المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة: - فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌أولامباحث تمهيدية

- ‌الفصل الأولمعنى السيرة النبوية وأهميتها

- ‌تعريف بالسيرة النبوية:

- ‌أهمية السيرة النبوية:

- ‌دراسة السيرة عبادة:

- ‌مصادر السيرة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا كتب السنة:

- ‌ثالثا: كتب السير والتراجم:

- ‌رابعا: كتب الدلائل والشمائل والمعجزات والخصائص:

- ‌خامسا: كتب التاريخ والأدب:

- ‌مدى عناية المسلمين بها:

- ‌وكلمة عن ابن هشام وعمله في سيرة ابن إسحاق:

- ‌السيرة النبوية خلال القرون:

- ‌الفصل الثانيالنبوة

- ‌حاجة البشر إلى الأنبياء:

- ‌حاجتهم إلى خاتم الأنبياء:

- ‌الإيمان هو الأصل والشرك طارئ:

- ‌النبوة اجتباء من الله تعالى واصطفاء:

- ‌الفصل الثالثلمحة عن‌‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌طروء الشرك عليهم:

- ‌عناية الإسلام بسد ذرائع الشرك:

- ‌الفصل الرابعنبذة عن حياة العرب

- ‌أصول العرب:

- ‌ العرب البائدة:

- ‌ العرب العاربة:

- ‌ العرب العدنانية:

- ‌الحالة الدينية:

- ‌الطواغيت:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌ الملك باليمن:

- ‌الملك بالحيرة

- ‌الملك بالشام:

- ‌الإمارة بالحجاز:

- ‌الحياة الاجتماعية والخلقية:

- ‌الحالة الاقتصادية:

- ‌الحالة الخلقية:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌الفصل الخامساختياره من بيت شرف ونسب

- ‌الفصل السادسيتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السابععمله ب‌‌الرعيوالتجارة

- ‌الرعي

- ‌التجارة:

- ‌الفصل الثامنحفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة

- ‌لقاؤه مع بحيرا الراهب:

- ‌أمره بستر عورته:

- ‌أمر الجاهلية:

- ‌وقوفه بعرفات:

- ‌الفصل التاسعمشاركته في أحداث قومه

- ‌حضوره حرب الفجار

- ‌شهوده حلف الفضول:

- ‌بناء الكعبة والتحكيم:

- ‌الفصل العاشرزواجه من خديجة

- ‌العهد المكي للدعوة

- ‌الفصل الحادي عشرالوحي

- ‌الفصل الثاني عشرمراحل الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشرمن أسلوب المخالفين في مواجهة الدعوة

- ‌أولا: التشويه:

- ‌ثانيا: التهديد:

- ‌ثالثا: التعذيب:

- ‌رابعا: الترغيب:

- ‌ المال:

- ‌ الجاه:

- ‌ النساء:

- ‌خامسا: التعجيز:

- ‌سادسا: الاغتيال:

- ‌سابعا: المقاطعة:

- ‌الفصل الرابع عشرسنة الله تعالى في الابتلاء

- ‌ تزكية الفرد:

- ‌ نفي الخبث عن الدعوة:

- ‌ الدعاية لها:

- ‌ جذب بعض العناصر القوية إليها:

- ‌وجوب الصبر على الابتلاء

- ‌الفصل الخامس عشرالاستفادة من قيم الجاهلية

- ‌الفصل السادس عشروطن الداعية حيث مصلحة الدعوة

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌قريش تحاول إعادة المهاجرين إليها:

- ‌تخطيط ذكي جديد:

- ‌مؤامرة جديدة تتحطم:

- ‌ثانيا: عرض رسول الله (ص) نفسه على ثقيف

- ‌ثالثا: عرض نفسه على القبائل

- ‌بنو شيبان:

- ‌الفصل السابع عشرالإسراء والمعراج ودلالتهما

- ‌حديث الإسراء

- ‌حديث المعراج

- ‌الفصل الثامن عشرالهجرة إلى المدينة

- ‌أولا: أسبابها:

- ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

- ‌ تهيئة الركب:

- ‌ شراء البعيرين وعلفهما:

- ‌ جاء في نحر الظهيرة:

- ‌ مجيئه مقنعا:

- ‌ الأمر بإخراج الناس من البيت:

- ‌ تهيئة الزاد:

- ‌ الخروج من خوخة أبي بكر:

- ‌ كتمان الأمر:

- ‌ الخروج إلى الغار:

- ‌ عبد الله يتلقط الأخبار:

- ‌ عامر بن فهيرة يعفو على الأثر:

- ‌ ابن فهيرة وغنمه للزاد كذ

- ‌ رسول الله (ص) لا يبيت على فراشه:

- ‌ مبيت علي رضي الله عنه في الفراش:

- ‌ اختيار الدليل المناسب:

- ‌ اختيار طريق الساحل:

- ‌ الهادي على الطريق:

- ‌ حيلة أسماء في المال:

- ‌أهمية الهجرة في تاريخ الدعوة:

- ‌ثالثا: دور الشباب والمرأة في الهجرة:

- ‌العهد المدني للدعوة

- ‌الفصل التاسع عشرتنظيم المجتمع النبوي

- ‌أولا: بناء المسجد:

- ‌ثانيا: المؤاخاة:

- ‌ثالثا: وثيقة المدينة (الدستور الإسلامي):

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌ دستور الدولة الإسلامية الجديدة

- ‌ الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:

- ‌ الباب الثاني: حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة المسلمة

- ‌ الباب الثالث: أحكام عامة للمواطنين عامة:

- ‌الفصل العشرونالإذن في الجهاد

- ‌أولا: مرحلة كف اليد:

- ‌ثانيا: الإذن في الجهاد:

- ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

- ‌الفصل الحادي والعشرونأهم السرايا والغزوات

- ‌أولا: الإحصاء الإجمالي:

- ‌ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:

- ‌الفصل الثاني والعشرونغزوة بدر

- ‌أولا: أسباب الغزوة وأهدافها:

- ‌ثانيا: الاستشارة التي غيرت وجه المعركة:

- ‌ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:

- ‌رابعا: من أحداث الغزوة:

- ‌خامسا: أهمية الغزوة:

- ‌سادسا: آثارها:

- ‌الفصل الثالث والعشرونغزوة أحد

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌قوانين النصر والهزيمة:

- ‌التمحيص في أحد:

- ‌النماذج الإيمانية الرائعة:

- ‌القيادة النبوية العظيمة:

- ‌آثار المعركة:

- ‌ من حيث موقف المسلمين في المدينة:

- ‌ من حيث جرأة العرب على المؤمنين:

- ‌ من حيث الموقف مع قريش:

- ‌كيف عالج القرآن أثر المحنة

- ‌الفصل الرابع والعشرونغزوة الخندق

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌الفصل الخامس والعشرونغزوة الحديبية

- ‌أحداث الحديبية:

- ‌الفصل السادس والعشرونغزوة خيبر

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل السابع والعشرونغزوة مؤتة

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثامن والعشرونفتح مكة

- ‌ أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل التاسع والعشرونغزوة حنين

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثلاثونغزوة تبوك

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الحادي والثلاثونمواقف المنافقين من الدعوة

- ‌ النفاق في مكة:

- ‌ بداية التجمع:

- ‌ دورهم في غزوة بني قينقاع:

- ‌ دورهم في غزوة أحد

- ‌ تآمرهم مع بني النضير

- ‌ المنافقون يوم الأحزاب

- ‌ الفريق الأول:

- ‌ الفريق الثاني:

- ‌ الفريق الثالث:

- ‌ المنافقون يوم بني المصطلق

- ‌ بعد الحديبية وفتح مكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثونمواقف اليهود من الدعاة

- ‌ الموقف الديني:

- ‌ المواقف السياسية

- ‌المواقف العسكرية

- ‌الفصل الثالث والثلاثونأزواج النبي (ص)

- ‌المرحلة الأولى: حتى الخامسة والعشرين:

- ‌ عنف صبوة الشباب وتأجج العاطفة

- ‌المرحلة الثانية: حتى الخمسين من عمره

- ‌ زواجه من خديجة رضي الله عنها

- ‌المرحلة الثالثة: حتى الخامسة والخمسون من العمر

- ‌ الزواج بعائشة وسودة

- ‌المرحلة الرابعة: من الخامسة والخمسين حتى الستين

- ‌بقية نسائه

- ‌(أ) حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌(ب) زينب بنت خزيمة

- ‌(ج) أم سلمة:

- ‌(د) زينب بنت جحش:

- ‌(هـ) أم حبيبة بنت أبي سفيان

- ‌(و) جويرية بنت الحارث:

- ‌(ز) ريحانة بنت زيد:

- ‌(ح) صفية بنت حيي:

- ‌(ط) مارية القبطية:

- ‌(ي) ميمونة بنت الحارث:

- ‌المرحلة الخامسة: من الستين إلى الثالثة والستين

- ‌لم يتزوج فيها رسول الله

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الرابع والثلاثونعالمية الدعوة: أدلتها ومظاهرها من السيرة

- ‌ كتب رسول الله (ص) إلى كل ملوك الأرض

- ‌ كتاب هرقل عظيم الروم:

- ‌ كتاب كسرى عظيم الفرس

- ‌ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ بقية الكتب:

- ‌الفصل الخامس والثلاثونأخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب محبته ومن لوازم محبته اتباعه:

- ‌نماذج من تربيته (ص) لأصحابه:

- ‌الفصل السادس والثلاثونوفاته صلى الله عليه وسلم. وبيعة الصديق

- ‌قبل أربعة أيام: يوم الخميس:

- ‌قبل ثلاثة أيام: يوم الجمعة:

- ‌قبل يوم واحد:

- ‌آخر يوم من الحياة:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌جهاز رسول الله (ص) ودفنه

- ‌تكفين رسول الله:

- ‌حفر القبر:

- ‌الصلاة على رسول الله ثم دفنه:

- ‌الفصل السابع والثلاثونبيعة الصديق وحروب الردة

- ‌الانقلاب على العقب:

- ‌إنفاذ جيش أسامة:

- ‌مانعو الزكاة:

- ‌ الكتاب الذي وجهه الصديق إلى هؤلاء المردة المرتدين

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌المحتوى

الفصل: ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

8 -

وليست قضية النقباء الاثني عشر، إلا تحديدا للمسؤولية، كل واحد من عشيرته وقومه، مقابل كفالة رسول الله (ص) عن المهاجرين، وبذلك تشكلت القيادة التي تحمل التبعية الكاملة للحرب.

‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

1 -

(عن عائشة زوج النبي (ص) قالت:

لم أعقل أبوي قط إلا وهم يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله (ص) طرفي النهار بكرة وعشية .. وتجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله (ص):((على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي)) فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: ((نعم)) فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله (ص) ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو الخبط - أربعة أشهر.

قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة:

فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله (ص) متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فدى له أبي وأمي، والله ما جاء به هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله (ص)، واستأذن فأذن له، فدخل فقال النبي (ص) لأبي بكر:((أخرج من عندك)) فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال:((فإني قد أذن لي في الخروج)) قال أبو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله (ص): (نعم)) قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى

ص: 324

راحلتي هاتين، قال رسول الله (ص):((بالثمن)) قالت عائشة:

فجهزنا أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة من جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين.

قالت: ثم لحق رسول الله (ص) وأبو بكر بغار في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف (1) لقن (2)، فيدلج (3) من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش، بمكة كبائت، فلا يسمع أمر يكتادان (4) به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة (5) من غنم، فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل (6)، وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله (ص) وأبو بكر رجلا من بني الديل - وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه

(1) شاب ثقف: شاب ذو فطنة.

(2)

لقن: حسن التلقن لما يسمعه، واللقن: الفهم.

(3)

يدلج السحر: إذا سار سحرا.

(4)

يكتادان به: من الكيد.

(5)

منحة من غنم: التي جعل له منها لبنها وبرها ولحمها.

(6)

في رسل: وهو لبن منحتهما ورضيفهما: اللبن المرضوف وهو الذي طرحت منه الرضفة: وهي الحجارة المحماة لتذهب وخامته.

ص: 325

راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل (1).

2 -

قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله (ص) لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله (ص) وأبا بكر ثياب بياض، ويسمع المسلمون في المدينة مخزج رسول الله (ص) من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانطلقوا أيضا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه. فبصر برسول الله (ص) وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون .. فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله (ص) بظهرة الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله (ص) صامتا، فطفق من جاء من الأنصار يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله (ص)، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس عند ذلك رسول الله (ص)، فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله (ص) ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول (ص) بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين،

(1) البخاري: ك. فضائل أصحاب النبي (ص) مناقب الأنصار 62 و 63 ب. هجرة النبي (ص) وأصحابه إلى المدينة 45 م 2 ج 5 ص 73،74.

ص: 326

وكان مربدا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله (ص) حين بركت راحلته:((هذا إن شاء الله المنزل)) ثم دعا رسول الله الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله (ص) أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول الله (ص) ينقل

معهم اللبن في بنيانه، ويقول وهو ينقل اللبن:

هذا الحمال لا حمال خيبر

هذا أبر ربنا وأطهر

ويقول:

اللهم إن الأجر أجر الآخرة

فارجم الأنصار والمهاجرة

فتمثل بيت رجل من المسلمين لم يسم لي، قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله (ص) تمثل ببيت شعر تام غير هذه البيت (1).

3 -

(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق حدثهم قال: نظرت إلى أقدام المشركين فوق رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت:

يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا فقال: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) (2).

4 -

سمعت البراء بن عازب يقول: جاء أبو بكر إلى أبي في منزله، فاشترى

(1) البخاري ك. فضائل الأنصار 63 ب. الهجرة 45 م 2 ج 5 ص 77.

(2)

شرح السنة النبوية 13/ 366،وقال: هذا حديث متفق على صحته. البخاري 9/ 7، 10 فضائل أصحاب النبي (ص) ومسلم في فضائل الصحابة 2381:باب فضائل أبي بكر.

ص: 327

منه رحلا فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي يا أبا بكر حدثنا كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله (ص)؟ قال:

نعم أسرينا ليلتنا من الغد حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلنا عنده وسويت للنبي (ص) مكانا بيدي فنام عليه وبسطت عليه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض من حولك، فنام، وخرجت أنفض (1) ما حوله، فإذا أنا براع يقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من أهل المدينة أو مكة، قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال:

نعم، فأخذ شاة فقلت: انفض الضرع من التراب والشعر والقذى، قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض، فحلب في قعب (2) كثبة (3) من لبن، ومعي إداوة حملتها للنبي (ص) يرتوي فيها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي (ص)، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت:

اشرب يا رسول الله، قال: فشرب حتى رضيت ثم قال: ((ألم يأن الرجل؟)) قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعدما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك. فقلت: أتينا يا رسول الله (ص) فقال: ((لا تحزن إن الله

(1) أنفض من حوله: أحرس وأطوف حولك.

(2)

القعب: القدح الصغير.

(3)

كثبة من لبن: قليل منه.

ص: 328

معنا)) فدعا عليه النبي (ص)، فارتطمت به فرسه إلى بطنها، أرى في جلد (1) من الأرض - شك زهير - فقال: إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي (ص) فنجا فجعل لا يلقى أحدا إلا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلا رده، قال: ووفى لنا) (2).

5 -

(وعن أسماء رضي الله عنها قالت: صنعت سفرة للنبي (ص) وأبي بكر حين أرادا المدينة، فقلت لأبي: ما أجد شيئا أربطه إلا نطاقي، قال:

فشقيه، ففعلت، فسميت ذات النطاقين) (3).

6 -

(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقبل نبي الله (ص) إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله (ص) شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير ..) (4).

7 -

(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله (ص) المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام

(1) الجلد: الأرض الغليظة الصلبة.

(2)

البخاري ك. المناقب 61 ب. علامات النبوة في الإسلام 25 م 2 و 4 ص 246،245. ومسلم ك. الزهد والرقائق 53 ب. في حديث الهجرة 19 ح 2009 ج 4.

(3)

البخاري ك. مناقب الأنصار 63 ب. هجرة النبي (ص) إلى المدينة 45 م 2 ج 3 ص 73.

(4)

المرجع نفسه ص 79.

ص: 329

فيهم أربعة عشر ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، قال: فجاؤوا متقلدي سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله (ص) على رحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب) (1).

8 -

(وعن سهل بن سعد قال: ما عدو من مبعث النبي (ص)، ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة) (2).

9 -

قال معمر: قال قتادة: دخلوا في دار الندوة يأتمرون بالنبي (ص)، فقالوا: لا يدخل معكم أحد ليس منكم، فدخل معهم الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد، فقال بعضهم ليس عليكم من هذا عين، هذا رجل من أهل نجد، قال: فتشاوروا، فقال رجل منهم: أرى أن تركبوه بعيرا ثم تخرجوه، فقال الشيطان: بئس ما رأى هذا، هو هذا قد كان يفسد ما بينكم وهو بين أظهركم، فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس، ثم حملهم عليكم يقاتلونكم، فقالوا: نعم ما رأى هذا الشيخ، فقال قائل آخر: فإني أرى أن تجعلوه في بيت وتطينوا عليه بابه، وتدعوه فيه حتى يموت، فقال الشيطان. بئس ما رأى هذا، أفترى قومه يتركونه فيه أبدا، لا بد أن يغضبوا له، فيخرجوه، فقال أبو جهل: أرى أن تخرجوا من كل قبيلة رجلا، ثم يأخذوا أسيافهم، فيضربونه ضربة واحدة، فلا يدري من قتله، فتدونه، فقال الشيطان: نعم ما رأى هذا.

(1) المرجع نفسه ص 86.

(2)

المرجع نفسه ص 87.

ص: 330

فأطلع الله نبيه (ص) على ذلك، فخرج هو وأبو بكر إلى غار في الجبل، يقال له ثور ونام علي على فراش النبي (ص)، وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي (ص) فلما أصبحوا، قام علي لصلاة الصبح، بادروا إليه فإذا هم بعلي فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره، حتى بلغوا الغار ثم رجعوا، فمكث فيه هو وأبو بكر ثلاث ليال (1).

10 -

(وعن قيس بن النعمان قال: لما انطلق رسول الله (ص) وأبو بكر مستخفيان نزلا بأبي معبد فقال: والله ما لنا شاة، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن، فقال رسول الله (ص): أحسبه: ((فما تلك الشاة)) فأتي بها. فدعا رسول الله (ص) بالبركة عليها ثم حلب عسا (2) فسقاه، ثم شربوا، فقال: أنت الذي تزعم أنك صابىء. قال: ((إنهم يقولون))، قال: أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك؟ قال:

((لا، حتى تسمع أنا قد ظهرنا)) فاتبعه بعد) (3).

11 -

(وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله (ص) وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر معه ماله كله خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: إني والله لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.

(1) المغازي النبوية للزهري 100 وهي عن معمر (ثقة ثبت فاضل) عن قتادة (ثقة ثبت) وقد روى لهما الستة.

(2)

العس: القدح العظيم.

(3)

مجمع الزوئد للهيثمي 6/ 58 وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

ص: 331

قلت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيرا كثيرا، قالت: فأخذت أحجارا فجعلتها في كوة (1) في البيت كان أبي يجعل فيها ماله، ثم جعلت عليها ثوبا، ثم أخذت يده، فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس إن كان ترك لكم هذا لقد أحس وفي هذا لكم بلاغ. قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك) (2).

12 -

(قال ابن إسحاق: ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول الله (ص) أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق، وآل أبي بكر، أما علي فإن رسول الله (ص) - فيما بلغني - أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة، حتى يؤدي عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته (ص)(3).

13 -

(قال ابن إسحاق: فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله (ص) وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: لا أدري، والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها

(1) الكوة: الثقب في الحائط.

(2)

رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق. وقد صرح بالسماع.

(3)

السيرة النبوية لابن هشام 1/ 485.

ص: 332