الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووراء هذا الزواج تفتيت حقد هذه القبيلة. وتقريب قلوب أبنائها وتوطئة وتحبب إليهم ليدخلوا في الإسلام كافة بعد أن صاروا أصهار رسول الله عليه الصلاة والسلام.
4 -
ويحسن أن لا ننسى ذلك الأثاث البيتي البسيط الذي كان رسول الله (ص) يقدمه لأهله رحيين وجرتين ووسادة أما الرحى فلطحن الشعير، وأما الجرة فللشرب وأما الوسادة فللنوم. ونقف إجلالا أمام الأثاث ونحن نرى عشرات الألوف التي تصرف في الأثاث هذه الأيام. ومن خلاله يقيم الأزواج في كثير من الأحيان.
…
(د) زينب بنت جحش:
(وقد مضى أن رسول الله (ص) زوج زيد بن حارثة الذي كان متبناه - وكان يدعى زيد بن محمد، ثم دعي إلى أبيه - من زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله (ص) ليحطم بهذا الزواج فوارق الطبقات الموروثة، ويحقق معنى قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ويقرر هذه القيمة الإسلامية الجديدة بفعل عملي واقعي.
(1) الأحزاب /37 - 38.
ثم شاء الله أن يحمل نبيه بعد ذلك - فيما يحمل من أعباء الرسالة - مؤنة إزالة آثار نظام التبني فيتزوج من مطلقة متبناه زيد بن حارثة، ويواجه المجتمع بهذا العمل، الذي لا يستطيع أحد أن يواجه المجتمع به على الرغم من إبطال عادة التبني في ذاتها.
وألهم الله نبيه (ص) أن زيدا سيطلق زينب. وأنه هو سيتزوجها. للحكمة التي قضى الله بها. وكانت العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت، وعادت توحي بأن حياتهما لن تستقيم طويلا.
وجاء زيد مرة بعد مرة يشكو إلى رسول الله (ص) اضطراب حياته مع زينب، وعدم استطاعته المضي معها. والرسول (ص) على شجاعته في مواجهة قومه في أمر العقيدة دون لجلجة ولا خشية يحس ثقل التبعة فيما ألهمه الله من أمر زينب، ويتردد في مواجهة القوم بتحطيم ذلك التقليد العميق فيقول لزيد الذي أنعم الله عليه بالإسلام بالقرب من رسوله وبحب الرسول له. ذلك الحب الذي يتقدم به في قلبه على كل أحد بلا استثناء والذي أنعم الرسول عليه بالعتق والتربية والحب - يقول له:{أمسك عليك زوجك واتق الله} ) ويؤخر بهذا مواجهة الأمر العظيم الذي يتردد بالخروج به على الناس كما قال تعالى: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} وهذا الذي أخفاه النبي - (ص) - في نفسه وهو يعلم أن الله مبديه، هو ما ألهمه الله أن سيفعله. ولم يكن أمرا صريحا من الله، وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله، ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه. ولكنه (ص) كان أمام إلهام يجده في نفسه، ويتوجس في
الوقت ذاته من مواجهته، ومواجهة الناس به. حتى أذن الله بكونه. فطلق زيد زوجه في النهاية. وهو لا يفكر لا هو ولا زينب فيما سيكون بعد. لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة لابن محمد لا تحل له. حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها، ولم يكن بعد قد نزل إحلال مطلقات الأدعياء، إنما كان حادث زواج النبي بها فيما بعد هو الذي قرر هذه القاعدة. بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار. وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث، والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا. وصاغوا حولها الأساطير والروايات. إنما كان الأمر كما قال الله تعالى {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضو منهن وطرا} وكانت هذه إحدى ضرائب الرسالة الباهظة حملها رسول الله فيما حمل. وواجه بها المجتمع الكاره لها كل الكراهية حتى ليتردد في مواجهته بها وهو الذي لم يتردد في مواجهته بعقيدة التوحيد. وذم الآلهة والشركاء، وتخطئة الآباء والأجداد) (1)
وعن أنس قال: (لما انقضت عدة زينب قال النبي (ص) لزيد: ((إذهب فاذكرها علي))) فانطلق حتى آتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، ان رسول الله (ص) ذكرها. فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي. وقلت: يا زينب أبشري. أرسلني رسول الله (ص) يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى عز وجل. ثم قامت إلى مسجدها ونزل
(1) في ظلال القرآن / م 5/ ج 22/ 2868 - 2869.