الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس والثلاثون
أخلاقه صلى الله عليه وسلم
أخلاق رسول الله (ص) لا يفي بها بحث ولا يتقصاها فصل. لقد ألفت بها كتب وأسفار.
وليس عند الخلق شيء يضيفون في الثناء على رسول الله (ص) بعد ثناء رب السموات والأرض عليه: {وإنك لعلى خلق عظيم} . (1).
لقد أثنى الله تعالى على خيرة خلقه المصطفين الأخيار بأن ذكر أبرز أخلاقهم فقال عن إبراهبم {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} . (2) وقال عن أيوب {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} . (3) وقال عن إسماعيل {إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} . (4) وقال عن نوح {سلام على نوح في العالمين كذلك نجزي المحسنين} . (5) أما هذا الوصف الجامع المانع فقد اختص به رسول الله (ص) من دون الخلق جميعا. {وإنك لعلى خلق عظيم} .
وجعل الله تعالى رسالته، خاتم الكمالات البشرية الخلقية ((بعثت لأتمم صالح الأخلاق))) (6).
(1) ن / 4.
(2)
هود / 75.
(3)
ص / 44.
(4)
مريم / 54.
(5)
الصافات / 80.
(6)
الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة. وقال الألباني عنه: صحيح. سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 8/ 2830.
وسنعرض نبذة يسيرة هي غيض من فيض من خلقه عليه الصلاة والسلام.
1 -
قالت عائشة: كان خلقه القرآن (1).
2 -
وعن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله (ص) أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير (2).
3 -
عن أنس بن مالك قال: خدمت رسول الله (ص) عشر سنين فما قال لي أف قط. وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته. وكان رسول الله (ص) من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا قط، ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله (ص)، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله (ص)(3).
4 -
ومن تواضعه (ص)(أن امرأة عرضت لرسول الله (ص) في طريق من طرق المدينة فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة. قال: ((يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة أجلس إليك)). قال ففعلت، فقعد إليها رسول الله (ص) حتى قضت حاجتها))) (4).
5 -
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله (ص) يعمل في بيته؟ قالت: نعم كان رسول الله (ص) يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته) (5).
(1) أحمد ومسلم وأبو داود وعند مسلم 6/ ج 1 ص 513 ج 139.
(2)
البخاري 6/ 415.
(3)
البخاري 10/ 383 في الأدب. ومسلم 2309 في القضائل.
(4)
مسلم في الفضائل / 2326.
(5)
المصنف (20492) وإسناده صحيح.
6 -
أما حياؤه وقلة كلامه. فعن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله (ص) أشد حياء من عذراء في خدرها. وكان إذا كره شيئا رأيناه في وجهه) (1).
وعن عائشة أن النبي (ص) كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه) (2).
وعنها قالت: ما كان رسول الله (ص) يسرد سردكم. ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه (3).
7 -
أما شجاعته (ص). فعن البراء قال: (كنا - والله - إذا احمر البأس نتقي به - يعني النبي (ص) - وإن الشجاع منا الذي يحاذي به) (4).
وعن علي بن أبي طالب قال: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله (ص). فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه (5). وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (ص) من أجمل الناس، وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة مرة. فركب فرسا لأبي طلحة عريانا ثم رجع وهو يقول:((لن تراعوا لن تراعوا))) ثم قال: ((إنا وجدناه بحرا))) (6).
8 -
وجوده (ص) الذي جذب القلوب الجاسية. وألان به الأفئدة القاسية.
(1) البخارى 10/ 427 في الأدب ومسلم في الفضائل /2320.
(2)
البخاري ج 4 - ص 231 باب صفة النبي (ص).
(3)
البخاري 422/ 6 في الأنبياء ومسلم/ 2493 في الزهد والرقائق.
(4)
مسلم 1776 في الجهاد والسير.
(5)
أخلاق النبي (ص) ص 58 عن شرح السنة 13/ 258.
(6)
البخارى 10/ 381 في الأدب و (2307) عند مسلم في الفضائل.
فهذه بعض نماذجه:
فعن جبير بن مطعم قال: لما قفل رسول الله () من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه فألجؤوه إلى شجرة. فخطفت رداءه وهو على راحلته. فقال: ((ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل؟ فوالله لو كان لي عدد هذا العضاه (1) نعما (2) لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا (3)))).).
وعن أنس أن رجلا أتي النبي (ص) فسأله. فأعطاه غنما بين جبلين، فأتى الرجل قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء رجل ما يخاف فاقة) (4).
وعن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله (ص) يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي. فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي) (5).
9 -
وأما عن حلمه (ص) الذي وسع كل الخلق. فمن نماذجه:
عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله (ص) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي. فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي
(1) شجر الشوك ومفرده عضه.
(2)
نعما: هي الإبل والغنم والبقر.
(3)
البخارى 26/ 6 الجهاد.
(4)
مسلم 2312/ 3 فضائل.
(5)
مسلم /2313 في الفضائل والترمذي في الزكاة /666.
عندك. فالتفت إليه رسول الله (ص) ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء) (1).
وعن بن مسعود قال: قسم رسول الله (ص) قسما. فقال رجل: ما أريد بهذا وجه الله، فأتيت النبي (ص) فذكرت ذلك، فتمعر وجهه ثم قال:((يرحم الله موسى قد أوذي بأشد من هذا فصبر)).) (2).
10 -
وفي وصف جوامع خلقه وخلقه (ص) نعرض لحديثين رواهما الترمذي في الشمائل. وهما وإن كانا ضعيفي الإسناد. لكن الأحاديث الأخرى تقويهما. وذلك لما فيهما من الشمول والسعة. وقد عرض لهما كبار المحدثين. رغم هذا الضعف وهما:
أ - عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة (3). وكان وصافا عن حلية النبي (ص). وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا فقال:
كان رسول الله (ص) فخما مفخما، يتلألأ تلألؤ القمر ليلة البدر؛ أطول من المربوع، وأقصر من المشذب (4). عظيم القامة، رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره (5). أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب (6)، سوابغ من غير
(1) البخاري 10/ 234 في اللباس ومسلم / 1057 في الزكاة.
(2)
البخاري 10/ 428 في الأدب ومسلم / 1062 في الزكاة.
(3)
هو ابن خديجة رضى الله عنها من أبي هالة زوجها الأول.
(4)
المشذب: الطويل البائن الطول.
(5)
الوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن.
(6)
أزج الحواجب: تقوس فيها مع طول في أطرافها.
قرن. بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين (1). له نزر يعلوه يحسبه من يتأمله أشم، كث اللحية (2)، سهل الخدين، ضليع الفم (3)، مفلح الأسنان، دقيق المسربة (4)، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس (5)، أنور المتجرد (6)، موصل ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين (7)، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين (8)، مسيح القدمين (9)، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا (10)، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب (11)، فإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام.
(1) أقنى العرنين: طويل الأنف مع دقة أرنبته.
(2)
كث اللحية: كثيف شعر اللحية.
(3)
ضليع الفم: عظيم الفم.
(4)
دقيق المسربة: رفيع الرقبة.
(5)
ضخم الكراديس: الأعضاء.
(6)
أنور المتجرد: مشرق الجسد.
(7)
شثن الكفين: عظيمهما.
(8)
خمصان الأخمصين: شديد تجافيهما عن الأرض من وسطهما.
(9)
مسيح القدمين: أملسهما.
(10)
يخطو تكفيا: يرفع رجليه بقوة.
(11)
الصبب: الأرض المنحدرة.
قال الحسن: سألت خالي، قلت: صف لي منطق رسول الله (ص) قال: متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا. غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها. فإذا تعدي الحق. لم يقم بغضبه شيء حتى ينتصر له .. لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى. وإذا غضب أعرض وأشاح، جل ضحكه التبسم.
قال الحسن: فكتمته الحسين زمانا ثم حدثثه فوجدته قد سبقني إليه. فسألني عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله، وعن مخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا:
قال الحسين: فسألت أبي عن دخول النبي (ص) فقال: كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لأهله، وجزءا لنفسه. ثم جزءا جزأه بينه وبين الناس، فيرد بذلك بالخاصة على العامة. ولا يدخر عنهم شيئا. وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأدبه وقسمه على قدر فضلهم في الدين. فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج. فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول: ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا
يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا (1)، ولا يفترقون إلا عن ذواق (2)، ويخرجون أدلة، يعني على الخير.
قال: فسألته عن مخرجه: كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله (ص) يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره. ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقومه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه. الذين يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله (ص) لا يقوم ولا يجلس إلا عن ذكر وإذا انتهى إلى قوم، جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه بنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله عن حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع كل الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوت، ولا تؤبن (3) فيه الحرم، يتعاطون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون
(1) يدخلون روادا: أي طالبي علم.
(2)
لا يفترقون إلا عن ذواق: أي لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب.
(3)
لا تؤبن: لا تذكر فيه بقبيح.