الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني والثلاثون
مواقف اليهود من الدعاة
1 -
الموقف الديني:
(أ) لقد كان اليهود والنصارى هم الذين يتحدثون عن موعد نبي أطل زمانه بينما كان المشركون العرب غفلا عن ذلك لأنهم أميون. ليس عندهم كتاب من عند الله يتبعونه.
وحين نذكر أصحاب العقبة الأولى من الخزرج. نلاحظ دور هذه النبوة في إسلامهم.
(
…
قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج. قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟. قالوا: بلى. فجلسوا، فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم. وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم في بلادهم. فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله (ص) أولئك النفر. ودعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم
إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه.) (1).
(ب) عبد الله بن سلام: (وكان حديث عبد الله بن سلام كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرا عالما قال: لما سمعت برسول الله (ص) عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف (2) له. فكنت مسرا لذلك صامتا عليه، حتى قدم رسول الله (ص) المدينة. فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه. وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها. وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة. فلما سمعت الخبر كبرت. فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت. قال. فقلت لها: هو والله أخو موسى بن عمران. وعلى دينه بعث بما بعث به. فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟
فقلت لها: نعم: قالت: فذاك إذن. قال ثم خرجت إلى رسول الله (ص) فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي. فأمرتهم فأسلموا) (3).
(ج) حيي بن أخطب وأخوه: عن صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها قالت:
(1) السيرة النبوية لابن هشام /1/ 429/428.
(2)
نتوكف: نترقب ونتوقع.
(3)
المصدر نفسه / 516.
كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر. لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله المدينة، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف. غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر مغلسين. فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتيا كالين كسلانين قنطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أهش من قبل. فوالله ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟؟ قال: نعم. قال: أتعرفه وتثبته.؟. قال: نعم: قال: فما في نفسك منه قال: عداوته والله ما بقيت.) (1).
وهكذا افترق الموقفان في يهود. قاد الأول عبد الله بن سلام. فلم يتبعه إلا أهله، وتحرك الغدر والمكر والحسد والكيد عند حيي بن أخطب. فقاد الموقف الثاني. وتبعته كل يهود. وبقي يؤجح نار الحرب حتى احترق فيها وقتل يوم غدر بني قريظة. وقال:
لا بأس، ملحمة وقدر كتبها الله على بني إسرائيل. والله ما لمت نفسي في عداوتك. ولكنه من يخذل الله يخذل.
ولئن كان أبو جهل فرعون هذه الأمة. فحيي بن أخطب أبو جهل يهود وفرعونهم.
(1) السيرة النبوية لابن هشام 519/ 1 عن عبد الله بن أبي بكر ممن حدثه عن صفية رضي الله عنها.
وكما قال أبو جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان. قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى ندرك مثل هذه. والله لا نؤمن به ولا نصدقه.) (1).
قال حيي: أهو هو. قال: نعم. قال فما في نفسك منه.
قال: عداوته والله ما بقيت.
{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)) (2).
{وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون} (4).
وكانوا أول كافر به وقد جاء مصدقا لما معهم.
(1) المصدر نفسه / 316.
(2)
البقرة / 89.
(3)
البقرة / 109.
(4)
البقرة: / 41.
(5)
البقرة / 42.
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: لما حكموا رسول الله (ص) فيهما (اللذين زنيا بعد إحصان) دعاهم بالتوراة. وجلس حبر منهم يتلوها. وقد وضع يده على آية الرجم. قال: فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر. ثم قال: هذه يا نبي الله آية الرجم يأبي أن يتلوها عليك. فقال لهم رسول الله (ص): ((ويحكم يا معشر يهود! ما دعاكم إلى ترك حكم الله وهو بأيديكم؟)). قال. فقالوا: أما والله إنه كان فينا يعمل فيه. حتى زنا منا رجل بعد إحصانه من بيوت الملوك وأهل الشرف فمنعه الملك من الرجم. ثم زنى رجل بعده. فأراد أن يرجمه. فقالوا: لا والله حتى ترجم فلانا. فلما قالوا ذلك اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التجبية. وأماتوا ذكر الرجم والعمل به. قال فقال رسول الله (ص): ((فأنا أول من أحيا أمر الله وكتابه وعمل به،)) ثم أمر بهما فرجما عند باب مسجده) (1).
(وأتى رسول الله (ص) محمود بن سيحان، ونعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وعزير بن أبي عزير وسلام بن مشكم. فقالوا: أحق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله. فإنا لا نراه منسقا كما تنسق التوراة؟ فقال لهم رسول الله (ص): ((أما والله إنكم لتعرفونه من عند الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة. ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاؤوا به))). فقالوا عند ذلك وهم جميع:
(1) السيرة النبوية لابن هشام 566/ 1.
يا محمد أما يعلمك هذا إنس ولا جن؟ فقال لهم رسول الله (ص): (أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله وأني لرسول الله تجدونه مكتوبا في التوراة))). فقالوا: يا محمد فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد. فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه. وإلا جئناك بمثل ما تأتي به) (1).
إنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.
(هـ) تهجمهم على ذات الله:
قال ابن إسحاق: وحدثت عن سعيد بن جبير أنه قال: (أتى رهط من يهود إلى رسول الله (ص) فقالوا: يا محمد، هذا الله خلق الخلق. فمن خلق الله؟ قال. فغضب رسول الله (ص) حتى انتقع لونه ثم ساورهم (2) غضبا لربه. فجاء جبريل عليه السلام فسكنه فقال: خفض عليك يا محمد. وجاءه من الله بجواب ما سألوا عنه: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد} .
فلما تلاها عليهم، قالوا فصف لنا يا محمد كيف خلقه؟ كيف ذراعه؟ كيف عضده؟. فغضب رسول الله (ص) أشد من غضبه الأول، وساورهم. فأتاه جبريل عليه السلام فقال له مثل ما قال له أول مرة. وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه
(1) المصدر نفسه /571/ 1.
(2)
ساورهم: واثبهم وباطشهم.
وتعالى عما يشركون}. (1)) (2).
(هـ) إدعاؤهم أنهم على الحق: وأتى رسول الله (ص) رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة. فقالوا: يا محمد. ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق؟. قال:((بلى. ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها، وكتمتم ما أمرتم أن تبينوه للناس. فبرئت من أحداثكم))). قالوا: فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الحق والهدى، ولا نؤمن بك ولا نتبعك. فأنزل الله تعالى فيهم {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين (3)} . (4).
ومن أجل ذلك جاء القرآن الكريم. ففضحهم في تاريخهم كله، وفضح مواقفهم من أنبيائهم. وكشف خبث معدنهم، وسوء طويتهم، وعصيانهم ربهم، واستهزاءهم بآيات الله.
وكانت هذه الأمور كلها مخفية عن الناس، بينما يظهرون أنهم حملة كتاب الله. وأنهم شعب الله المختار. الذي يملك القوامة على البشرية.
(1) الزمر / 67.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 572.
(3)
المائدة / 68.
(4)
السيرة النبوية لابن هشام /568/ 1.