الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتجبر المصيبة. حدت بالنبي (ص) أن يختار ريحانة لتكون زوجا له بعد أن اختارت الله ورسوله ودخلت في الإسلام. وبقيت معلما عظيما من معالم الدعوة إلى الله. إن القتل يؤكد أن الثأر والتشفي ليس هو الذي يحرك المؤمنين. إنما هو القصاص العادل على الغدر والخيانة. ولا أدل على ذلك. من تزوج رسول الله (ص) واحدة منهن. وقد هدى الله قلبها للإسلام. لتكون قدوة لأخواتها السبايا يدخلن في دين الله. ويذبن الحقد في بوتقة الإيمان.
…
(ح) صفية بنت حيي:
وما قيل عن ريحانة رضي الله عنها يقال عن صفية رضي الله عنها. فكلتاهما من يهود. شرح الله صدرهما للإسلام. وصارت صفية أما للمؤمنين في الأرض. ولم يحل أصلها اليهودي دون ذلك. بل كان رسول الله يعلمها. كيف تفخر بهذا الأصل على أخواتها العربيات: قولي لهم: ((أبي هارون وعمي موسى)) فهي من ضئضىء النبوة. ولو كان أبوها حيي بن أخطب هو فرعون يهود. وطاغيتهم الكبير فلا تزر وازرة وزر أخرى. وما لنا نبعد وهي التي أشارت لذلك.
فعن إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: لما دخلت صفية على النبي (ص) قال لها: ((لم يزل أبوك من أشد يهود عداوة لي حتى قتله الله))). فقالت: يا رسول الله إن الله يقول في كتابه: ولا تزر وازرة وزر أخرى. فقال لها رسول الله: ((اختاري فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك وتلحقي بقومك.))) فقالت: يا رسول الله لقد هويت الإسلام، وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث
صرت إلى رحلك. وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام. فوالله ورسوله أحب إلي من العتق. وأن أرجع إلى قومي. قال: فأمسكها رسول الله لنفسه.) (1))
وقد روى ابن سعد حديث صفية من طرق عنده وعن ثلاثة من الصحابة هم أبو هريرة وأنس بن مالك وأم سنان الأسلمية. وأدخل حديث بعضهم ببعض فقال:
لما غزا رسول الله (ص) خيبر، وغنمه الله أموالهم سبى صفية بنت حيي وبنت عم لها من القموص فأمر بلالا يذهب بها إلى رحله. فكان لرسول الله (ص) صفي من كل غنيمة. فكانت صفية مما اصطفى يوم خيبر، وعرض عليها النبي (ص) أن يعتقها إن اختارت الله ورسوله. فاختارت الله ورسوله وأسلمت. فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها مهرها. ورأى بوجهها أثر خضرة قريبا من عينها فقال:((ما هذا))) قالت: يا رسول الله رأيت في المنام قمرا أقبل من يثرب حتى وقع في حجري فذكرت ذلك لزوجي كنانة فقال: تحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة؟ فضرب وجهي. واعتدت حيضة ولم يخرج رسول الله (ص) من خيبر حتى طهرت من حيضتها. فخرج رسول الله من خيبر ولم يعرس بها فلما قرب البعير لرسول الله ليخرج وضع رسول الله رجله لصفية لتضع قدمها على فخذه فأبت ووضعت ركبتها على فخده وسترها رسول الله وحملها وراءه. وجعل
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 88/ 8.
رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه. فلما صار إلى منزل يقال له تبار على ستة أميال من خيبر. مال يريد أن يعرس بها فأبت عليه. فوجد النبي (ص) في نفسه من ذلك. فلما كان بالصهباء وهي على بريد من خيبر. قال رسول الله (ص)(ص) لأم سليم: عليكن صاحبتكن فأمشطنها. وأراد رسول الله أن يعرس بها هناك. قالت أم سليم وليس معنا فسطاط ولا سرادقات. فأخذت كسائين أو عباءتين فسترت بينهما إلى شجرة فمشطتها، وعطرتها. قالت أم سنان الأسلمية: وكنت فيمن حضر عرس رسول الله (ص) بصفية مشطناها وعطرناها. وكانت جارية تأخذ الزينة من أوضأ ما يكون من النساء، وما وجدت رائحة طيب أطيب من ليلتئذ. وما شعرنا حتى قيل رسول الله يدخل على أهله. وأقبل رسول الله (ص) يمشي إليها فقامت إليه. وبذلك أمرناها. فخرجنا من عندهما، وأعرس بها رسول الله (ص) هناك وبات عندها. وغدونا عليها وهي تريد أن تغتسل. فذهبنا بها حتى توارينا من العسكر فقضت حاجتها واغتسلت. فسألناها عما رأت من رسول الله (ص). فذكرت أنه سر بها، ولم ينم تلك الليلة، ولم يزل يتحدث معها، وقال لها:((ما حملك على الذي صنعت حين أردت أن أنزل المنزل الأول فأدخل بك؟))) قالت: خشيت عليك قرب يهود فزادها ذلك عند رسول الله (ص). وأصبح رسول الله فأولم عليها هناك وما كانت وليمته إلا الحيس (1) وما
(1) الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط (شيء يخذ من مخيض الغنم) فيعجن عجنا شديدا ثم يندر منه نواه.