الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (عن ابن بريدة قال: حدثني أبي أن رسول الله (ص) غزا تسع عشرة غزوة، وقاتل في ثمان، وبعث أربعا وعشرين سرية، قاتل (1) في يوم بدر، ويوم أحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين) (2).
ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:
قال ابن إسحاق:
(وبعث رسول الله (ص) عبد الله بن جحش في رجب، مقفله من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، لا يستكره من أصحابه أحدا .. فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فامض حتى تنزل نخلة، بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب، قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله (ص) أن أمضي إلي نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم
= وثلاثين، وعد الواقدي ثمانيا وأربعين. وحكى ابن الجوزي في التنقيح ستا وخمسين، وعد المسعودي ستين. وبلغها شيخنا في نظم السيرة زيادة على السبعين. ووقع عند الحاكم في الإكليل أنها تزيد على مائة فلعله أراد ضم المغازي إليها ..) فتح الباري 280/ 7، 281.
(1)
نقل الزرقاني في شرح المواهب 1/ 405 عن ابن تيمية قوله: لا يعلم أنه (ص) قاتل في غزاة إلا في أحد. ولم يقتل أحدا إلا أبي بن خلف فيها. فلا يفهم من قولهم قاتل في كذا أنه بنفسه كما فهم بعض الطبة ممن لا اطلاع لهم على أحواله عليه السلام.
(2)
مسلم ك. الجهاد والسير 32 ب. عدد غزوات الرسول (ص) 49 ج 3 ص 1448 ح 1814.
بخبر، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله (ص)، فمضى ومضى معه أصحابه ولم يتخلف منهم أحد.
وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن، فوق الفرع، يقال له:
بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، كانا يعتقبانه، فتخلفا عليه في طلبه، ومضى عبد الله بن جحش، وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوة نوفل بن عبد الله المخزوميان، والحكم بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليهم منهم. وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله (ص) المدينة.
قال ابن إسحاق: فلما قدموا على رسول الله (ص) قال: ((ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام))، فوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك
شيئا، فلما قال ذلك رسول الله (ص) سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم هلكوا، وعنفهم إخوانهم المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن بمكة، إنما أصابوا في شعبان.
وقالت يهود: - تفاءل بذلك على رسول الله (ص) - عمرو بن الحضرمي في قتله واقد بن عبد الله الليثي، عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي، حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم. فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله (ص):{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} أي: إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله، أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم {.. والفتنة أشد من القتل} أي كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل {.. ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين. فلما نزل القرآن بهذا الأمر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله (ص) العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان. فقال رسول الله (ص): لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا - يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزون - فإنا نخشاكم عليهما. فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله (ص) منهم.
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وقام عند رسول الله (ص) حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة، فمات بها كافرا.
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا به حين نزل القرآن طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله: أنطمع أن تكون لنا غزوة، نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عز وجل فيهم:{إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} فوضعهم الله في ذلك على أعظم الرجاء.
والحديث في هذا عن الزهري، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير (1):
(قال ابن إسحاق، وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: إن الله عز وجل قسم الفيىء حين أحله، فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله، وخمسا إلى رسوله. فواقع على ما كان عبد الله بن جحش قد صنع في تلك العير)(2)
…
1 -
وصل رسول الله (ص) المدينة في شهر ربيع الأول (3)، ومضت السنة
(1) الزهري: الفقيه الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه. يزيد بن رومان: ثقة مولى آل الزبير، عروة ابن الزبير: ثقة فقيه مشهور.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 601 - 605. وقد رواه الإمام أحمد مختصرا وابن أبي حاتم والسدي كما ذكر ذلك ابن كثير 3/ 271 و 274، 275.
(3)
قال ابن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي عن عروة قال: قدم رسول الله (ص) المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وهو التاريخ.
الأولى دون أي تحرك عسكري، فلما كان صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة (1)، ابتدأ التحرك العسكري، وخلال الأشهر الستة، كانت غزوة ودان، وسرية عبيدة بن الحارث، وسرية حمزة إلى سيف البحر، وغزوة بواط، وغزوة العشيرة، وسرية سعد بن أبي وقاص، وغزوة سفوان، وسرية عبد الله بن جحش. أي كان التحرك يتم في أقل من شهر، والأهداف لهذه التحركات واضحة هي ملاحقة قريش، ابتداء وإعلانا بالوجود العسكري الإسلامي في الأرض العربية، ولم يكن إلا واحدة منها ردا على هجوم قام به كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة.
لقد كان الإذن بالقتال هو نقطة التحرك العسكري لرسول الله (ص)، وأن من حق الذين أخرجو من ديارهم وأموالهم بغير حق أن يقاتلوا الذين بغوا عليهم، وصدوهم عن المسجد الحرام.
وكانت بعض التحركات كذلك لتهيئة بعض التحالفات مع القبائل المجاورة، بحيث تبقى المعركة محصورة مع قريش، ولا أقل من وقوف هذه القبائل المجاورة على الحياد في المعركة الدائرة بين الفريقين.
وفعلا حالت هذه القبائل دون الصدام المسلح في أكثر من مرة.
2 -
أما سرية عبد الله بن جحش فهي أول صدام تم بين المسلمين والمشركين، وفي جو دعائي ضخم حيث تناولته الأوساط كلها أن محمدا
(1) هذا على رأي ابن إسحاق أما الواقدي فيرى أن التحرك العسكري قد ابتدأ في رمضان على رأس سبعة أشهر من مقدمه (ص) المدينة.
يقاتل في الشهر الحرام ويستحل حرمته، أو هكذا أرادت قريش أن تصور الأمر. وهذه العصبة المؤمنة وعلى رأسها أمير المؤمنين (1) عبد الله بن جحش، تقف متقطعة الأنفاس تخشى الهلاك نتيجة هذا القتال؛ حيث لم يرض الرسول (ص) أن يستلم العير والأسيرين، إلى أن جاء الوحي، فحسم بين الفريقين.
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية:
(يقول سبحانه هذا الذي أنكرتموه عليهم وإن كان كبيرا، فما اركبتموه من الكفر بالله والصد عن سبيله وعن بيته، وإخراج المسلمين الذين هم أهله أكبر منه. والشرك الذي أنتم عليه، والفتنة التي حصلت منكم به
…
أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام) (2).
ويقول ابن القيم كذلك:
(والمقصود أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، فلم يبرىء أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير، وأن ما عليهم أعداءه المشركين أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحق بالذم والعيب والعقوبة، لا سيما وأولياؤه كانوا متأولين)) (3).
(1) أول من أطلق عليه أمير المؤمنين هو عبد الله بن جحش رضي الله عنه لإمرته لهذه السرية، كما روى ابن سعد عن الواقدي عن أبي معشر نجيح قال: في هذه السرية تسمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين. الطبقات الكبرى ج 3 ق 63/ 1.
(2)
زاد المعاد لابن القيم 198/ 3.
(3)
المصدر نفسه 3/ 170.
أما الجرائم الضخمة التي اتكبتها قريش في الكفر بالله، والصد عن سبيله - كما جاء في القرآن - ليؤكد طبيعة المعركة بين المسلمين والمشركين، أنها ليست معركة ساعة، أو أزمة شهر، أو صراع عام .. إنها معركة تمتد حتى يرث الله الأرض ومن عليها لتخرج من إطار الزمن والمكان والحادثة، وتدخل في أعماق التاريخ كله.
{
…
ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..}.
هذا هو هدفهم؛ ومن أجل هذا الهدف، لا بد من الجهاد حتى تقوم الساعة، لإيقاف هذه الفتنة، فتنة الناس عن دينهم وقتلهم على رأيهم، واغتيالهم على عقيدتهم، ومهمة الجهاد في الإسلام هو تحطيم هذه الفتنة، وتحقيق حرية المعتقد في الأرض، بحيث لا يفتن فيها مؤمن عن دينه، أو يحال بينه وبين ربه ((والفتنة أكبر من القتل ..)).
ويكون الدين كله لله، وتكون الدينونة في هذه الأرض لله رب العالمين، في شرعه ومنهجه الذي ارتضاه لعباده. {
…
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ..}.
3 -
وكان التخطيظ النبوي في هذه السرية والسرايا التي سبقتها، أن تكون خالصة للمهاجرين، ليس فيها أنصاري واحد، وذلك لتحقيق أكثر من هدف، فالمهاجرون لا بد أن يشعروا ابتداء بقضيتهم، فلم يقدموا إلى المدينة لتكون بديلا عن مكة، إنما جاؤوا إلى المدينة لتكون عونا لهم في محاولة
استرداد الأرض التي أخرجوا منها بغير حق، وهي كذلك أرض التوحيد التي لوثتها أهواء المشركين، فجعلتها معقلا للشرك.
لا بد من استردادها، لا بد من تحريرها، ولذلك فلا بد أن يشعر المهاجري بخطورة دوره، وأنه هو المعني، وقبل كل أحد بهذه القضية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية .. فالعهد بين رسول الله (ص) وبين أنصار الله ورسوله هو على الحماية، مما يحمون به أزرهم وأولادهم داخل أرضهم، ولو أدت هذه الحماية بالنسبة لهم إلى قتل الأشراف، ونهكة الأموال، وفاء بعهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
4 -
والمعنى الأخص كذلك، هو أن رسول الله (ص) قدم للفداء نفسه أولا في الغزوات التي خرج على رأسها، وأحب الناس إليه، ومن هم بمثابة ولده، ومثابة العين والقلب منه.
لقد كانت السرية الأولى وعلى رأسها عبيدة بن الحارث (ابن عم النبي صلوات الله وسلامه عليه).
وكانت السرية الثانية على رأسها حمزة بن عبد المطلب (عم النبي (ص).
وكانت السرية الثالثة على رأسها سعد بن أبي وقاص (خال رسول الله (ص).
وكانت السرية الرابعة على رأسها عبد الله بن جحش (ابن عمة النبي (ص).
بينما قاد عليه الصلاة والسلام الغزوات الأربع بنفسه وهذا كله كان قبل بدر.
وهو درس للدعاة في الأرض، أنه لن تنتصر دعوة الله فيها، إلا إذا كان الدعاة وأهلهم وأولادهم وأقاربهم وذويهم هم الوقود الأول فيها، ويوم نبحث عن الإخفاق الذي يتلقاه الدعاة اليوم نجد من أهم أسبابه ضن قادة الدعوة بأقاربهم وذويهم وأبكارهم عن الجهاد والمعركة.
وقد نجد سببا كبيرا من الأسباب الكثيرة فيه كذلك أن الدعاة للوعظ والإرشاد والمطلوب من الناس التضحية والفداء، وأن يكونوا النماذج الحية في الاستشهاد، ولن تنتصر دعوة بهذا اللون لا يلتحم فيها القول بالفعل، والوعظ بالبذل، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.
5 -
وغني عن البيان، ما تحمله هذه السرية من أساليب العمل العسكري الدقيق المنظم، فالهدف الأقرب يعرفه الجنود وقياداتهم، أما الهدف الأبعد فقد يكون من اختصاص المخطط أو القائد الأول. ويكن أن تطلع عليه القائد المباشر في حينه، فالرسالة لا تفتح إلا بعد مسيرة يومين، وهو تدريب ذو جوانب متعددة على السرية، والطاعة، والانضباط، وضبط النفس.
6 -
وأخيرا هذا التخيير بعد وضوح الهدف، فلا يكره أحد على الخروج، فمن شاء رجع. فلم يتخلف أحد من الثمانية الذين ساهموا في هذه السرية، وهو يدل على المستوى الرائع من التربية الذي تلقاه أصحاب مدرسة الأرقم، والسابقون الأولون من المهاجرين.
7 -
والاختيار الذي أراده (ص) لقيادة هذه السرية، ليس اختيارا اعتباطيا أو
لمجرد أنه ابن عمته .. بل هناك سبب آخر هو ما وصف به رسول الله (ص) ابن عمته: ((لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش)) (1).
فبعث علينا عبد الله بن جحش، فكان أول أمير في الإسلام.
فالأمير إذن لا بد له أن يحمل المواصفات التي تؤهله لهذا الموقع، ولعل أمير الحرب أول مواصفاته الصبر على شظف العيش، وهول المفاجأة، وصعوبة المحنة، ليكون قادرا على الثبات، والمواجهة للعدو.
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) (2).
8 -
وهناك علاقة بين القيادة وبين لحمة الصف، فالصابر المصابر قادر على أن يحزم الأمر ويقطع دابر الخلاف، ويتخذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة وعودتنا إلى بداية الرواية السابقة توضح هذا المعنى:
(.. فقام غضبان محمر الوجه، وقال: ((أذهبتم من عندي جميعا ورجعتم متفرقين؟ إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش)) فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي) (3).
(1) مسند الإمام أحمد 1/ 178.
(2)
الأنفال 45، 46.
(3)
مسند الإمام أحمد 178/ 1.
ومن أجل ذلك حين يقيض الله تعالى لدعوته قائدا فذا تكون أول ثمرات قيادته أن تجتمع عليه القلوب وتلتحم عليه الصفوف، ويكون قادرا على إنهاء الشتات، وإزالة الفرقة، لينتهي سبب الهلاك في الأمة، وتمضي صعدا في طريق العافية والبناء.
9 -
ونلحظ كذلك حرص القيادة النبوية على أبنائها، فبالرغم من أن سعدا رضي الله عنه وعتبة بن غزوان قد تخلفا في البحث عن بعيرهما الذي يعتقبانه، وليس هناك ما يشير إلى أنهما وقعا أسيرين بيد قريش، إلا أن الموقف النبوي كان واضحا ومشددا بالنسبة لهما: ((لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا، فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل
صاحبيكم)).
وكان بالإمكان التساهل في هذا الأمر طالما أنه لم يثبت وقوعهما أسيرين بيد العدو، وتخلفهما عن المواجهة للبحث عن البعير يوحي بشيء من التقصير منهما. ومع ذلك، فمعالجة الأمر الداخلي شيء والحفاط على حياة جندي الدعوة شيء آخر. والداعية الذي يشعر بحرص الجماعة المسلمة عليه لا غرو أن يضحي بكل ما يملك دون تردد أو خوف على نفسه أو ولده أو أهله.
***