الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان التاريخ قد حفظ نماذج فردية من اليهود. كانوا صادقين في عهودهم. أشهرها موقف مخيريق حبر يهود الذي قتل شهيدا في خيبر، وعمرو بن سعدى. الذي فارق بني قريظة بعد نقضهم للعهد. وقال عنه عليه الصلاة والسلام: ذلك رجل نجاه الله بوفائه.
المواقف العسكرية
1 -
(عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
حاربت النضير، وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي (ص) فأمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة) (1).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقه، رماه في الأكحل. فضرب النبي (ص) خيمة في المسجد ليعوده من قريب. فلما رجع رسول الله (ص) من الخندق وضع السلاح واغتسل. فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار. فقال: قد وضعت السلاح. والله ما وضعته. أخرج إليهم. قال النبي (ص) فأين؟ فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله (ص). فنزلوا على حكمه. فرد الحكم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية. وأن تقسم أموالهم.) (2).
(1) شرح السنة للبغوي وقال: هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم (1766) في الجهاد والسير.
(2)
البخاري / ك المغازي والسير 64 / ب مرجع النبي من الأحزاب / ج 5/ ص 143 - 144.
ووقع في مسند عائشة من مسند أحمد في أثناء حديث طويل ((قال أبو سعيد. فلما طلع قال النبي (ص): قوموا إلى سيدكم فأنزلوه.
فقال عمر: السيد هو الله. قال: أنزلوه فأنزلوه. قال رسول الله (ص): ((أحكم فهيم)). قال سعد رضي الله عنه فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال رسول الله (ص):((لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى وحكم رسوله.))) (1).
3 -
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله (ص) أتى خيبر ليلا. وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح. فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم. فلما رأوه قالوا: محمد ولله، محمد والخميس. فقال النبي (ص):((خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين))) (2).
وعن بريدة الأسلمي قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد فقال رسول الله (ص) إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له. وبتنا طيبة نفوسا أن الفتح غدا. فلما أن أصبح رسول الله (ص) صلى الغداة، ثم قام قائما. فدعا باللواء والناس على مصافهم، فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء وفتح له. قال بريدة. وأنا فيمن تطاول لها (3)
(1) مسند الإمام أحمد 6 - 142.
(2)
البخاري ك/ 64/ ب/ غزوة خيبر/ ج 5/ ص 167.
(3)
مجمع الزوائد للهيثمي 6/ 150 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج مرحب اليهودي من حصنهم قد جمع سلاحه. يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
…
إذا الليوث أقبلت تلهب
كأن حماي الحمى لا يقرب
وهو يقول من يبارز. فقال رسول الله (ص)((من لهذا؟)) فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله أنا الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس. قال:((فقم إليه. اللهم أعنه عيه.))). فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة غمرته من شجر العشر. فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه كلما لاذ بها منه اقتطع بسيفه ما دونه حتى برز كل منهما لصاحبه. وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها من فنن (1) حمل مرحب على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة. فوقع سيفه فيها فعصب به فأمسكه، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله) (2).
وحاصر رسول الله (ص) أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم، وأن يحقن لهم دماءهم.
(1) الفنن: الغصن.
(2)
مجمع الزوائد 149/ 6 - 150 وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات وعند مسلم أن الذي قتله علي بن أبي طالب.
ففعل. وكان رسول الله (ص) قد حاز الأموال كلها، الشق ونطاة والكتيبة، وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله (ص) يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال. ففعل. وكان فيمن مشى بين رسول الله (ص) وبينهم محيصة بن مسعود أخو بني حارثة. فلما نزل أهل خيبر على ذلك. سألوا رسول الله (ص) أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها، فصالحهم رسول الله (ص) على النصف.
((على أننا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم.))). فصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت خيبر فيئا بين المسلمين. وكانت فدك خالصة لرسول الله (ص) لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.) (1).
…
لقد كانت نهاية بني قينقاع بعد بدر. وكانت نهاية بني النضير بعد أحد، وكانت نهاية بني قريظة بعد الخندق، وكانت نهاية بني قريظة من أسوأ النهايات. لأن غدرم كان أعظم الغدر. وكان يمثل الطبيعة اليهودية أكبر تمثيل، وكانت المعركة شوكة كبيرة للمسلمين وهزيمة ماحقة لليهود وإنهاء لوجودهم في المدينة بعد ست سنوات من التعايش القلق. وهذا ما قاله سلام بن مشكم زعيم بني النضير بعد حيي بن أخطب، والذي أقام في خيبر، وتلقى مع بقية اليهود نبأ مقتل بني قريظة صبرا بالسيف: هذا كله عمل حيي بن أخطب، لا قامت يهودية بالحجاز
(1) السيرة النبوية لابن هشام م337/ 2.
أبدا) (1). ولكن هذا الحكم العادل لم يكن غضبا لنفس أو إهانة لآدمية. فقد حرص رسول الله (ص) على أن لا يكون التشفي والثأر هو الذي يسيطر على الموقف (فلقد جابذ نباش بن قيس الذي جاء به (لقتله) حتى قاتله ودق أنفه وأرعفه. فقال (ص) للذي جاء به. لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: (أحسنوا إسارهم، وقيلوهم واسقوهم، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح) وكان يوما صائفا. فقيلوهم وسقوهم وأطعموهم. فلما أبردوا راح رسول الله (ص) فقتل من بقي منهم) (2).
…
ثم التقت كلمة اليهود جميعا النضير، وقريظة، وقينقاع الذين تبقوا في خيبر على استئصال الوجود الإسلامى، جيشوا الجيوش، وحزبوا الأحزاب، ووحدوا صفهم لحرب المسلمين، وتحالفوا مع غطفان على ذلك. لأن قريشا كانت في هدنة الحديبية.
وكان الصف الإسلامي على مستوى الأحداث. فقد عانى المسلمون من الجهد في غزوة خيبر ما لم يعانوه في معركة سابقة. فالخندق أطول المعارك الإسلامية استمرت عشرين يوما أو تزيد. والمسلمون في بيوتهم وبلدهم وحصونهم بينما هم هنا ولا يملكون من الطعام حتى التمر، وهم في أشد الحاجة يصبرون قرابة شهرين على الحرب. فلم
(1) إمتاع الأسماع للمقريزي 1/ 253.
(2)
المصدر نفسه 1/ 248.
تتم نهاية اليهود. بهذه السهولة وقد دافعوا دفاع المستميت عن وجودهم وحصونهم، وقاتلوا وصبروا. لكن المؤمنين كانوا أصبر الفريقين. وأشجع الفرقين. وما بذله أبطال المسلمين من النفس والنفيس فاق تصورات العدو. وكان البذل مشتركا من الفريقين المهاجرين والأنصار. فعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب في المبارزات الفردية. ومن أبطال الأنصار، الحباب بن المنذر ومحمد بن مسلمة، وأبو دجانة سماك بن خرشه. حطموا كل البطولات الفردية عند اليهود الذين كانوا يحسبون كل بطل من أبطالهم بألف رجل.
والقتال العام الذي كان يستمر أياما. فيضطر اليهود للانسحاب والتراجع. وقد شارك في هذا القتال الجيش كله بلا استثناء. وهذا يعني أن المسلمين لم يبخلوا في هذه المعركة بشيء من أرواحهم ودمائهم وطاقاتهم. وهي أطول معركة عجم فيها عودهم، واختبر فيها صبرهم. فكانوا على مستوى المعركة. وتبدو ضراوة المعركة وضخامتها حين نتصور المعركة مع المتحصنين وراء القلاع والحصون كما وصفهم القرآن.
{لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى
…
} (1). وكل هذه الحصون والقلاع. لم تفل من عزيمة المسلمين ولم توهن من هجومهم.
لقد كان النصر الإسلامي في خيبر من القوة والضخامة بحيث أنهى الوجود العسكري لليهود في أرض العرب. ولم ينهه لعقد أو عقدين من الزمان، أو لقرن أو قرنين من الزمان. إنما أنهاه لخمسة عشر قرنا لم
(1) سورة الحشر: من الآية 14.
يقم بعدها لليهود قائمة، ولم يرتفع لهم علم، ولم تخفق لهم راية. إلى أن كان منتصف هذا القرآن، وقامت دولة اسرائيل فوق ربى فلسطين، ولم يغب عن ذهن اليهود مرارة خيبر، وقد تجرعوا الذل والهوان فيها، وبقي الجيل بعد الجيل يرويها، ويورث سلفهم الحقد لخلفهم، ويذكره بالثأر من المسلمين. حتى كانت معركة الخامس من حزيران. التي استمرت ستة أيام. وسقطت الأرض العربية من جديد بما فيها القدس بأيدي اليهود.
وحين نقارن بين حرب الخامس من حزيران (1) وبين فتح خيبر. فليست مقارنة عرضية. بل هي مقارنة حقيقية. فقد أعلن موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي بعد أن احتل القدس، واكتسح بجيوشه الأرض العربية في سورية والأردن ومصر. قال وقد مس ثرى القدس: هذه بخيبر.
وغمر اليهود فرحة العمر بهذا الثأر. وراحوا يهتفون على ثرى الأض المباركة:
محمد مات، خلف بنات. (2).
(1) حرب الخامس من حزيران هي الحرب التي قامت عام 1967 م بين العرب واليهود وأطلق عليها حرب الأيام الستة والتي احتلت إسرائيل بها أراضي عربية جديدة من مصر والأردن وسوريا.
(راجع سقوط الجولان ص 96 - 164).
(2)
سمعت هذه المظاهرات في شريط مسجل أذاعته إذاعة فتح عقب المعركة.
وقد مثلوا الحقيقة المرة في هذا الهتاف. فلم يكن هذا الجيل وهو يحارب في فلسطين. يحمل راية لا إله إلا الله، ولم يكن يقاتل براية التوحيد التي أعلنها الرسول (ص) في هذا الوجود. وعليها عاش وعليها قاتل، وعليها لقي وجه ربه .. إنما قاتل هذا الجيل لحماية الحاكمين ولإرضاء الطواغيت، ولإقامة الدولة العلمانية في فلسطين. فكان هذا الحصاد المر. لهذا الغرس المشؤوم. ولن يتحقق النصر من جديد. إلا بالعودة إلى تلك الراية. راية التوحيد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبىء اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر. يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)(1).
…
(1) رواه مسلم ك الفتن 52 /ب/ 18/ ج 4/ ص 2239/ ح 292.