المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سادسا: آثارها: ففي عالم الأرض العربية، نلحظ آثارها بالنسبة للدعوة ولقريش، - فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌أولامباحث تمهيدية

- ‌الفصل الأولمعنى السيرة النبوية وأهميتها

- ‌تعريف بالسيرة النبوية:

- ‌أهمية السيرة النبوية:

- ‌دراسة السيرة عبادة:

- ‌مصادر السيرة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا كتب السنة:

- ‌ثالثا: كتب السير والتراجم:

- ‌رابعا: كتب الدلائل والشمائل والمعجزات والخصائص:

- ‌خامسا: كتب التاريخ والأدب:

- ‌مدى عناية المسلمين بها:

- ‌وكلمة عن ابن هشام وعمله في سيرة ابن إسحاق:

- ‌السيرة النبوية خلال القرون:

- ‌الفصل الثانيالنبوة

- ‌حاجة البشر إلى الأنبياء:

- ‌حاجتهم إلى خاتم الأنبياء:

- ‌الإيمان هو الأصل والشرك طارئ:

- ‌النبوة اجتباء من الله تعالى واصطفاء:

- ‌الفصل الثالثلمحة عن‌‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌طروء الشرك عليهم:

- ‌عناية الإسلام بسد ذرائع الشرك:

- ‌الفصل الرابعنبذة عن حياة العرب

- ‌أصول العرب:

- ‌ العرب البائدة:

- ‌ العرب العاربة:

- ‌ العرب العدنانية:

- ‌الحالة الدينية:

- ‌الطواغيت:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌ الملك باليمن:

- ‌الملك بالحيرة

- ‌الملك بالشام:

- ‌الإمارة بالحجاز:

- ‌الحياة الاجتماعية والخلقية:

- ‌الحالة الاقتصادية:

- ‌الحالة الخلقية:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌الفصل الخامساختياره من بيت شرف ونسب

- ‌الفصل السادسيتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السابععمله ب‌‌الرعيوالتجارة

- ‌الرعي

- ‌التجارة:

- ‌الفصل الثامنحفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة

- ‌لقاؤه مع بحيرا الراهب:

- ‌أمره بستر عورته:

- ‌أمر الجاهلية:

- ‌وقوفه بعرفات:

- ‌الفصل التاسعمشاركته في أحداث قومه

- ‌حضوره حرب الفجار

- ‌شهوده حلف الفضول:

- ‌بناء الكعبة والتحكيم:

- ‌الفصل العاشرزواجه من خديجة

- ‌العهد المكي للدعوة

- ‌الفصل الحادي عشرالوحي

- ‌الفصل الثاني عشرمراحل الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشرمن أسلوب المخالفين في مواجهة الدعوة

- ‌أولا: التشويه:

- ‌ثانيا: التهديد:

- ‌ثالثا: التعذيب:

- ‌رابعا: الترغيب:

- ‌ المال:

- ‌ الجاه:

- ‌ النساء:

- ‌خامسا: التعجيز:

- ‌سادسا: الاغتيال:

- ‌سابعا: المقاطعة:

- ‌الفصل الرابع عشرسنة الله تعالى في الابتلاء

- ‌ تزكية الفرد:

- ‌ نفي الخبث عن الدعوة:

- ‌ الدعاية لها:

- ‌ جذب بعض العناصر القوية إليها:

- ‌وجوب الصبر على الابتلاء

- ‌الفصل الخامس عشرالاستفادة من قيم الجاهلية

- ‌الفصل السادس عشروطن الداعية حيث مصلحة الدعوة

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌قريش تحاول إعادة المهاجرين إليها:

- ‌تخطيط ذكي جديد:

- ‌مؤامرة جديدة تتحطم:

- ‌ثانيا: عرض رسول الله (ص) نفسه على ثقيف

- ‌ثالثا: عرض نفسه على القبائل

- ‌بنو شيبان:

- ‌الفصل السابع عشرالإسراء والمعراج ودلالتهما

- ‌حديث الإسراء

- ‌حديث المعراج

- ‌الفصل الثامن عشرالهجرة إلى المدينة

- ‌أولا: أسبابها:

- ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

- ‌ تهيئة الركب:

- ‌ شراء البعيرين وعلفهما:

- ‌ جاء في نحر الظهيرة:

- ‌ مجيئه مقنعا:

- ‌ الأمر بإخراج الناس من البيت:

- ‌ تهيئة الزاد:

- ‌ الخروج من خوخة أبي بكر:

- ‌ كتمان الأمر:

- ‌ الخروج إلى الغار:

- ‌ عبد الله يتلقط الأخبار:

- ‌ عامر بن فهيرة يعفو على الأثر:

- ‌ ابن فهيرة وغنمه للزاد كذ

- ‌ رسول الله (ص) لا يبيت على فراشه:

- ‌ مبيت علي رضي الله عنه في الفراش:

- ‌ اختيار الدليل المناسب:

- ‌ اختيار طريق الساحل:

- ‌ الهادي على الطريق:

- ‌ حيلة أسماء في المال:

- ‌أهمية الهجرة في تاريخ الدعوة:

- ‌ثالثا: دور الشباب والمرأة في الهجرة:

- ‌العهد المدني للدعوة

- ‌الفصل التاسع عشرتنظيم المجتمع النبوي

- ‌أولا: بناء المسجد:

- ‌ثانيا: المؤاخاة:

- ‌ثالثا: وثيقة المدينة (الدستور الإسلامي):

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌ دستور الدولة الإسلامية الجديدة

- ‌ الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:

- ‌ الباب الثاني: حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة المسلمة

- ‌ الباب الثالث: أحكام عامة للمواطنين عامة:

- ‌الفصل العشرونالإذن في الجهاد

- ‌أولا: مرحلة كف اليد:

- ‌ثانيا: الإذن في الجهاد:

- ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

- ‌الفصل الحادي والعشرونأهم السرايا والغزوات

- ‌أولا: الإحصاء الإجمالي:

- ‌ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:

- ‌الفصل الثاني والعشرونغزوة بدر

- ‌أولا: أسباب الغزوة وأهدافها:

- ‌ثانيا: الاستشارة التي غيرت وجه المعركة:

- ‌ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:

- ‌رابعا: من أحداث الغزوة:

- ‌خامسا: أهمية الغزوة:

- ‌سادسا: آثارها:

- ‌الفصل الثالث والعشرونغزوة أحد

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌قوانين النصر والهزيمة:

- ‌التمحيص في أحد:

- ‌النماذج الإيمانية الرائعة:

- ‌القيادة النبوية العظيمة:

- ‌آثار المعركة:

- ‌ من حيث موقف المسلمين في المدينة:

- ‌ من حيث جرأة العرب على المؤمنين:

- ‌ من حيث الموقف مع قريش:

- ‌كيف عالج القرآن أثر المحنة

- ‌الفصل الرابع والعشرونغزوة الخندق

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌الفصل الخامس والعشرونغزوة الحديبية

- ‌أحداث الحديبية:

- ‌الفصل السادس والعشرونغزوة خيبر

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل السابع والعشرونغزوة مؤتة

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثامن والعشرونفتح مكة

- ‌ أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل التاسع والعشرونغزوة حنين

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثلاثونغزوة تبوك

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الحادي والثلاثونمواقف المنافقين من الدعوة

- ‌ النفاق في مكة:

- ‌ بداية التجمع:

- ‌ دورهم في غزوة بني قينقاع:

- ‌ دورهم في غزوة أحد

- ‌ تآمرهم مع بني النضير

- ‌ المنافقون يوم الأحزاب

- ‌ الفريق الأول:

- ‌ الفريق الثاني:

- ‌ الفريق الثالث:

- ‌ المنافقون يوم بني المصطلق

- ‌ بعد الحديبية وفتح مكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثونمواقف اليهود من الدعاة

- ‌ الموقف الديني:

- ‌ المواقف السياسية

- ‌المواقف العسكرية

- ‌الفصل الثالث والثلاثونأزواج النبي (ص)

- ‌المرحلة الأولى: حتى الخامسة والعشرين:

- ‌ عنف صبوة الشباب وتأجج العاطفة

- ‌المرحلة الثانية: حتى الخمسين من عمره

- ‌ زواجه من خديجة رضي الله عنها

- ‌المرحلة الثالثة: حتى الخامسة والخمسون من العمر

- ‌ الزواج بعائشة وسودة

- ‌المرحلة الرابعة: من الخامسة والخمسين حتى الستين

- ‌بقية نسائه

- ‌(أ) حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌(ب) زينب بنت خزيمة

- ‌(ج) أم سلمة:

- ‌(د) زينب بنت جحش:

- ‌(هـ) أم حبيبة بنت أبي سفيان

- ‌(و) جويرية بنت الحارث:

- ‌(ز) ريحانة بنت زيد:

- ‌(ح) صفية بنت حيي:

- ‌(ط) مارية القبطية:

- ‌(ي) ميمونة بنت الحارث:

- ‌المرحلة الخامسة: من الستين إلى الثالثة والستين

- ‌لم يتزوج فيها رسول الله

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الرابع والثلاثونعالمية الدعوة: أدلتها ومظاهرها من السيرة

- ‌ كتب رسول الله (ص) إلى كل ملوك الأرض

- ‌ كتاب هرقل عظيم الروم:

- ‌ كتاب كسرى عظيم الفرس

- ‌ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ بقية الكتب:

- ‌الفصل الخامس والثلاثونأخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب محبته ومن لوازم محبته اتباعه:

- ‌نماذج من تربيته (ص) لأصحابه:

- ‌الفصل السادس والثلاثونوفاته صلى الله عليه وسلم. وبيعة الصديق

- ‌قبل أربعة أيام: يوم الخميس:

- ‌قبل ثلاثة أيام: يوم الجمعة:

- ‌قبل يوم واحد:

- ‌آخر يوم من الحياة:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌جهاز رسول الله (ص) ودفنه

- ‌تكفين رسول الله:

- ‌حفر القبر:

- ‌الصلاة على رسول الله ثم دفنه:

- ‌الفصل السابع والثلاثونبيعة الصديق وحروب الردة

- ‌الانقلاب على العقب:

- ‌إنفاذ جيش أسامة:

- ‌مانعو الزكاة:

- ‌ الكتاب الذي وجهه الصديق إلى هؤلاء المردة المرتدين

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌المحتوى

الفصل: ‌ ‌سادسا: آثارها: ففي عالم الأرض العربية، نلحظ آثارها بالنسبة للدعوة ولقريش،

‌سادسا: آثارها:

ففي عالم الأرض العربية، نلحظ آثارها بالنسبة للدعوة ولقريش، ولموقف المسلمين بالمدينة ولليهود.

(أ) أما أثرها بالنسبة للدعوة فقد انضمت أعداد جديدة للإسلام في المدينة وبعض شخصيات مكة. وحتى بدر فقد كان عبد الله بن أبي يقود معسكر الكفار في المدينة، أما بعد نصر بدر، فقد اتجه إلى الإسلام أعداد من المنافقين أسلموا وحسن إسلامهم، وذاك عمير بن وهب شيطان قريش يدخل الإسلام، ويمضي إلى مكة ليعلن إسلامه على الملأ، وذلك أبو عزيز بن عمير، صاحب لواء المشركين يدخل الإسلام وقد بهره خلق المسلمين في تعاملهم معه.

(والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر كما نقله الأئمة عن القاضي أبي الطيب الطبري والوليد بن الوليد بن المغيرة افتكه أخواه هشام وخالد، فلما افتدي أسلم. فعاتبوه في ذلك فقال: كرهت أن يظن بي أني جزعت من الأمر ولما أسلم حبسه أخواله)(1).

(ب) وأثرها بالنسبة لقريش فقد هشمت كبرياؤها وقتل جل قياداتها، وخيرة أبنائها وشبابها، وفاتها المركز الضخم الذي كانت تطمح إليه بين العرب، وبدت هذه الآثار فيما كان يريد الباطل أن يصل إليه.

وقد كبت الباطل أيما كبت وحاولت قريش أن نتجلد للمصيبة،

(1) سبل الهدى والرشاد للصالحي 4/ 119.

ص: 434

ومنعت النوح على قتلاها، ولعل هذه الحادثة تبرز الوضع النفسي المحطم الذي آلت إليه قريش.

قال ابن إسحاق (وكان الأسود بن عبد المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة بن الأسود، وعقيل بن الأسود والحارث بن زمعة، وكان يحب أن يبكي على بنيه، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب بصره: انظر هل أحل النحيب، هل بكت قريشا على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة (يعني زمعة) فإن جوفي قد احترق، فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها قد أضلته. قال: فذاك حين يقول له الأسود:

أتبكي أن يضل لها بعير

ويمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن

على بدر تقاصرت الجدود

على بدر سراة بني هصيص

ومخزوم ورهط أبي الوليد

وبكى إن بكيت على عقيل

وبكى حارثا أسد الأسود

وبكيهم ولا تسمي جميعا

وما لأبي حكيمة من نديد

ألا قد ساد بعدهم رجال

ولولا يوم بدر لم يسودوا) (1)

(ج) أما موقف المسلمين في المدينة، فقد تعزز وأصبحوا سادة المنطقة كلها، ويكفي أن قيادات قريش التي كانت تود أن تئد الإسلام والمسلمين، كانت تفد إلى المدينة. وسيماء الذل على وجهها تريد أن تفدي أسراها

(1) السيرة النبوية لابن هشام 648/ 1.

ص: 435

السبعين من خيرة شبابها كذلك أما المنافقون الذين كانوا يتربصون بالمسلمين شرا، فنستطيع أن نشهد موقفهم من خلال هذه الحادثة:

(.. وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله (ص) .. يبشر أهل السافلة، فلما أن جاء المصلى صاح على راحلته، قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة. ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وقتل أبو جهل، وأبو البختري، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير، فجعل بعض الناس لا يصدقون زيد بن حارثة ويقولون: ما جاء زيد إلا فلا (1) حتى غاظ ذلك المسلمين وخافوا. قال أسامة (ابن زيد) فسمعت الهيعة فخرجت فإذا زيد على العضباء جاء بالبشارة فوالله ما صدقته حتى رأيت الأسرى. وقدم زيد حين سووا على رقية بن رسول الله (ص) التراب بالبقيع، فقال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر: قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده أبدا، وقد قتل علية أصحابه، وقتل محمد، وهذه ناقته نعرفها وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلا، قال أبو لبابة: يكذب الله تعالى قولك، وقال اليهود: ما جاء إلا فلا. قال أسامة بن زيد: فجئت حتى خلوت بأبي. فقلت: يا أبه، أحق ما تقول؟: قال أي والله حق ما أقول يا بني، فقويت في نفسي، ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله (ص) وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله (ص) إذا قدم فليضربن عنقك. فقال: يا أبا محمد: إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه) (2).

(1) فلا: هاربا.

(2)

دلائل النبوة للبيهقي 3/ 132، 133.

ص: 436

وامتد انتصار المسلمين وأصدقاؤهم في كل الأرض العربية وغير العربية حتى وصل إلى النجاشي في الحبشة، كما روى البيهقي عن عبد الرحمن رجل من أهل صنعاء قال: أرسل النجاشي ذات يوم إلى جعفر ابن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان (1) جالس على التراب. قال جعفر بن أبي طالب فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحالة، فلما أن رأى ما في وجوهنا قال: إني أبشركم بما يسركم، إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي، فأخبرني أن الله تعالى قد نصر نبيه (ص)، وأهلك عدوه فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك .. فقال له جعفر ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الأخلاق من الثياب؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله تعالى على عيسى (ص) أن حقا على عباد الله تعالى أن يحدثوا الله عز وجل توضعا عندما يحدث لهم نعمة، فلما أحدث الله تعالى نصر نبيه (ص)، أحدثت له هذا التواضع) (2).

(د) أما أثرها بالنسبة لليهود في المدينة، فقد غلى مرجل الحقد في قلوبهم، وأصبحوا يشعرون بخطورة الإسلام والمسلمين عليهم، وحرص النبي عليه الصلاة والسلام أن يستثمر هذا النصر لصالح الدعوة خاصة مع اليهود الذين يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. والذين يعلمون أنه مرسل بالحق من عند الله، فجمع بني قينقاع كما ذكر ابن إسحاق (بسوق لهم قال: ((يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة،

(1) خلقان: ثياب خلقة قديمة.

(2)

دلائل النبوة للبيهقي 133/ 3، 134.

ص: 437

وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم)) قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومك؟! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس ..) (1).

فقد أصبحوا حريصين على المواجهة مع الإسلام، يخشون امتداده، وعرفوا أن الانتصار الذي تم على المشركين في بدر يجعل القضية بينهم وبين محمد قضية حياة أو موت، فإما وجودهم وإما وجوده، ومن أجل ذلك واجهوا الرسول (ص) وتحدوا القوة الإسلامية وردوا بصلافة على دعوتهم للإسلام، وقالوا: والله لئن حاربتنا لتعلم أنا نحن الناس.

وكان أن وقعت غزوة قينقاع، وثلت عرشهم بعد بدر، وتجلى مدى ارتباط معسكر المنافقين باليهود من خلال المعركة، وأجواء بدر هي التي قادت إلى هذه المواجهة.

(هـ) وأثرها بالنسبة للعرب كافة، شعر العرب أن القوة الإسلامية مرهوبة الجانب، قوية الشكيمة، لا يمكن أن تتجاهل أو تواجه، فأقلقت القبائل المحاورة، وحاولت أن تفعل كفعل يهود، فتقوم بالتجمعات لتهاجم المدينة، غير أن القيادة النبوية كانت بالمرصاد وما الغزوات التي قامت عقب بدر مباشرة وهي غزوة بني سليم بالكدر بعد بدر بسبع

ليال، وغزوة ذي أمر، وغزوة الفرع من بحران إلا محافظة على القوة الإسلامية الفتية أمام غطفان وقريش وسليم.

(1) السيرة النبوية لابن هشام 47/ 2.

ص: 438

كانت بدر من حيث آثارها الخطيرة ظاهرة أرضية، وظاهرة كونية شارك بها الإنس والجن والملائكة.

ففي عالم الأرض وعالم البشر نذكر أن سورة الروم عندما نزلت كانت تمثل آمال وطموحات عشرات المسلمين في مكة أن ينتصر الروم أهل الكتاب في الأرض على الفرس الوثنيين في الأرض، حيث كان الفرس والروم يقتسمون الأرض آنذاك، وكان هؤلاء العشرات من المسلمين، والمئات من المشركين غفلا في التاريخ وأحداثه يتفرجون على صناعة الكبار في الأرض، ونذكر كيف تم الرهان بين أبي بكر رضي الله عنه وأبي بن خلف (1) على نصر الروم بعد بضع سنوت {ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (2).

1 -

وتحقق موعود الله جل شأنه، فانتصر الروم بعد تسع سنين من هزيمتهم أمام الفرس، وفرح المؤمنون بنصر الله، وكان وعد الله الذي لا يخلف، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. هذا هو المدى الأقرب

للآيات. أما المدى الأعمق، فكان أكبر وأضخم من تاريخ البشرية. لقد فرح المؤمنون بنصر الله يوم بدر، ويوم نصرهم جاءت أخبار انتصار

(1) روى الحادثة الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ج 5 ك. التفسير ح 3193 و3194.

(2)

الروم 1 - 6.

ص: 439

الروم على الفرس (1). لقد جاء خبر انتصار الروم هامشيا وثانويا أمام انتصار بدر، وكان فرح المؤمنين بنصر الله في بدر هو المدلول الأعمق للآية الكريمة. ولم يكن يدور بخلد عشرات المؤمنين في الأرض، والآيات تتنزل في مكة، أنهم هم المعنون في النصر، وأنهم هم صناع الأحداث، وأن الروم والفرس غدوا على هامش التاريخ بعد أن أنزل الله تعالى ملائكته لنصر المؤمنين في بدر، وكان وعد الله الذي لا يخلف هو نصر محمد وحزبه لا نصر الروم فقط. ولكن أكثر الناس لا يعلمون، حتى المؤمنون لا يحيطون بعلم الله عز وجل. وماذا يعد لهم من نصر، وماذا يعد بهم من حسم.

{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} (2).

فالمسلمون قبل بدر بأيام قلائل لم يكونوا يعلمون أنهم المعنون بنصر الله ينصر من يشاء وعد الله لا يخلف الله وعده، ورسول الله سيد الخلق كان يلح على ربه بالنصر حتى ليسقط رداؤه عن كتفيه، ويخشى

(1) في الحديث السابق الذي رواه الترمذي عن ابن عباس، قول سفيان الثوري: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر.

(2)

الأنفال 5 - 8.

ص: 440

أن تكون هذه المعركة نهاية العصبة المؤمنة في الأرض ((اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض)).

لقد كان الرهان في عالم الأرض على افتتاح التاريخ بهذا النصر من أي من الفريقين، فقد كانت مطامح أبي جهل أن يكون مقود العرب بيده بعد بدر، ولا تزال العرب تهابه أبدا، وإذا بنصر الله يتنزل فتنقلب الموازين، ويتأرجح التاريخ، ويصبح مقوده بيد المسلمين، ومنذ ذلك الوقت لم يعودوا على هامش الأحداث يأملون ويدعون كما كانوا أيام انتصار الفرس على الروم، بل صاروا صناع أحداثه في بدر وبعدها. وجاء هذا النصر من الحسم ومن الضخامة بحيث اجتث الباطل من جذوره، فقد سقط قادة الكفر صرعى في هذه المعركة، وهم يحملون عبء الحرب ضد الدعوة خمسة عشر عاما أو تزيد، إنه جيل قادة كامل سقط على الساحة صريعا بين يدي هذه العصبة المؤمنة، أبو جهل بن هشام المخزومي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة العبشميان، وأمية بن خلف الجمحي، وتبعهم بعدها النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي، وأبو لهب الهاشمي، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان. وقد عدد المقريزي أعداء رسول الله (ص) الكبار في إمتاع الأسماع فكانوا سبعة وعشرين رجلا قتل منهم في بدر وبعدها بقليل قرابة العشرين.

(وعن أبي طلحة أن نبي الله (ص) أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث). وكان من فضل الله تعالى على المؤمنين أن سقط بعض هؤلاء الأبطال صرعى بيد الفتيان الشباب من الأنصار، مثل مقتل أبي جهل وأمية بن خلف على يد المستضعفين من المسلمين أمثال بلال وعبد الله بن مسعود تحقيقا

ص: 441

لموعود الله عز وجل.

{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (1).

أما الجيل الجديد من القادة، والذي نجا يوح بدر، فمعظمه كتب الله تعالى له الهداية فيما بعد.

2 -

وكما كانت بدر عرسا في عالم الأرض، كذلك كانت في عالم الجن.

(فقد ذكر قاسم بن ثابت في الدلائل أن قريشا حين توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون، وهو ينشد بأنفذ صوت، ولا يرى شخصه.

أزار الحنيفيون بدرا وقيعة

سينقض منها ركن كسرى وقيصرا

أبادت رجالا من لؤي وأبرزت

خرائد يضربن الترائب حسرا (2)

فيا ويح من أمسى عدو محمد

لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا) (3)

لقد أدرك المؤمنون من الجن أبعاد هذه المعركة، وأنها ستطيح بعرش كسرى وقيصر، وبمقدار ما كان العرس في عالم الجن من المؤمنين، بمقدار ما كان المأتم والوبل والثبور عند كفار الجن وشياطينهم.

(1) القصص 5، 6.

(2)

أي يبرز نساء مكة يضربن صدورهن ويحسرن عن شعورهن ونحورهن بكاة على قلاهن.

(3)

الروض الأنف للسهيلي 78/ 3.

ص: 442

فقد حدثنا رسول الله (ص) عن خزي إبليس يوم بدر فقال: ((ما رؤي الشيطان يوما أصغر ولا أدحر ولا أحقر، ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى فيه من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رآه يوم بدر، فإنه رأى جبربل عليه السلام يزغ الملائكة)) (1).

لقد اندحر الشيطان وحزبه من الإنس والجن يوم بدر، وكانت الهزيمة الساحقة للشياطين في الأرض والكفار من الجن أشد هولا وأقسى مرارة منها على كفار قريش بشهادة رسول الله (ص) - كما علمه ربه -فهي أقسى هزيمة لإبليس على مدار تاريخه منذ خلقه الله تعالى إلى يوم يبعثون، فهو في أشنع هزائمه كل عام يوم عرفة حين تحبط كل مخططاته، ويغفر الله تعالى لأهل عرفة، ولكن هذا كله يهون عن هزيمة بدر حيث خطط لنصر حلفائه فسقط معهم.

3 -

وهي كذلك على مستوى الخلائق كافة، يوم يحشر الناس إلى الرحمن يوم القيامة.

(فعن علي بن أبي طالب أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل في الخصومة يوم القيامة. قال قيس: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن

(1) رواه مالك مرسلا والبيهقي.

ص: 443

عتبة) (1).

(وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبه وصاحبه يوم برزوا في بدر)(2).

إن القرآن الكريم حين يعرض هذين الخصمين، اللذين يمثلان الحق والباطل في هذا الوجود، ليكون أضخم من يمثلهما يوم بدر فريق المؤمنين وفريق الكافرين علي وصحبه، وعتبة وصحبه.

{هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أردوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} (3).

4 -

ومضى أهل بدر قادة في الأرض، وقادة في السماء.

ففي الأرض: (ولعل الله اطلع على أهل بدر يوم بدر، فقال:

(1) و (2) البخاري ك. التفسير 65 سورة الحج م 2 ج 6 ص 122.

(3)

الحج 19 - 24.

ص: 444

اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو قد غفرت لكم) (1).

وفي السماء: (جاء جبريل إلى النبي (ص) فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: ((من أفضل المسلمين)) أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة) (2).

(1) البخاري ك. 64 ب. 9 م 2 و 5 ص 99.

(2)

البخاري ك. 64 ب. 11 م 2 ج 5 ص 103.

ص: 445