المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رضاعه صلى الله عليه وسلم: - فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌أولامباحث تمهيدية

- ‌الفصل الأولمعنى السيرة النبوية وأهميتها

- ‌تعريف بالسيرة النبوية:

- ‌أهمية السيرة النبوية:

- ‌دراسة السيرة عبادة:

- ‌مصادر السيرة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا كتب السنة:

- ‌ثالثا: كتب السير والتراجم:

- ‌رابعا: كتب الدلائل والشمائل والمعجزات والخصائص:

- ‌خامسا: كتب التاريخ والأدب:

- ‌مدى عناية المسلمين بها:

- ‌وكلمة عن ابن هشام وعمله في سيرة ابن إسحاق:

- ‌السيرة النبوية خلال القرون:

- ‌الفصل الثانيالنبوة

- ‌حاجة البشر إلى الأنبياء:

- ‌حاجتهم إلى خاتم الأنبياء:

- ‌الإيمان هو الأصل والشرك طارئ:

- ‌النبوة اجتباء من الله تعالى واصطفاء:

- ‌الفصل الثالثلمحة عن‌‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌طروء الشرك عليهم:

- ‌عناية الإسلام بسد ذرائع الشرك:

- ‌الفصل الرابعنبذة عن حياة العرب

- ‌أصول العرب:

- ‌ العرب البائدة:

- ‌ العرب العاربة:

- ‌ العرب العدنانية:

- ‌الحالة الدينية:

- ‌الطواغيت:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌ الملك باليمن:

- ‌الملك بالحيرة

- ‌الملك بالشام:

- ‌الإمارة بالحجاز:

- ‌الحياة الاجتماعية والخلقية:

- ‌الحالة الاقتصادية:

- ‌الحالة الخلقية:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌الفصل الخامساختياره من بيت شرف ونسب

- ‌الفصل السادسيتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السابععمله ب‌‌الرعيوالتجارة

- ‌الرعي

- ‌التجارة:

- ‌الفصل الثامنحفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة

- ‌لقاؤه مع بحيرا الراهب:

- ‌أمره بستر عورته:

- ‌أمر الجاهلية:

- ‌وقوفه بعرفات:

- ‌الفصل التاسعمشاركته في أحداث قومه

- ‌حضوره حرب الفجار

- ‌شهوده حلف الفضول:

- ‌بناء الكعبة والتحكيم:

- ‌الفصل العاشرزواجه من خديجة

- ‌العهد المكي للدعوة

- ‌الفصل الحادي عشرالوحي

- ‌الفصل الثاني عشرمراحل الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشرمن أسلوب المخالفين في مواجهة الدعوة

- ‌أولا: التشويه:

- ‌ثانيا: التهديد:

- ‌ثالثا: التعذيب:

- ‌رابعا: الترغيب:

- ‌ المال:

- ‌ الجاه:

- ‌ النساء:

- ‌خامسا: التعجيز:

- ‌سادسا: الاغتيال:

- ‌سابعا: المقاطعة:

- ‌الفصل الرابع عشرسنة الله تعالى في الابتلاء

- ‌ تزكية الفرد:

- ‌ نفي الخبث عن الدعوة:

- ‌ الدعاية لها:

- ‌ جذب بعض العناصر القوية إليها:

- ‌وجوب الصبر على الابتلاء

- ‌الفصل الخامس عشرالاستفادة من قيم الجاهلية

- ‌الفصل السادس عشروطن الداعية حيث مصلحة الدعوة

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌قريش تحاول إعادة المهاجرين إليها:

- ‌تخطيط ذكي جديد:

- ‌مؤامرة جديدة تتحطم:

- ‌ثانيا: عرض رسول الله (ص) نفسه على ثقيف

- ‌ثالثا: عرض نفسه على القبائل

- ‌بنو شيبان:

- ‌الفصل السابع عشرالإسراء والمعراج ودلالتهما

- ‌حديث الإسراء

- ‌حديث المعراج

- ‌الفصل الثامن عشرالهجرة إلى المدينة

- ‌أولا: أسبابها:

- ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

- ‌ تهيئة الركب:

- ‌ شراء البعيرين وعلفهما:

- ‌ جاء في نحر الظهيرة:

- ‌ مجيئه مقنعا:

- ‌ الأمر بإخراج الناس من البيت:

- ‌ تهيئة الزاد:

- ‌ الخروج من خوخة أبي بكر:

- ‌ كتمان الأمر:

- ‌ الخروج إلى الغار:

- ‌ عبد الله يتلقط الأخبار:

- ‌ عامر بن فهيرة يعفو على الأثر:

- ‌ ابن فهيرة وغنمه للزاد كذ

- ‌ رسول الله (ص) لا يبيت على فراشه:

- ‌ مبيت علي رضي الله عنه في الفراش:

- ‌ اختيار الدليل المناسب:

- ‌ اختيار طريق الساحل:

- ‌ الهادي على الطريق:

- ‌ حيلة أسماء في المال:

- ‌أهمية الهجرة في تاريخ الدعوة:

- ‌ثالثا: دور الشباب والمرأة في الهجرة:

- ‌العهد المدني للدعوة

- ‌الفصل التاسع عشرتنظيم المجتمع النبوي

- ‌أولا: بناء المسجد:

- ‌ثانيا: المؤاخاة:

- ‌ثالثا: وثيقة المدينة (الدستور الإسلامي):

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌ دستور الدولة الإسلامية الجديدة

- ‌ الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:

- ‌ الباب الثاني: حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة المسلمة

- ‌ الباب الثالث: أحكام عامة للمواطنين عامة:

- ‌الفصل العشرونالإذن في الجهاد

- ‌أولا: مرحلة كف اليد:

- ‌ثانيا: الإذن في الجهاد:

- ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

- ‌الفصل الحادي والعشرونأهم السرايا والغزوات

- ‌أولا: الإحصاء الإجمالي:

- ‌ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:

- ‌الفصل الثاني والعشرونغزوة بدر

- ‌أولا: أسباب الغزوة وأهدافها:

- ‌ثانيا: الاستشارة التي غيرت وجه المعركة:

- ‌ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:

- ‌رابعا: من أحداث الغزوة:

- ‌خامسا: أهمية الغزوة:

- ‌سادسا: آثارها:

- ‌الفصل الثالث والعشرونغزوة أحد

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌قوانين النصر والهزيمة:

- ‌التمحيص في أحد:

- ‌النماذج الإيمانية الرائعة:

- ‌القيادة النبوية العظيمة:

- ‌آثار المعركة:

- ‌ من حيث موقف المسلمين في المدينة:

- ‌ من حيث جرأة العرب على المؤمنين:

- ‌ من حيث الموقف مع قريش:

- ‌كيف عالج القرآن أثر المحنة

- ‌الفصل الرابع والعشرونغزوة الخندق

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌الفصل الخامس والعشرونغزوة الحديبية

- ‌أحداث الحديبية:

- ‌الفصل السادس والعشرونغزوة خيبر

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل السابع والعشرونغزوة مؤتة

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثامن والعشرونفتح مكة

- ‌ أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل التاسع والعشرونغزوة حنين

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثلاثونغزوة تبوك

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الحادي والثلاثونمواقف المنافقين من الدعوة

- ‌ النفاق في مكة:

- ‌ بداية التجمع:

- ‌ دورهم في غزوة بني قينقاع:

- ‌ دورهم في غزوة أحد

- ‌ تآمرهم مع بني النضير

- ‌ المنافقون يوم الأحزاب

- ‌ الفريق الأول:

- ‌ الفريق الثاني:

- ‌ الفريق الثالث:

- ‌ المنافقون يوم بني المصطلق

- ‌ بعد الحديبية وفتح مكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثونمواقف اليهود من الدعاة

- ‌ الموقف الديني:

- ‌ المواقف السياسية

- ‌المواقف العسكرية

- ‌الفصل الثالث والثلاثونأزواج النبي (ص)

- ‌المرحلة الأولى: حتى الخامسة والعشرين:

- ‌ عنف صبوة الشباب وتأجج العاطفة

- ‌المرحلة الثانية: حتى الخمسين من عمره

- ‌ زواجه من خديجة رضي الله عنها

- ‌المرحلة الثالثة: حتى الخامسة والخمسون من العمر

- ‌ الزواج بعائشة وسودة

- ‌المرحلة الرابعة: من الخامسة والخمسين حتى الستين

- ‌بقية نسائه

- ‌(أ) حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌(ب) زينب بنت خزيمة

- ‌(ج) أم سلمة:

- ‌(د) زينب بنت جحش:

- ‌(هـ) أم حبيبة بنت أبي سفيان

- ‌(و) جويرية بنت الحارث:

- ‌(ز) ريحانة بنت زيد:

- ‌(ح) صفية بنت حيي:

- ‌(ط) مارية القبطية:

- ‌(ي) ميمونة بنت الحارث:

- ‌المرحلة الخامسة: من الستين إلى الثالثة والستين

- ‌لم يتزوج فيها رسول الله

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الرابع والثلاثونعالمية الدعوة: أدلتها ومظاهرها من السيرة

- ‌ كتب رسول الله (ص) إلى كل ملوك الأرض

- ‌ كتاب هرقل عظيم الروم:

- ‌ كتاب كسرى عظيم الفرس

- ‌ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ بقية الكتب:

- ‌الفصل الخامس والثلاثونأخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب محبته ومن لوازم محبته اتباعه:

- ‌نماذج من تربيته (ص) لأصحابه:

- ‌الفصل السادس والثلاثونوفاته صلى الله عليه وسلم. وبيعة الصديق

- ‌قبل أربعة أيام: يوم الخميس:

- ‌قبل ثلاثة أيام: يوم الجمعة:

- ‌قبل يوم واحد:

- ‌آخر يوم من الحياة:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌جهاز رسول الله (ص) ودفنه

- ‌تكفين رسول الله:

- ‌حفر القبر:

- ‌الصلاة على رسول الله ثم دفنه:

- ‌الفصل السابع والثلاثونبيعة الصديق وحروب الردة

- ‌الانقلاب على العقب:

- ‌إنفاذ جيش أسامة:

- ‌مانعو الزكاة:

- ‌ الكتاب الذي وجهه الصديق إلى هؤلاء المردة المرتدين

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌المحتوى

الفصل: ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت ورسول الله ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة. كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم. فماتت وهي راجعة به إلى مكة) (1).

وعن خالد بن معدان الكلاعي:

(أن نفرا من أصحاب رسول الله قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك؟ قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، واسترضعت في بني سعد بن بكر» (2).

‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدية التي أرضعته قالت: (خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء (3) قد أذمت بالركب. قال: وخرجنا في سنة شهباء (4) لم تبق شيئا ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، ومعنا شارف (5) لنا والله إن يبض (6) علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي إن ننام (7) ليلتنا مع بكائه ما في ثديي ما

(1) السيرة النبويه لابن هشام 1/ 168.

(2)

المصدر نفسه 1/ 160. وفي الجامع الصغير: أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى ابن مريم وصححه الألباني.

(3)

قمراء: بيضاء كلون القمر. وأذمت بالركب: أعيت وتأخرت عن جماعة الإبل.

(4)

شهباء: كناية عن العام المجدب.

(5)

شارف: ناقة مسنة هرمة.

(6)

إن تبض بقطرة لبن: ما تسيل بقطرة.

(7)

إن ننام ليلتنا: ما ننام ليلتنا.

ص: 78

يمصه وما في شارفنا من لبن نغذوه إلا أنا نرجو. فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعه من والد المولود. وكان يتيما فكنا نقول: ما عسى أن تصنع أمه. حتى لم يبق من صواحب امرأة إلا أخذت صبيا غيري، وكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا، وقد أخذ صواحبي فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك فلآخذنه. قالت: فأتيته فأخذته فرجعته إلى رحلي. فقال زوجي: قد أخذتيه. فقلت: نعم والله ذاك أني لم أجد غيره. قال: قد أصبت فعسى الله أن يجعل فيه خيرا. فقالت: والله ما هو إلا أن جعلته في حجري. قالت: فأقبل عليه ثديي بما شاء من اللبن. قالت: فشرب حتى روي، وشرب أخوه- تعني ابنها- حتى روي، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل، فإذا هي حافل فحلبت لنا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت، فبتنا ليلتنا تلك بخير شباعا رواء وقد نام صبينا. قال: يقول أبوه:- يعني زوحها-:

والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة قد نام صبينا وروي.

قالت: ثم خرجنا- فوالله لخرجت أتاني (1) أمام الركب قد قطعته حتى ما يبلغونها حتى أنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث كفي علينا. أليس هذه بأتانك التي خرجت عليها فأقول: بلى والله وهي قدامنا حتى قدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر. فقدمنا على أجدب أرض الله. فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي بطانا (2) لبنا حفلا (3)، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن. قالت:

(1) أتاني: حمارتي.

(2)

بطانا: شباعا.

(3)

حفلا: مملوءة أضراعها لبنا.

ص: 79

فشربنا ما شئنا من لبن. وما في الحاضر أحد يحلب قطرة ولا يجدها، فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة، فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه رأعينا.

قالت: وكان صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة. فبلغ ستا وهو غلام جفر (1). قال: فقدمنا أمه، فقلنا لها: وقال لها أبوه: لو تركت بني عندي حتى يغلظ. فإنا نخشى عليه وباء مكة. قالت: ونحن أضن بشأنه لما رأينا من بركته، فلم نزل بها حتى قالت: ارجعا به، فرجعنا به، فمكث عندنا شهرين. قال: فبينا هو يلعب وأخوه يوما خلف البيوت يرعيان بهما لنا إذ جاءنا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي. قد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه. فخرجنا نحوه نشتد، فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه، فاعتنقه أبوه واعتنقته. ثم قلنا: ما لك أي بني. قال:

أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني، فوالله ما أدري ما صنعا. قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت: يقول أبوه: والله يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت: فقلت: لا والله إنا كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه، ثم تخوفت الأحداث عليه. فقلت: يكون في أهله. قالت: فقالت أمه: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره. قالت: فوالله ما نالت بنا حتى أخبرناها خبره فقالت:

(1) جفر: الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل. وستا هنا- والله أعلم- المقصود ستة أشهر، وإن كانت في رواية ابن هشام فلم يبلغ سنتين.

ص: 80

فتخوفتما عليه؛ كلا والله إن لابني هذا لشأنا، ألا أخبركما عنه! إني حملت به فلم أر حملا كان أخف ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعا يده بالأرض، رافعا رأسه إلى السماء، دعاه والحقا بشأنكما) (1).

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا أعربكم، أنا قرشي واسعترضعت في بني سعد بن بكر» .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه (2)، ثم أعاده إلى مكانه وجاء الغلمان يسمعون إلى أمه (يعنى ظئره) (3) فقالوا: إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقغ اللون (4) قال أنس: كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره) (5).

وعن كندي بن سعد عن أبيه قال:

(1) رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه ورجالهما ثقات .. وانظر مجمع الزوائد 8/ 220، 221. وهو عند ابن هشام في السيرة 1/ 162 - 165.

(2)

لأمه: ضمه بعضه إلى بعض.

(3)

ظئره: مرضعته.

(4)

منتقع لونه: متغير لونه.

(5)

رواه مسلم ك. الإيمان 1/ 74/ 261.

ص: 81

(حججت في الجاهلية، فإذا رجل يطوف في البيت وهو يرتجز ويقول:

رب رد راكبي محمدا

رده لي واصطنع عندي يدا

قلت: من هذا يعني. قال: عبد المطلب بن هاشم ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها فاحتبس عليه، ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها. قال: فما برحت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء بالإبل. فقال: يا بني: لقد حزنت عليك كالمرأة حزنا لا يفارقني أبدا) (1).

«وعن أم أيمن قالت: (كنت أحضن النبي صلى الله عليه وسلم (أي أقوم بتربيته) فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسي يقول: يا بركة. قلت: لبيك. قال: أتدرين أين وجدت ابني؟ قلت: لا أدري. قالت: وجدته مع غلمان قريبا من السدرة، لا تغفلي عن ابني فإن أهل الكتاب ومنهم سيف بن ذي يزن (1) يزعمون أنه نبي هذه الأمة، وأنا لا آمن عليه منهم. وكان لا يأكل- يعني عبد المطلب- طعاما إلا يقول: علي بابني فأحضروه. وكان عبد المطلب إذا أتى بطعام أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، وربما أقعده على فخذه، فيؤثره بأطيب طعامه) (2).

(قال ابن إسحاق: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون

(1) مجمع الزوائد 8/ 224 وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي والطبراني وإسناده حسن.

(2)

السيرة الحلبية 1/ 180.

ص: 82

حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب: إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني فوالله إن له لشأنا، ثم يجلس معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه ويصنع) (1).

(قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم وذلك بعد الفيل بثمان سنين)(2).

(وقد قيل له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أتذكر موت عبد المطلب؟ قال:: ((نعم: وأنا يومئذ ابن ثمان سنين)) (3).

(وعن أم أيمن أنها كانت تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكي خلف سرير عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين)(4).

(وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ونظر إلى تلك الدار- التي نزل بها مع أمه- عرفها وقال: (ها هنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار)) (5).

(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 168.

(2)

المصدر نفسه 1/ 169.

(3)

السيرة الحلبية 1/ 184.

(4)

سبل الهدى والرشاد للصالحي 2/ 183.

(5)

السيرة الحلبية 1/ 82.

ص: 83

ومن فقه طفولته ويتمه في هذه المرحلة نلحظ ما يلي:

1 -

شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم يتيما، حتى لا تتدخل يد بشرية في تربيته وتوجيهه كما قال الله تعالى لموسى {واصطنعتك لنفسي ..} (1){.. ولتصنع على عيني} (2) فيكون الله تعالى هو الذي يتولى تربيته، ولا يتلقى أو يتلقن من مفاهيم الجاهلية وأعرافها شيئا، إنما يتلقى من لدن الحكيم الخبير.

2 -

وحتى يكون من أفصح الخلق، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما رأيت أفصح منك. فقال:: ((وما يمنعني، وأنا من قريش وأرضعت من بني سعد)) (3)، هيأ الله تعالى له تلك الرضاعة ليحمل إلى البشرية أفصح كتاب في أنصع بيان، واحتاج موسى عليه الصلاة والسلام وهارون وزيرا له ليبلغ الدعوة عنه {وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون} (4).

3 -

وهناك في الصحراء حيث فصاحة اللسان، وسلامة الجسد وعافيته من وباء المدينة، كان كذلك شق صدره عليه الصلاة والسلام وإخراح العلقة السوداء منه وهي حظ الشيطان منه، ليكون ربانيا خالصا لله سبحانه، فلا أثر لشيطان جن أو شيطان إنس عليه، ويمثل مجامع الحمد في هذا الوجود.

(1) سورة طه: 41.

(2)

سورة طه من الآية 39.

(3)

الروض الأنف للسهيلي 1/ 188.

(4)

القصص: 34.

ص: 84

4 -

وعاد إلى مكة وقد خلص من حظ الشيطان لينعم بجوار والدته قرابة سنتين، فيلقى حنان الأم ويعاني بعدها فقدان هذا الحنان، ويشهد وفاة

أمه في الصحراء حيث يشهد يتما جديدا. وتحتضنه أم أيمن لقد أحسن عليه الصلاة والسلام بمرارة اليتم ذكرى بالنسبة للأب، لكن معاناة بالنسبة للأم، وبكى لفقدان أمه، ثم بكى لفقدان جده، كما شهدته الحاضنة الرؤوم أم أيمن، وبذلك يحس واقعا لا حديثا بآلام اليتامى وأنات المعذبين، فيكون أبا لكل يتيم في هذا الوجود، ويقول كلمته الخالدة:: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)) (1).

5 -

ولقد من الله تعالى على نبيه بهذا الفضل: {

ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى} (2) وذلك وحد أن كرمه بأعظم ما يكربم به مخلوق {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (3).

إنه ابتداء يتيم الأب والأم، فالله تعالى هو الذي آواه، وسخر له جده وعمه لتهيئة الجانب المادي، بينما كانت التربية النفسية الخلقية والفكرية تعهدا ربانيا، ورعاية إلهية، حتى ليشق بطنه، ويغسل بالثلج وماء زمزم بعد نزع حظ الشيطان منه بيد جبريل عليه الصلاة والسلام، وقد وجده الله ضالا فهداه. أو عندما ضل ولقيه ورقة بن نوفل آخذا بغصن شجرة. أو يوم بعثه جده ليحضر الإبل المفقودة وتأخر عنه.

أما الجوع والفاقة:

(1) أحمد والبخاري. انظر البخاري 9/ 389 في الطلاق وفي الأدب.

(2)

سورة الضحى: 6 - 8.

(3)

سورة الضحى: 5.

ص: 85

(وذكر كون النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه يكلؤه ويحفظه فمن حفظ الله له في ذلك أنه كان يتيما ليس له أب يرحمه، ولا أم ترأمه (1) لأنها ماتت وهو صغير، وكان عيال أبى طالب ضففا (2)، وعيشهم شظفا (3). فكان يوضع الطعام له وللصبية من أولاد أبي طالب، فيتطاولون إليه، ويتقاصر هو، وتمتد أيديهم، وتنقبض يده تكرما منه لاستحياء ونزاهة نفس، وقناعة قلب، فيصبحون غمصا رمصا (4) مصفرة ألوانهم، ويصبح هو- عليه السلام صقيلا دهينا كأنه في أنعم عيش، وأعز كفاية لطفا من الله- عز وجل به، كذلك ذكره القتيبي في غريب الحديث) (5).

وشاء الله تعالى لعبده وأحب خلقه إليه اليتم والفقر ليكون على يديه فيما بعد هداية الإنسانية وشفائها من آلامها المادية كاليتم والفقر، والمعنوية التي تتمثل بالضلال والتيه. ولهذا كان التوجيه الرباني له على ضوء عطائه له.

{فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث} (6) والدعاة الذين لم يعانوا من هذه الآلام والهموم والمحن، غير

(1) ترأمه: تلحظه بعين العطف.

(2)

الضفف: الكثرة.

(3)

الشظف: الظيق.

(4)

غمصا رمصا: عيونهم تسيل من الوسخ والألم.

(5)

الروض الأنف للسهيلي 1/ 192.

(6)

سورة الضحى: 9 - 11.

ص: 86

قادرين على فهمها والإحساس فيها بله معالجتها عندما يملكون ناصية المعالجة.

6 -

وفي طفولة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن ننسى تلك البركة التي رافقته منذ المهد. فقد اعشوشبت الأرض، وحفلت أضراع الناقة باللبن، وقويت الأتان، ودر ثدي حليمة رضي الله عنها بعد أن كان ما يبض بقطرة، وكان جده يعرف ذلك منه، وعمه يعرف ذلك منه، وقومه يعرفون ذلك منه.

وعندما استسقى عبد المطلب لقومه أخذ بيد ابنه محمد صلى الله عليه وسلم معه (1)، وعندما استسقى أبو طالب لقريش (أخذه فألصق ظهره بالكعبة ولاذ أي طاف بإصبعه الغلام .. فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدودق، وانفجر له الوادي .. وفي ذلك يقول أبو طالب من قصيدة يمدح بها النبى صلى الله عليه وسلم:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل (2)

والبركة فيض رباني يعطيه الله تعالى لمن أحب من خلقه وكان على طاعته {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (3).

(1) الروض الأنف للسهيلي 2/ 28، وقد رواه البستي عن رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم.

(2)

السيرة الحلبية 1/ 190، وعن عائشة رضي الله عنه أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر رضي الله عنه ينصت:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

فقال أبو بكر رضي الله عنه: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر مجمع الزوائد 8/ 272 وقال الهيثمي فيه: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات.

(3)

سورة الأعراف 3/ 96.

ص: 87