الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى: حين ووجهوا بثبات أشد من الجبال الرواسي من رسول الله (ص) والصفوة المختارة معه، والخطة العظيمة التي أعادت شتات الجيش الإسلامي، وحطمت هجوم العدو، واحتلت المواقع التي احتلتها من جديد.
الثانية: يوم حطم معبد بن أبي معبد هجومهم بما نقل عن التعبئة النبوية للانقضاض على المشركين، فعادوا يسرعون الخطا قبل أن تصل إليهم كتائب محمد وأصحابه من جديد.
وأمام هذا العجز، فقد انكبوا على القتلى يمثلون بهم في الفشل الأول، وتخلفوا عن الموعد الذي ضربوه في بدر في العام القابل بعد الفشل الثاني، وتأخروا سنتين كاملتين حتى أعدوا العدة، وتحالفوا مع اليهود وغطفان في المحاولة الأخيرة في الخندق.
كيف عالج القرآن أثر المحنة
؟!
عاد المسلمون مثخنين بالجراح إلى المدينة، بعضهم قرير العين بما أبلى مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وبعضم يتجرع غصص الندامة لتخليه عن رسول الله (ص) أو لفراره من المعركة، وبعضهم يحمل في قلبه فرحا لما نزل بالمسلمين بأحد وشماتة بهم، وأسلموا سبعين شهيدا على ثرى أحد، والنفوس تجوس بالخواطر، وتغلي بالمشاعر، والجراح التي نزلت بالكثيرين منهم لا يزالون يئنون منها، وقسم منهم يخشى من المفاجآت وأن تعود قريش من جديد لتستأصل بقيتهم.
في هذه المراجل المتقدة والمتنوعة نزلت آيات القرآن تترى، لتكشف كل هذه النفوس بما يجيش بها من مشاعر، وما يتفاعل فيها من أحاسيس، ولتقدم التقييم للمواقف، والتحديد للوقائع:
1 -
فالصف المؤمن يواسى بجراحه ويسمى بمعنوياته: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} (1).
2 -
وما أصابه فهو مسؤول عنه، لكنه ضمن التقدير الرباني في التمييز والكشف بين المؤمنين والمنافقين {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا ..} (2).
3 -
كما يثني على ثباتهم وصبرهم على ما نزل بهم من قرح، وما حاول العدو بهم من كيد {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
(1) آل عمران 139 - 141.
(2)
آل عمران /165 - 166.
(3)
آل عمران 179.
للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذي قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} (1).
4 -
كما أثنى على الذين أبلوا أعظم البلاء بجوار نبيهم المصطفى عليه الصلاة والسلام وسكب في قلوبهم الأمن {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم، وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ..} (2).
5 -
ورفع الشهداء إلى أعلى المقامات في عليين بحيث يغبطهم إخوانهم الأحياء على ذلك {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} (3).
6 -
بينما نجد فضيحة المنافقين تعريتهم قد أسقطت المنافقين من حساب المؤمنين وعرتهم، وضمتهم إلى الكافرين. {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالو لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت
(1) آل عمران 172 - 174.
(2)
آل عمران 154.
(3)
آل عمران 169 - 171.
والله بما يعملون بصير} (1)
7 -
وتأتي هذه النصوص جميعا لتثبيت المعايير الإيمانية في مفهوم القدر، ومفهوم الحياة والموت، ومفهوم النصر والهزيمة، ومفهوم الربح والخسارة، ومفهوم الإيمان والنفاق، ومفهوم المحنة والمحق، لتعيد الصياغة الجديدة لهذه المجموعة على هدى القرآن ونوره فتغدو العصبة الربانية المختارة من جديد، وتصنع على عين الله، ويكونوا الربانيين المختارين الذين يريدهم لتحقيق موعوده في الأرض.
…
(1) آل عمران 156.
(2)
آل عمران 167،168.