الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع والعشرون
غزوة الخندق
أسباب الغزوة:
(أ) وسببها أن النبي (ص) لما أجل بني النضير، وساروا إلى خيبر وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليس لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير. فخرج نفر من اليهود (منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير، ونفر بن وائل. وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله (ص)، خرجوا حتى قدمو على قريش مكة فدعوهم إلى حرب رسول الله (ص) وقال: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد. أفديننا خير من دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم:{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} إلى قوله تعالى: {.. وكفى يجهنم سعيرا} (1).
(1) النساء 51 - 55.
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله (ص) فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله (ص)، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه) (1).
(ب) ثم إن قريشا تجهزت، وسيرت تدعو العرب إلى نصرها، وألبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة - وأسلم بعد ذلك - وقادوا ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير.
ولاقتهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس.
وخرجت بنو أسد بن خزيمة وقائدها طلحة بن خويلد الأسدي (وأسلم بعد ذلك).
وخرجت بنو فزارة وأوعبت وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن (وأسلم بعد ذلك).
وخرجت أشجع وقائدها مسعود بن رخيلة (وأسلم بعد ذلك) وهم أربعمائة.
(1) حديث الخندق عن ابن إسحاق عن (يزيد بن رومان، وعبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد ابن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمرو، وعبد الله بن أبي بكر) وكلهم عدول ثقات.
وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف المري (وأسلم بعد ذلك)(1).
وكان القوم الذي وافوا الخندق من قريش وأسد وسليم وغطفان عشرة آلاف، وعناج الأمر إلى أبي سفيان.
(ج) وأما ما كان من أمر رسول الله (ص) فإن خزاعة عندما تهيأت قريش للخروج أتى ركبهم رسول الله (ص) في أربع ليال حتى أخبروه، فندب الناس، وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم في أمرهم، أيبرز من المدينة أم يكون فيها، ويحاربهم عليها وفي طرقها؟ فأشار سلمان رضي الله عنه بالخندق، وقال: يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فأعجبهم ذلك، وأحبوا الثبات في المدينة، وأمرهم رسول الله بالجد ووعدهم النصر، إذا هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة، ولم تكن العرب تخندق عليها.
وركب فرسا له ومعه عدة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فارتاد موضعا ينزله، فكان أعجب المنانل إليه أن يجعل سلعا الجبل خلف ظهره. ويخندق من المزاد إلى ذباب إلى رابخ فعمل يومئذ في الخندق، وندب الناس، وخبرهم بدنو عدوهم، وعسكرهم إلى سفح سلع، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم العدو إليهم،
واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرازين ومكاتل للحفر،
(1) سبل الهدى والرشاد للصالحي 4/ 514.
ووكل رسول الله (ص) بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه فكان المهاجرون يحفرون من ناحية رابخ إلى ذباب، وكانت الأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل أبي عبيدة) (1).
(د) ووقع في أيام الخندق معجزات باهرة من علامات نبوته (ص) كحديث الكدية (2)، وهي قطع الجبل التي اعترضت لهم في حفر الخندق. فلم يعمل فيها المعاول وأعيت فيها الحيل، فأخذ رسول الله (ص) المعول وسمى الله وضربها فانهالت كالكثيب (3). وكحديث أبي طلحة حيث بعث إنسانا بأقراص من شعير تحت إبطه، ففتها رسول الله (ص) وأطعم منها ثمانين. وكحديث جابر حث دعا النبي (ص) خامس خمسة على صاع من شعير وعناق (4) ذبحها لهم. كما رأى النبي (ص) قد ربط حجرا على بطنه من الجوع. فبصق رسول الله (ص) في البرمة (5) وفي العجين (ونادى يا أهل الخندق) وكانوا ألفا، على ما بهم من الجوع، فأشبعهم جميعا خبزا وثريدا ولحما. قال جابر: فأقسم بالله ولقد انصرفوا وإن برمتنا لتغط (6) كما هي. وإن عجينتنا لتخبز (7). وكقوله (ص) لما
(1) سبل الهدى والرشاد للصالحي 4/ 513 - 515.
(2)
الكدية: الحجر الضخم الصلد.
(3)
الكثيب: التل من الرمل، والحديث في البخاري ك. 64 ب. 29 ج 5 ص 138.
(4)
غناق: الأنثى من أولاد المعز.
(5)
البرمة: قدر من حجارة.
(6)
تغط: يشتد غليانها كما هي.
(7)
في البخاري ك. 64 ب. غزوة الخندق 29 ج 5 ص 139.