المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحداث الغزوة: - فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌أولامباحث تمهيدية

- ‌الفصل الأولمعنى السيرة النبوية وأهميتها

- ‌تعريف بالسيرة النبوية:

- ‌أهمية السيرة النبوية:

- ‌دراسة السيرة عبادة:

- ‌مصادر السيرة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا كتب السنة:

- ‌ثالثا: كتب السير والتراجم:

- ‌رابعا: كتب الدلائل والشمائل والمعجزات والخصائص:

- ‌خامسا: كتب التاريخ والأدب:

- ‌مدى عناية المسلمين بها:

- ‌وكلمة عن ابن هشام وعمله في سيرة ابن إسحاق:

- ‌السيرة النبوية خلال القرون:

- ‌الفصل الثانيالنبوة

- ‌حاجة البشر إلى الأنبياء:

- ‌حاجتهم إلى خاتم الأنبياء:

- ‌الإيمان هو الأصل والشرك طارئ:

- ‌النبوة اجتباء من الله تعالى واصطفاء:

- ‌الفصل الثالثلمحة عن‌‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌ أصل العرب وعقيدتهم

- ‌طروء الشرك عليهم:

- ‌عناية الإسلام بسد ذرائع الشرك:

- ‌الفصل الرابعنبذة عن حياة العرب

- ‌أصول العرب:

- ‌ العرب البائدة:

- ‌ العرب العاربة:

- ‌ العرب العدنانية:

- ‌الحالة الدينية:

- ‌الطواغيت:

- ‌الحالة السياسية:

- ‌ الملك باليمن:

- ‌الملك بالحيرة

- ‌الملك بالشام:

- ‌الإمارة بالحجاز:

- ‌الحياة الاجتماعية والخلقية:

- ‌الحالة الاقتصادية:

- ‌الحالة الخلقية:

- ‌محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

- ‌الفصل الخامساختياره من بيت شرف ونسب

- ‌الفصل السادسيتم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رضاعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل السابععمله ب‌‌الرعيوالتجارة

- ‌الرعي

- ‌التجارة:

- ‌الفصل الثامنحفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة

- ‌لقاؤه مع بحيرا الراهب:

- ‌أمره بستر عورته:

- ‌أمر الجاهلية:

- ‌وقوفه بعرفات:

- ‌الفصل التاسعمشاركته في أحداث قومه

- ‌حضوره حرب الفجار

- ‌شهوده حلف الفضول:

- ‌بناء الكعبة والتحكيم:

- ‌الفصل العاشرزواجه من خديجة

- ‌العهد المكي للدعوة

- ‌الفصل الحادي عشرالوحي

- ‌الفصل الثاني عشرمراحل الدعوة

- ‌الفصل الثالث عشرمن أسلوب المخالفين في مواجهة الدعوة

- ‌أولا: التشويه:

- ‌ثانيا: التهديد:

- ‌ثالثا: التعذيب:

- ‌رابعا: الترغيب:

- ‌ المال:

- ‌ الجاه:

- ‌ النساء:

- ‌خامسا: التعجيز:

- ‌سادسا: الاغتيال:

- ‌سابعا: المقاطعة:

- ‌الفصل الرابع عشرسنة الله تعالى في الابتلاء

- ‌ تزكية الفرد:

- ‌ نفي الخبث عن الدعوة:

- ‌ الدعاية لها:

- ‌ جذب بعض العناصر القوية إليها:

- ‌وجوب الصبر على الابتلاء

- ‌الفصل الخامس عشرالاستفادة من قيم الجاهلية

- ‌الفصل السادس عشروطن الداعية حيث مصلحة الدعوة

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌قريش تحاول إعادة المهاجرين إليها:

- ‌تخطيط ذكي جديد:

- ‌مؤامرة جديدة تتحطم:

- ‌ثانيا: عرض رسول الله (ص) نفسه على ثقيف

- ‌ثالثا: عرض نفسه على القبائل

- ‌بنو شيبان:

- ‌الفصل السابع عشرالإسراء والمعراج ودلالتهما

- ‌حديث الإسراء

- ‌حديث المعراج

- ‌الفصل الثامن عشرالهجرة إلى المدينة

- ‌أولا: أسبابها:

- ‌ثانيا: التخطيط لها وأهميتها في تاريخ الدعوة:

- ‌ تهيئة الركب:

- ‌ شراء البعيرين وعلفهما:

- ‌ جاء في نحر الظهيرة:

- ‌ مجيئه مقنعا:

- ‌ الأمر بإخراج الناس من البيت:

- ‌ تهيئة الزاد:

- ‌ الخروج من خوخة أبي بكر:

- ‌ كتمان الأمر:

- ‌ الخروج إلى الغار:

- ‌ عبد الله يتلقط الأخبار:

- ‌ عامر بن فهيرة يعفو على الأثر:

- ‌ ابن فهيرة وغنمه للزاد كذ

- ‌ رسول الله (ص) لا يبيت على فراشه:

- ‌ مبيت علي رضي الله عنه في الفراش:

- ‌ اختيار الدليل المناسب:

- ‌ اختيار طريق الساحل:

- ‌ الهادي على الطريق:

- ‌ حيلة أسماء في المال:

- ‌أهمية الهجرة في تاريخ الدعوة:

- ‌ثالثا: دور الشباب والمرأة في الهجرة:

- ‌العهد المدني للدعوة

- ‌الفصل التاسع عشرتنظيم المجتمع النبوي

- ‌أولا: بناء المسجد:

- ‌ثانيا: المؤاخاة:

- ‌ثالثا: وثيقة المدينة (الدستور الإسلامي):

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌ دستور الدولة الإسلامية الجديدة

- ‌ الباب الأول: حقوق وواجبات المسلمين في الدولة المسلمة:

- ‌ الباب الثاني: حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة المسلمة

- ‌ الباب الثالث: أحكام عامة للمواطنين عامة:

- ‌الفصل العشرونالإذن في الجهاد

- ‌أولا: مرحلة كف اليد:

- ‌ثانيا: الإذن في الجهاد:

- ‌ثالثا: أهمية الجهاد في الإسلام:

- ‌الفصل الحادي والعشرونأهم السرايا والغزوات

- ‌أولا: الإحصاء الإجمالي:

- ‌ثانيا: سرية عبد الله بن جحش:

- ‌الفصل الثاني والعشرونغزوة بدر

- ‌أولا: أسباب الغزوة وأهدافها:

- ‌ثانيا: الاستشارة التي غيرت وجه المعركة:

- ‌ثالثا: استقصاء المعلومات عن العدو:

- ‌رابعا: من أحداث الغزوة:

- ‌خامسا: أهمية الغزوة:

- ‌سادسا: آثارها:

- ‌الفصل الثالث والعشرونغزوة أحد

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌قوانين النصر والهزيمة:

- ‌التمحيص في أحد:

- ‌النماذج الإيمانية الرائعة:

- ‌القيادة النبوية العظيمة:

- ‌آثار المعركة:

- ‌ من حيث موقف المسلمين في المدينة:

- ‌ من حيث جرأة العرب على المؤمنين:

- ‌ من حيث الموقف مع قريش:

- ‌كيف عالج القرآن أثر المحنة

- ‌الفصل الرابع والعشرونغزوة الخندق

- ‌أسباب الغزوة:

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌الفصل الخامس والعشرونغزوة الحديبية

- ‌أحداث الحديبية:

- ‌الفصل السادس والعشرونغزوة خيبر

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل السابع والعشرونغزوة مؤتة

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثامن والعشرونفتح مكة

- ‌ أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل التاسع والعشرونغزوة حنين

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الثلاثونغزوة تبوك

- ‌أحداث الغزوة:

- ‌من فقه الغزوة:

- ‌الفصل الحادي والثلاثونمواقف المنافقين من الدعوة

- ‌ النفاق في مكة:

- ‌ بداية التجمع:

- ‌ دورهم في غزوة بني قينقاع:

- ‌ دورهم في غزوة أحد

- ‌ تآمرهم مع بني النضير

- ‌ المنافقون يوم الأحزاب

- ‌ الفريق الأول:

- ‌ الفريق الثاني:

- ‌ الفريق الثالث:

- ‌ المنافقون يوم بني المصطلق

- ‌ بعد الحديبية وفتح مكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثونمواقف اليهود من الدعاة

- ‌ الموقف الديني:

- ‌ المواقف السياسية

- ‌المواقف العسكرية

- ‌الفصل الثالث والثلاثونأزواج النبي (ص)

- ‌المرحلة الأولى: حتى الخامسة والعشرين:

- ‌ عنف صبوة الشباب وتأجج العاطفة

- ‌المرحلة الثانية: حتى الخمسين من عمره

- ‌ زواجه من خديجة رضي الله عنها

- ‌المرحلة الثالثة: حتى الخامسة والخمسون من العمر

- ‌ الزواج بعائشة وسودة

- ‌المرحلة الرابعة: من الخامسة والخمسين حتى الستين

- ‌بقية نسائه

- ‌(أ) حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌(ب) زينب بنت خزيمة

- ‌(ج) أم سلمة:

- ‌(د) زينب بنت جحش:

- ‌(هـ) أم حبيبة بنت أبي سفيان

- ‌(و) جويرية بنت الحارث:

- ‌(ز) ريحانة بنت زيد:

- ‌(ح) صفية بنت حيي:

- ‌(ط) مارية القبطية:

- ‌(ي) ميمونة بنت الحارث:

- ‌المرحلة الخامسة: من الستين إلى الثالثة والستين

- ‌لم يتزوج فيها رسول الله

- ‌خاتمة

- ‌الفصل الرابع والثلاثونعالمية الدعوة: أدلتها ومظاهرها من السيرة

- ‌ كتب رسول الله (ص) إلى كل ملوك الأرض

- ‌ كتاب هرقل عظيم الروم:

- ‌ كتاب كسرى عظيم الفرس

- ‌ الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ بقية الكتب:

- ‌الفصل الخامس والثلاثونأخلاقه صلى الله عليه وسلم

- ‌وجوب محبته ومن لوازم محبته اتباعه:

- ‌نماذج من تربيته (ص) لأصحابه:

- ‌الفصل السادس والثلاثونوفاته صلى الله عليه وسلم. وبيعة الصديق

- ‌قبل أربعة أيام: يوم الخميس:

- ‌قبل ثلاثة أيام: يوم الجمعة:

- ‌قبل يوم واحد:

- ‌آخر يوم من الحياة:

- ‌اللحظات الأخيرة:

- ‌جهاز رسول الله (ص) ودفنه

- ‌تكفين رسول الله:

- ‌حفر القبر:

- ‌الصلاة على رسول الله ثم دفنه:

- ‌الفصل السابع والثلاثونبيعة الصديق وحروب الردة

- ‌الانقلاب على العقب:

- ‌إنفاذ جيش أسامة:

- ‌مانعو الزكاة:

- ‌ الكتاب الذي وجهه الصديق إلى هؤلاء المردة المرتدين

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌المحتوى

الفصل: ‌ أحداث الغزوة:

‌الفصل الثامن والعشرون

فتح مكة

أولا:‌

‌ أحداث الغزوة:

1 -

(وكان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية، ما ذكره محمد بن إسحاق: حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه جميعا قالا: كان في صلح الحديبية أن من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل. فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده. وتواثبت بنو بكر، وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم. فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء يقال له الوتير وهو قريب من مكة وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أحد. فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله (ص)، وأن عمرو بن سالم ركب عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم على رسول الله (ص) يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله (ص) أنشدها إياه:

ص: 549

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا (1)

قد كنتموا ولدا وكنا والدا

ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصرا أبدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيم خسفا وجهه تربدا (2)

في فيلق كالبحر تجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

فهم أذل وأقل عددا

هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فقال رسول الله (ص): ((نصرت يا عمرو بن سالم)) فما برح حتى مرت بنا عنانة في السماء. فقال رسول الله (ص): ((إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب)) وأمر رسول الله (ص) الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم) (3).

2 -

(ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله (ص) المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله (ص) طوته عته، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله (ص) وأنت

(1) الأتلد: القديم.

(2)

تربد: تغير من الغضب.

(3)

البداية والنهاية لابن كثير 4/ 310 ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.

ص: 550

رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله (ص)، قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر) (1).

3 -

(فبلغ ذلك قريشا، فقالوا لأبي سفيان: ما تصنع وهذه الجيوش تجهزوا إلينا. انطلق فجدد بيننا وبين محمد كتابا، وذلك مقدمه من الشام (2)، فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة، فكلم رسول الله (ص) فقال: هلم فنجدد بيننا وبينك كتابا. فقال النبي (ص): ((فنحن على أمرنا الذي كان، وهل أحدثتم من حدث؟)) فقال أبو سفيان: لا. فقال النبي (ص): ((فنحن على أمرنا الذي كان بيننا)) فجاء علي بن أبي طالب.

فقال: هل لك أن تسود العرب، وتمن على قومك فتجيرهم، وتجدد لهم كتابا؟ فقال: ما كنت لأفتات على رسول الله (ص) بأمر.

ثم دخل على فاطمة، فقال: هل لك أن تكوني خير سخلة في العرب: أن تجيري بين الناس. فقد أجارت أختك على رسول الله (ص) زوجها أبا العاص بن الربيع، فلم يغير ذلك. فقالت فاطمة: ما كنت لأفتات عل رسول الله (ص) بأمر. ثم قال بعد ذلك للحسن والحسين: أجيرا بين الناس، قولا: نعم. فلم يقولا شيئا، ونظر إلى أمهما وقالا: نقول ما قالت أمنا. فلم ينجح من واحد منهم بما طلب.

فخرج حتى قدم على قريش، فقالو: ماذا جئت به؟ قال: جئتكم من عند قوم قلوبهم على قلب واحد. والله ما تركت منهم صغيرا

(1) السيرة النبوية لابن هشام 2/ 396.

(2)

وذلك حين حضر بين يدي قيصر وسأله عن رسول الله (ص).

ص: 551

ولا كبيرا، ولا أنثى ولا ذكرا إلا كلمته. فلم أنجح منهم شيئا، قالوا: ما صنعت شيئا، ارجع فرجع) (1).

4 -

عن عبيد الله بن أبي رافع قال: (سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله (ص) أنا والزبير والمقداد فقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها)) قال: فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروض، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها (2). فأتينا به رسول الله (ص) فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله (ص). فقال رسول الله (ص):((يا حاطب ما هذا؟)) قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت أمرءا ملصقا في قريش - يقول: كنت حليفا، ولم أكن من نفسها - من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأمواله، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله (ص):((أما أنه قد صدقكم)) فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال:((إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا)) فقال: ((اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) فأنزل

(1) المغازي النبوية للزهري 87، 88. وهي رواية عبد الرزاق عن معمر عن عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس ورجاله رجال الصحيح.

(2)

العقاص: من شعرها المربوط.

ص: 552

الله السورة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} إلى قوله: {

فقد ضل سواء السبيل}) (1).

5 -

وعن ابن عباس: (أن النبي (ص) خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة فسار هو ومن معه إلى مكة يصومون ويصوم حتى إذا بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا) (2).

6 -

(عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (لما سار رسول الله (ص) عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن خرام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله (ص) فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة. فقال أبو سفيان: ما هذه لكأنها نيران عرفة. فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو.

فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك. فرآهم ناس من حرس رسول الله (ص) فأدركوهم فأخذوهم. فأتوا بهم رسول الله (ص) فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند حطم الخيل، حتى ينظر إلى المسلمين. فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي (ص) تمر كتيبة كتيبة، على أبي سفيان .. فمرت كتيبة، قال: يا عباس من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: ما لي ولغفار. ثم مرت جهينة، قال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم، فقال مثل ذلك،

(1) البخاري ك. 64 ب. 46 ج 5 ص 185،184.

(2)

البخاري ب.47 ص 185.

ص: 553

ومرت سليم، فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية. فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة.

فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار. ثم جاءت كتيبة، وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله (ص) وأصحابه. وراية الرسول (ص) مع الزبير بن العوام. فلما مر رسول الله (ص) بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ((ما قال؟)) قال: قال كذا وكذا.

فقال: ((كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة)) قال: وأمر رسول الله أن تركز رايته بالحجون) (1).

7 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ثم مضى رسول الله (ص) واستعمل على المدينة أبارهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وخرج لعشر مضين من رمضان. فصام رسول الله (ص) وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد - ماء بين عسفان وأمج - أفطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، وألف من مزينة وسليم وفي كل القبائل عدد وسلاح. وأوعب مع رسول الله (ص) المهاجرون والأنصار ولم يتخلف منهم أحد. فلما نزل رسول الله (ص) مر الظهران، وقد عميت الأخبار على قريش، فلم يأتهم عن رسول الله (ص) خبر ولم يدروا ما هو فاعل، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به.

(1) البخاري ص 186، 187.

ص: 554

وقد كان العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله (ص) في بعض الطريق.

وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب تلقى رسول الله (ص) في بعض الطريق، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة لقد لقيا رسول الله (ص) فيما بين مكة والمدينة، والتمسا الدخول عليه. فكلمته أم سلمة فيهما. فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصهرك (1) قال:((لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فقد هتك عرضي (2) بمكة، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال) (3). فلما خرج إليهما بذلك ومع أبي سفيان بني له، فقال: والله لتأذنن لي، أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن بالأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله (ص) رق لهما، ثم أذن لهما فدخلا فأسلما.

فلما نزل رسول الله (ص) بمر الظهران قال العباس: واصباح قريش: والله لئن دخل رسول الله (ص) مكة عنون قبل أن يستأمنوه، إنه لهلاك قريش آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله (ص) البيضاء، فخرجت إليها فجئت لأراك. فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله (ص) فيسأمنوه قبل أن يدخلها عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها، وألتمس ما خرجت له. إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما

(1) أم سلمة رضي الله عنها هي أخت عبد الله بن أبي أمية وهو صهره من هنا.

(2)

كان أبو سفيان شاعرا، وكان يهجو رسول الله (ص) بشعره.

(3)

هو الذي قال: والله لن أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء فتدخل فيها، ثم تحضر كتابا منها، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون أن هذا من عند الله. ولو فعلت هذا ما أظن أني أصدقك.

ص: 555

يتراجعان وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيرانا ولا عسكرا. قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة حشتها الحرب. قال يقول أبو سفيان: خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة. فعرف صوتي. فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم. فقال: ما لك فداك أبي وأمي. فقلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله (ص) في الناس، واصباح قريش والله. قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله (ص) فاستأمنه لك. قال: فركب خلفي ورجع صاحباه. وحركت به، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين. قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله (ص) قالوا: عم رسول الله على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب. فقال: من هذا؟ وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة. قال: أبو سفيان! عدو الله قد أمكن الله منه بغير عقد، ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله (ص) وركضت البغلة فسبقته بما تسبق البغلة الرجل البطيء. فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله (ص) ودخل عمر 0 فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه. فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله (ص) فقلت: لا والله لا يناجيه الليلة دوني أحد. فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلا يا عمر أما والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلا يا عباس.

ص: 556

والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام أبي لو أسلم، وما بي إلا لأني قد عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله (ص) من إسلام الخطاب. فقال رسول الله (ص):((اذهب إلى رحلك يا عباس فإذا أصبحت فأتني به)) فذهبت به إلى رحلي فبات عندي. فلما أصبح غدوت به على رسول الله (ص)، فلما رآه رسول الله (ص) قال:((ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله)) قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك. لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا. قال: ((ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله)) قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك، هذه كان في النفس منها شيء حتى الآن، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق وأسلم. قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا.

قال: ((نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن)) قلت: يا أبا سفيان: التجىء إلى قومك. قال: فخرج حتى جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الدسم الأحمش، فبئس طليعة قوم. قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاء بما لا قبل لكم به. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالو: ويحك ما تغني عنا دارك. قال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى

ص: 557

المسجد) (1).

8 -

وعن سعد (يعني ابن أبي وقاص) قال: (لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: ((اقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح)) فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعد بن الحرث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمار، وكان أشب الرجلين فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه رجل من السوق في السوق فقتله.

وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا. هاهنا: فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره. اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه آتي محمدا فأضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما قال: فجاء فأسلم) (2).

(1) مجمع الزوائد للهيثمي 6/ 165 - 167. وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

(2)

المصدر نفسه 168،169 وقال: قلت: رواه أبو داود باختصار، رواه أبو يعلى والبزار فأما عبد الله بن أبي سعد فإنه أحنى عليه عثمان فلما دعا رسول الله (ص) للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه ينظر إليه كل ذلك يأبى أن يبايعه فبايعه بعد ثلاث بأصابعه ثم أقبل فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما كان منكم رجل رشيد ينظر إذا رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. قالوا: يا رسول الله لو أومأت إلينا بعينك قال: فإنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين، ورجالهما ثقات.

ص: 558