الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قال ابن كثير: وهذان إسنادان جيدان، وقد جاء مرسلا عن جماعة من التابعين منهم سعيد بن جبير وقتادة وابن جرير، وغير واحد)(1).
…
وغني عن البيان أن هذا الأسلوب لا ينقطع مع الدعاة إلى الله. فهم يطلبون منهم الخوارق والمعجزات حتى يؤمنوا معهم، وحكمة الله تعالى أن يكون الإيمان بهذا الدين عن غير هذا الطريق، أن يكون بهذا القرآن المعجز، وبما يدعو إليه هذا القرآن، عن طريق الحوار والإقناع الذي يملكه المسلمون في شتى أعصارهم وأمصارهم، لأنه خاتمة الأديان. ولأنه لكل جيل، ولكل زمان، ولكل مكان .. ومعجزة هذا الدين تتحقق يوم يحكم في هذه الأرض بأناس قد تربوا عليه، وعاشوا له وماتوا في سبيله، يومها يتم التحول العجيب في دنيا الناس (فيخرجون من جور الأديان إلى عدل الإسلام، من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) كما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه.
سادسا: الاغتيال:
1 -
(فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله (ص) ينتظره، وغدا رسول الله (ص) كما كان يغدو .. فقام رسول 1لله (ص) يصلي، وقد غدت قريش، فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله (ص) احتمل أبو جهل الحجر، ثم
(1) البداية والنهاية لابن كثير 3/ 57.
أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه، رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه عل حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش، فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ .. قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته .. ولا مثل قصرته (1) ولا أنيابه لفحل قط، فهم بي أن يأكلني.
قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله (ص) قال: (ذلك جبريل عليه السلام، لو دنا لأخذه)(2).
2 -
(
…
فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله (ص) ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في مبيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله (ص) عمه حمزة بن عبد المطلب .. في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ممن أقام مع رسول الله (ص)، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد محمدا هذا الصابىء، الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله؛ فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ..) (3).
(1) القصرة: أصل العنق.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 299.
(3)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 344.
3 -
(عن عروة بن الزبير قال: لما أقبل عمرو بن العاص من الحبشة من عند النجاشي إلى مكة قد أهلك الله صاحبه ومنعه حاجته، اشتد المشركون على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وعمد المشركون من قريش فأجمعوا مكرهم وأمرهم على أن يقتلوا رسول الله (ص) علانية .. فلما رأى ذلك أبو طالب، جمع بني عبد المطلب، فأجمع لهم أمرهم، على أن يدخلوا رسول الله (ص) شعبهم، ويمنعوه ممن أردوه، فاجتمعو على ذلك كافرهم ومسلمهم منهم من فعله حمية ومنهم من فعلة إيمانا ويقينا ..) (1).
قال موسى بن عقبة عن الزهري: ثم إن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، وجمعت قريش في مكرها أن يقتلو رسول الله (ص) علانية، فلما رأى أبو طالب عمل القوم، جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله (ص) شعبهم، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله، فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيمانا ويقينا) (2).
4 -
فقال أبو جهل بن هشام إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، فقالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسبطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم
(1) مغازي رسول الله (ص) لعروة بن الزبير 114.
(2)
البداية والنهاية لابن كثير 3/ 92.
إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل، فعقلناه لهم، قال يقول الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل. هذا الرأي ولا رأي غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له ..) (1).
…
لقد كان رسول الله (ص) هو الهدف الأول عند مشركي قريش، والمحاولات الفردية التي قام بها جبارا قريش أبو جهل بن هشام وعمر بن الخطاب، وما كان ليجرؤ عليها غيرهما وهما اللذان دعا رسول الله (ص) أن يعز الإسلام بأحدهما، ((اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب)) (2).
أو المحاولات الجماعية التي تمت بعد إسلام عمر واعتزاز المسلمين بأرض الحبشة، والتي تمت ليلة الهجرة، لتؤكد أن قضية اغتياله عليه الصلاة والسلام، قد أجمع عليها أهل مكة جميعا، ما عدا رهط النبي (ص) الأدنين بني هاشم وبني المطلب.
وهذا الدرس لا بد أن يعيه الدعاة، في أن قيادة الدعوة هي الهدف الأصلي التي يجتمع عليها المخططون، ويدرك الدعاة كذلك أن الأمر لا يتم إلا غيلة، وليس مواجهة، ويعرف خصوم الإسلام كذلك مدى خسارة الدعوة حين تفقد قائدها، وهو خط سار عليه أعداء الإسلام منذ فجر التاريخ. فقد
(1) السيرة النبوية لابن هشام 482/ 1.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 345.
قال فرعون للملأ حوله: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (1).
والمحاولات التي تمت في أحد لقتل النبي (ص) كادت أن تعصف بالمسلمين فأنزل الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} (2).
وكثيرا من المعارك تحسم بالقضاء على قائدها {فهزموعم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ..} (3).
وكان مقتل قائد جيش المسلمين في بواتية (4) نقطة تحول كبرى في التاريخ، حيث أوقفت المد الإسلامي في أوروبا بعد ذلك.
ومن أجل هذا فلا بد أن يأخذ المسلمون حذرهم في هذا الأمر، ويحافظوا على حياة قائدهم حماية وذودا ودفاعا، ففي حياته حياة الدعوة. وقد يؤدي مقتله أحيانا إلى ضربة قد تقضي على وجود الحركة ولو إلى حين.
(1) غافر:26.
(2)
آل عمران: 144.
(3)
البقرة: 251.
(4)
انظر الأعلام عبد الرحمن الغافقي 3/ 312، وابن الأثير 5/ 64.