الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث والثلاثون
أزواج النبي (ص)
يقول جل شأنه:
…
من خلال هذه الآيات الكريمة نفقه المعاني التالية:
1 -
سيد ولد آدم، وعبد الله ورسوله محمد (ص) والذي اجتمعت به الكمالات البشرية. له وضعه الذي يناسبه مع النساء كما يقرر القرآن
(1) الأحزاب / 50 - 52.
ذلك. فلابد من الانعتاق من الحيز المحدود الذي نفكر فيه. إلي الآفاق العليا التي قررها رب السماوات والأرض لنبيه ومصطفاه في هذا الوجود.
فيما يحل له من النساء. بما يتناسب مع ما أعده الله له من الرسالة، وما يتناسب مع فضله وعظمته وكماله.
2 -
ومن هذا المنطلق كانت النماذج المباحة لرسول الله (ص) من النساء ثلاثة:
(أ) أزواجه اللاتي آتاهن أجورهن (1).
قال ابن أبي حاتم: تزوج رسول الله (ص) ثلاث عشر امرأة: ستا من قريش خديجة وعائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة. وثلاثا من بني عامر بن صعصعة وامرأتين منهما من بني هلال بن عامر، ميمونة بنت الحارث وزينب أم المساكين .. وزينب بنت جحش الأسدية. (2).
(ب) ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك.
وليست مقيدة بقيد.
(ج) وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك.
وقيدهن أن يكن هاجرن مع رسول الله (ص){اللاتي هاجرن معك}
(د) وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي.
ولا شرط في الواهبة إلا قبولها من رسول الله (ص). {إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين.}
(1) أي مهورهن.
(2)
اختلفت الآراء في اللاتي تزوجهن رسول الله (ص) والظاهر أن الثلاثة من بني عامر بن صعصعة. وفي هذه الحال تضاف لهن هفية وجويرية رضي الله عنها. والمرأة الكندية التي استعاذت من رسول الله (ص) والمرأة التي اختارت الدنيا من بني بكر بن كلاب. كما أوردهن ابن أبي حاتم في الرواية المذكورة (تفسير ابن كثير ج 5 ص 482).
فهو عليه الصلاة والسلام من دون المؤمنين لا يجب عليه للواهبة شيء ولو دخل بها لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود (ولهذا قال قتادة: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي (ص).) (1)
3 -
وكما نرى، فالآفاق واسعة من رب هذا الكون لنبيه محمد (ص). في موضوع الزواج. والسبب الرئيسي في هذا الإطلاق كما ذكر الله تعالى في كتابه:
لكيلا يكون عليك حرج.
فهو مناط الثقة من ربه. فالأبواب مشرعة له فيما يراه من رأي ويقتضيه من موقف. {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما} . (2)
4 -
هذا من حيث الإباحة في الزواج. ومن حيث التعامل. فهو مصطفى الحكيم الخبير.
والله أعلم حيث يجعل رسالته.
{ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} (3).
إنها المشيئة الربانية. التي أعطت للمشيئة النبوية هذه الآماد والآفاق في التعامل مع نسائه اللاتي تزوجهن.
قال عامر الشعبي في قوله تعالى {ترجي من تشاء منهن} الآية، كن
(1) تفسير ابن كثير 5/ 483 - 484.
(2)
الأحزاب /50.
(3)
الأحزاب / 51.
نساء وهبن أنفسهن لنبي (ص). فدخل يعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحن بعده. منهن أم شريك.
وقال آخرون: بل المراد بقوله {ترجي من تشاء منهن} الآية، أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت، وتجامع من شئت، وتترك من شئت، هكذا يروى عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزبن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ومع هذا كان النبي (ص) يقسم لهن. ولهذا ذهب طائفة من فقهاء الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن واجبا عليه (ص)، واحتجوا بهذه الآية الكريمة) (1).
فالنبي (ص) وحكمته في الإرجاء والإيواء، ومن يبتغيها بعد عزلها.
ليست موطن مناقشة. ومن أجل ذلك كانت مشيئته هي الميزان في هذا الأمر. ولم تعط لأي بشر غيره. على أي من التفسيرين السابقين كان.
5 -
ومن إكرام رسول الله (ص) كان إكرام نسائه. فهنا سبب آخر لهذه المشيئة النبوية هي عواطف نسائه:
{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} . (2).
(قال البخاري: عن عائشة أن رسول الله (ص) كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية {ترجي من تشاء ..} فقلت لها: ما كنت تقولين؟ فقالت: كنت أقول: إن كان ذلك لي فإني لا
(1). تفسير ابن كثير 5/ 484 - 485.
(2)
الأحزاب / 51.
أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدا). فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم وحديثها الأول (1) يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات.
ومن ها هنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات، وفي النساء اللاتي عنده أنه مخير فيهن، إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم. وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي. وفيه جمع بين الأحاديث. ولهذا قال تعالى:{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} الآية. أي إذا علمن أن الله تعالى قد وضع عنك الحرج في القسم فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم. لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيارا منك. لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به. وحملن جميلك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهم في قسمتك لهن وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك فيهن) (2).
6 -
وأكرم الله تعالى نساء نبيه محمد (ص) لاختيارهن إياه والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها. أن قصره عليهن.
(1) الحديث الأول كما رواه الإمام أحمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله (ص). قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله عز وجل {ترجي من تشاء ..} الآية. قالت: إني أرى ربك يسارع لك في هواك.
(2)
تفسير ابن كثير 5/ 486.
(3)
الأحزاب /52.
(ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد
…
أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي (ص)، ورضا منهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله كما تقدم في الآية (1). فلما اخترن رسول الله (ص). كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن. وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن. ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حرج عليه فيهن.) (2).
7 -
وتحقق المعنى المقصود من هذا القصر جزاء ومثوبة على اختيارهن لرسول الله (ص). لكن هذا القصر كان مؤقتا. وعادت الإباحة للنبي (ص).
قال الإمام أحمد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مات رسول الله (ص) حتى أحل الله له النساء. ورواه أيضا من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبيد الله بن عمير عن عائشة ورواه الترمذي والنسائي في سننهما. وقال ابن أبي حاتم عن
…
أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله (ص) حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم، وذلك قول الله تعالى {ترجي من تشاء منهن} الآية.
فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة. كآيتي عدة الوفاة في البقرة. الأولى ناسخة للتي بعدها. والله أعلم.
ثم إن الله تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الآية
(1) هي في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} الأحزاب/ 28 - 29.
(2)
تفسير ابن كثير 5/ 486.