني أن قريشا خرجوا في يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش .. فلما فرغ من خبره قال:
ممن أنتما؟ فقال رسول الله (ص): ((نحن من ماء)) ثم انصرف عنه، فقال الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟) (1).
2 -
ثم رجع رسول الله (ص) إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء ببدر يلتمسون الخبر له، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج، وعريض أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد، فأتوا بهما سألوهما ورسول الله (ص) قائم يصلي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، وأصحاب العير فضربوهما. فلما أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان ونحن من العير. فتركوهما وركع رسول الله (ص)، وسجد سجدتيه ثم سلم، وقال:((إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله، إنهما لقريش .. أخباني عن قريش؟) قالا: هم والله وراء هذا الكثيب
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2/ 616.
الذي ترى بالعدوة القصوى. فقال لهما رسول الله (ص): ((كم القوم؟)) قالا: كثير. قال: ((ما عدتهم؟)) قالا: لا ندري.
قال: ((كم ينحرون كل يوم؟)) قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. فقال رسول الله (ص): ((القوم فيما بين التسعمائة والألف)) ثم قال لهما:
((فمن فيهم من أشراف قريش؟)) قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن خزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمر بن عبدود، فأقبل رسول الله (ص) على الناس وقال:((هذه مكة قد ألقت إليكم اليوم أفلاذ أكبادها))) (1).
3 -
وكان بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزعباء، قد مضيا حتى نزلا بدرا، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه، ومجدي بن عمرو الجهني على الماء، فسمع عدي وبسبس جاريتين من جوار الحاضر وهما تتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال مجدي: صدقت. ثم خلص بينهما، وسمع بذلك عدي وبسبس، فجلسا على بعيريهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله (ص) فأخبراه بما سمعا (2).
…
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 617.
(2)
المصدر نفسه 617/ 1.