الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فارتد كثير من المسلمين.
بينما وقف في الصف المقابل، الصديق أبو بكر رضي الله عنه كالطود الشامخ في كلمته الخالدة التي حددت منهج الإيمان:(إن كان قالها فقد صدق).
و (فولله إنه ليخبرني الخبر يأتيه من السماء ساعة من ليل أو نهار فأصدق).
وفاز أبو بكر رضي الله عنه بلقب الصديق - يومها - فهو صديق هذه الأمة، وهو الذي علمنا كيف يكون التعامل مع ما يأتي من الله ورسوله، فلا مجال للرأي بعد ثبوت نقله، ولا جدال في مورد النص.
حديث المعراج
عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله (ص) حدثهم عن ليلة أسري به قال:
((بينما أنا في الحطيم - وربما قال في الحجر - مضطجعا، إذ أتاني آت فقد)) قال: وسعته يقول فشق ((ما بين هذه إلى هذه)) فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته. وسمعته يقول من قصه إلى شعرته ((فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي ثم حشي، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض)) فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه
(فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما. فسلمت فردا السلام ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت إلى إدريس، فقال: هذا إدريس فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا هارون؛ فقال: هذا هارون. فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى السماء السادسة
فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء. ففتح، فلما خلصت فإذا موسى، فقال: هذا موسى فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباء بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي، ثم صعد بي حتى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام. قال: مرحبا بالإبن الصالح، والنبي الصالح.
ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال هذه سدرة المنتهي، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذان يا جبريل. قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن، وإناء من عسل. فأخذت اللبن فقال: هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة، والله لقد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت: فوضع عني عشرا. فرجعت إلى موسى، فقال لي مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجت إلى موسى، فقال لي مثله، فرجعت: فأمر بعشر صلوات كل
يوم. فرجعت، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى سمناد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي))) (1).
(قال ابن شهاب: فأخبر ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان: قال النبي (ص): ((فعرض الله على أمتي خمسين صلاة .. ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألون لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا بها حبائل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك)) (2).
(وعن عبد الله قال: لما أسري برسول الله (ص)، انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: فراش من ذهب قال: فأعطي رسول الله (ص) ثلاثا: أعطي الصلوت الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات) (3).
(1) البخاري 7/ 162 في فضائل أصحاب النبي (ص) باب المعراج، وأخرجه مسلم عن محمد بن المثنى ورواه الترمذي والنسائي من طرق عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة.
(2)
شرح السنة للبغوي 13/ 3754 وقال: هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم من حرملة بن يحيى.
(3)
شرح السنة للبغوي 13/ 3756 وقال: هذا حديث صحيح، المقحمات: أراد الدنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار. وهو في صحيح مسلم 173 في ك. الإيمان ب. سدرة المنتهى.
(وعن الشيباني قال: سألت زرا عن قوله عز وجل {فكان قاب قوسين أو أدنى} قال: أخبرنا عبد الله أنه محمد رأى جبريل له ستمائة جناح)(1).
(وعن أنس قال: قال رسول الله (ص)((لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره)) (2).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله (ص) قال:
((لما دخلت السماء الدنيا، رأيت بها رجلا جالسا تعرض عليه أرواح بني آدم فيقول لبعضها إذا عرضت عليه خيرا، ويسر به، ويقول: روح طيبة خرجت من جسد طيب، ويقول لبعضها إذا عرضت عليه: روح خبيثة خرجت من جسد خبيث. قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك آدم، تعرض عليه أرواح ذريته .. ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما.
ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار، يطؤوهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك))، قال: ((قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء هم آكلة الربا.
(1) المصدر السابق 13/ 3757 وقال: هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم والبخاري.
(2)
المصدر السابق 13/ 3760 وقال: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم 2375 في الفضائل باب من فضائل موسى عليه السلام.
ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون السمين الطيب) قال: ((قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن.
ثم رأيت نساء معلقات بثديهن، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم)) (1).
…
1 -
لقد كان افتتاح الإسراء والمعراج بشق صدره عليه الصلاة والسلام، وبملئه بالإيمان، وغسل القلب كذلك، وهو أمر من معجزاته (ص)، تقتضيه تلك الرحلة إلى الحضرة الإلهية، والاطلاع على عوالم من عوالم الغيب. لن يستطيعها بشر، ولن يطيقها مخلوق. ومن أجل هذا هيىء قلبه عليه الصلاة والسلام، لمثل هذا المعراج، وهذا الأمر يعفينا من كثير من الخواطر حول إمكانية رؤية رسول الله لربه، والأمر كله أكبر من قياسه على العقل البشري. والطاقة البشرية الضعيفة، ومن من خلق الله تعالى أعد هذا الإعداد لمثل هذه المواجهات غير رسول الله (ص)؟
منذ طفولته وهو ابن الرابعة حين شق صدره لأول مرة، وانتزع منه العلقة السوداء، حظ الشيطان منه، وعند بعثته ليكون مهيأ لتلقي كلام رب العالمين، حيث شق صدرع وملىء قلبه بالإيمان، وهذه المرة الثالثة التي أعد للقاء مع الأنبياء والملائكة، والمثول بين يدي رب العالمين.
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 405، 406.
2 -
ثم كان افتتاح السموات العلا، واحدة إثر الأخرى بعد الاستئذان من جبريل عليه الصلاة والسلام، وإعلامهم بمصاحبة النبي (ص) له، ثم لقاؤه مع النبي المقرر اللقاء معه في هذه السماء، هو إشعار النبي (ص) أن حدوده ليست مكة وقريش وثقيف .. إنه نبي هذا الوجود كله، الذي يستبشر بقدومه ملائكة السماء وحفظتها، وينتظرون بعثته، ويتهيؤون لاستقباله، والأنبياء هم مستبشرون به، وعارفون لفضله، ومقروق بنبوته وفضله، إنه هو العبد الذي يسير بصحبة جبريل عليه الصلاة والسلام إلى أماكن لم تخطر على خلد بشر، يرى عليه الصلاة والسلام هذه الآفاق وهذا الملكوت وحدوده قبل هذه الرحلة بصرى في الشام والطائف في الحجاز.
3 -
وإذا كان جبريل عليه الصلاة والسلام هو الذي يجوب بمحمد (ص) آفاق السموات والأرض، ويقدمه للملائكة والنبيين، فلجبريل نفسه حدود لا يتجاوزها، فعند سدرة المنتهى رأى رسول الله (ص) جبريل للمرة الثالثة كذلك على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، فلئن رآه قبل في حراء وفي الأبطح. وهو الفرد العادي إنه يراه الآن، حيث يقف جبريل ويتقدم النبي (ص)، إلى المثول بين يدي الرب الأعلى، يتلقى منه مباشر دون واسطة، ودون رسول .. يسمع من ربه، ويحفل به الله تعالى، فيريه من الآيات ما لا يستطيع أحد وصفه، وتتجلى أنوار الحضرة الإلهية عليه، فأنى التفت وأنى سار يرى النور.
4 -
وفي هذا اللقاء المنفرد، شاء رب العزة من كل أحكام هذه الشريعة، أن يتلقى رسوله أمر الصلوات الخمس هناك، وكأنما الهدف من هذا اللقاء هو هذا
التلقي، وكيف كانت خمسين صلاة ابتداء.
فما أعظم هذه الصلوت في حس المسلم، حين يذكر شرفها وعظمتها أين تم تلقيها .. وواجب المسلم أن يقتدي برسول الله (ص)، فيعطي هذه الصلاة حقها، لأنها في حسه هي الصلة اليومية المفروضة بين الله تعالى وعباده.
(وأما فرض الصلاة عليه هنالك، ففيه التنبيه على فضلها، حيث لم تفرض إلا في الحضرة المقدسة، ولذلك كانت الطهارة من شأنها، ومن شرائط أدائها، والتنبيه على أنها مناجاة الرب، وأن الرب تعالى مقبل بوجهه على المصلي يناجيه يقول: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي .. إلى آخر السورة، وهذا مشاكل لفرضها عليه في السماء السابعة حيث سمع كلام الرب وناجاه ولم يعرج به حتى طهر ظاهره وباطنه بماء زمزم كما يتطهر المصلي للصلاة، وأخرج عن الدنيا بجسمه كما يخرج المصلي عن الدنيا بقلبه، ويحرم عليه كل شيء إلا مناجاة ربه، وتوجهه إلى قبلته في ذلك الحين، وهو بيت المقدس، ورفع إلى السماء، كما يرفع المصلي يديه إلى جهة السماء إشارة إلى القبلة العليا فهي البيت المعمور، وإلى جهة عرش من يناجيه ويصلي له سبحانه)(1).
وكأنما الصلاة للمؤمن معراج مصغر يتجه المؤمن بقلبه إلى الله
(1) الروض الأنف للسهيلي 159/ 2.
تعالى ويمثل بين يديه، ذكرا وتسبيحا واستغفارا وثناء على الله جل وعلا، كما كرم سيد الخلق بأن كان معراجه ومثوله بين يدي ربه بجسده الشريف وقلبه.
وإذا كان فرض الصلوات هناك، فلا بد أن يكون حس المؤمن متجها إلى هناك، إلى حيث فرضت يوم فرضت، بلا وساطة، ولا حاجب ولا حجاب.
ومن أجل هذا كان ترك الصلاة من الكبائر التي تقود إلى الكفر.
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)(1).
وما كان السلف يرون أمرا تركه كفر غير الصلاة، قال عبد الله ابن شفيق: كان أصحاب محمد (ص) لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة (2).
5 -
وما هيأه الله تعالى لنبيه (ص) من أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام على طريق عودته، ويتذاكر معه فيما فرض عليه ربه، فيلح موسى على محمد (ص) العودة إلى ربه ومناجاته، وطلب التخفيف عن أمته، وكيف كان يمضي ثم يعود، فيسقط الله تعالى عنه عشرا، وكيف وقف عند الخمس بعد ذلك، ويستحي من ربه عز وجل العودة، فيسمع نداء ربه: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، شرح السنة 2/ 180 هامش 7.
(2)
المصدر نفسه 181/ 2.
(.. وكذلك قال في آخر الحديث: ((هي خمس، وهي خمسون، والحسنة بعشر أمثالها))، فتأول رسول الله (ص)، على أنها خمسون بالفعل، فلم يزل يراجع ربه حتى بين له أنها خمسون في الثواب لا بالعمل، فإن قيل: فما معنى نقصها عشرا بعد عشر، قلنا: ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها، وقد جاء في الحديث أنه يكتب له منها ما حضر قلبه منها، وأن العبد يصلي الصلاة فيكتب له نصفها وربعها حتى انتهى إلى عشرها، ووقف، فهي خمس في حق من كتب له غشرها، وعشر في حق من كتب له أكثر من ذلك، وخمسون في حق من كملت صلاته وأداها بما يلزمه من تمام خشوعها، وكمال سجودها وركوعها) (1).
وحيث بقيت الصلاة خمسا من حيث الأداء، فلم يعد من عذر لمسلم بترك واحدة منها، وفوات صلاة واحدة من غير نسيان، ذنب لا يعادله ذنب، لأنها تخل عن مناجاة الرب جل وعلا، والوقوف والمثول بين يديه.
وحري بالمسلم، وقد سمع ما أكرم الله تعالى به نبيه حين أحضره إليه وعرض عليه عليه الصلاة والسلام، وما كان من تلك المراجعة المستمرة من أجل التخفيف عنه حتى عدت خمسا في العمل وخمسين في الثواب، حري بالمسلم وقد سمع هذا كله أن يحافظ على هذه الصلوات الخمس ويتطهر بها يوميا من ذنوبه.
(1) الروض الأنف للسهيلي 2/ 160.
((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)) (1).
هذا من حيث الأجر لمن أداها بحقها، أما من حيث الوزر لمن تخلى عنها أو فرط في حقها، فهو مطرود من الحضرة الإلهية، ومبعوث مع المجرمين العتاة الكفرة.
فيكفينا أن نرى صلاة النبي (ص) في الأنبياء في بيت المقدس، لتؤكد أن الصلاة جزء من دين الله تعالى الذي أنزل على كل نبي من أنبيائه، وليست خاصة بالمسلمين وحدهم. وقد شهدنا كيف كان موسى عليه الصلاة والسلام يشفق على أمة محمد (ص)، من أجل الصلوات الخمسين فيلح على أخيه محمد عليه الصلاة والسلام أن يطلب التخفيف من ربه، بعد أن بلا بني إسرائيل وشهد تقصيرهم، وإن كانت كيفيتها تختلف من رسالة إلى أخرى، لكنها كلها تتجه إلى الله تعالى.
فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (ص) أنه ذكر الصلاة يوما فقال: ((من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان
(1) البخاري 2/ 9 في مواقيت الصلاة ومسلم 667 في المساجد.
يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)) (1).
6 -
ورؤية رسول الله (ص) ليلة الإسراء والمعراج للزناة وأكلة الربا، وأكلة مال اليتامى هو دليل على خطر هذه الكبائر، وأنها تقود إلى النار، عصاة المؤمنين الذين يرتكبونها، فالتهاون فيها، والتفريط فيها يجعل المرء يخوض في نار جهنم خوضا ولا يدري، وقد توعد الله تعالى بالنار من يرتكب مثل هذه الجرائم:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} (2).
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح 2/ 169.
(2)
النساء 10.
(3)
الفرقان 68،69.
(4)
آل عمران 130، 131.