الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ) ولم يجد فرصة يبث فيها حقده إلا من خلال حديث الإفك لكن الذي أضاع دوره بين الأدوار هو مشاركة المؤمنين في الحديث فيه {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم.
تقول عائشة رضي الله عنها (وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي في رجال من الخزرج).
وما كان المنافقون ليجرؤوا على بث هذا الحديث والخوض فيه بعد الفضيحة التي نالتهم والتعرية التى نزلت بابن أبي. لولا انتشار الحديث واستفاضته في الصف الإسلامي، فقد جعل المجال رحبا لهم أن يدسوا أنوفهم فيه. ونستطيع أن نقول أن ظاهرة النفاق ابتدأت معسكرا ضخما قبيل أحد، وبلغت ذروتها في أحد وانتهت فردا واحدا يمتنع عن بيعة الرضوان في الحديبية. ويختبىء في ظل ناقته. ولا يعني هذا انتهاء المنافقين في هذه المرحلة. لكنها تعني حصرهم. وإحباط مخططاتهم، وعجزهم عن التحدي والمواجهة.
7 -
بعد الحديبية وفتح مكة
.
فتح الحديبية المبين، والفتح الأعظم في مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجا. أوجد مناخا جديدا لتسارع الناس للدخول في الإسلام رهبة من القوة النبوية الضخمة التي دانت لها أرض العرب كلها. وعاد النفاق معسكرا جديدا. وكانت غزوة تبوك. هي المحرق الذي كشف كل مخططات المنافقين. ومن أجل هذا سميت سورة التوبة. بالفاضحة،
والمبعثرة، والمخزية.
وقد تحدثنا في الفصل السابق عن معظم تخطيطاتهم التي دمرها الأمر النبوي بالوحي الإلهي الذي يأتيه ويكفينا هنا أن نتحدث عن هذه الأدوار الرهيبة التي برزت من خلال سورة التوبة:
(1)
التثاقل عن الجهاد {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة
…
} (42).
(2)
السعي للفتنة ممن انضم إلي الجيش الإسلامي: {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق
…
} (48).
(3)
الحسد الذى يأكل قلوبهم {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} (50) فهم يفرحون بمصيبة المسلمين.
(4)
المظاهر الإسلامية يحافظون عليها. من إتيان الصلاة والمشاركة في الإنفاق.
(5)
النيل من النبي (ص){ويقولون هو أذن .. قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمني} (61).
(6)
الهزء والسخرية بآيات الله وبصالح المؤمنين {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون} (65).
(7)
يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم (67).
(8)
محاولة اغتيال النبي (ص) في محاولة رميه عن الدابة {
…
وهموا بما لم ينالوا} (74).
(9)
{الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون
إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم} (1).
(10)
التثبيط عن الجهاد {
…
وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} (2).
(11)
اتخاذ مسجد الضرار. ليكون وكرا للمنافقين. ومنطلقا لمؤامراتهم. {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون} (3).
لقد كانت آيات سورة براءة التي نزلت في المنافقين قرابة مائة آية هي أعنف حرب إعلامية عليهم كشفت كل مخططاتهم. وعرتهم تعرية كاملة في المجتمع الإسلامي. واستطاعت هذه الحملة الناجحة أن تهزم معسكر النفاق، وتعيد الكثيرين إلى الصف الإسلامي الخالص. فيحسن إسلامهم. وكانت أكبر فاجعة نزلت بهم هي موت عبد الله بن أبي زعيمهم. وكي لا يفتح رسول الله (ص) معركة مع أتباعه فيما بعد. فصل عليه واستغفر له. وأعطاه كساءه. فعاتب الله تعالى نبيه على ذلك بقوله:{ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} (4).
وهذا الخط السياسي الذي اختاره النبي (ص) بتوجيه ربه له في
(1) التوبة / 79.
(2)
التوبة / 81.
(3)
التوبة / 108.
(4)
التوبة / 84.
عملية البناء الداخلي تحتاج الجماعة المسلمة اليوم إلى دراسة أبعاده وجوانبه وأساليبه، بحيث تستطيع أمام أي خلل في صفها أن تعالجه بتفتيت ذلك التجمع المضاد. وفضح أهدافه. وضرب مركز القوة فيه حتى لا ينساق سواد الصف معه. وأية معالجة غير هذه المعالجة تصل بالصف الإسلامي كله إلى التفجر والتشرذم والجبهات الداخلية. كذلك الصلة المستمرة بالدعاة، والتوعية التربوية والسياسية التي تشير إلى دور المغامرين والمقامرين بمصير الجماعة دون أن تتحول القضية إلى حرب شخصية أو صراعات فردية - هي صمام الأمان لسلامة خط الجماعة. وحسن سيرها إلى الهدف الذي تسعى إليه.
***