الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم نبي الله تعالى أرسله الله تعالى إلى أخواله من جرهم، وإلى العماليق الذين كانوا بأرض الحجاز فآمن بعض وكفر بعض) (1).
ولا شك أن إسماعيل وبنيه هم أشرف العرب فهم الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا أصل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ..» (2).
طروء الشرك عليهم:
وبقي المؤمنون على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام موحدين حنفاء إلى أن جاء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف فأدخل الشرك في الحنيفية السمحاء.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم ابن الجون الخزاعي: «يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه (3) في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا بك منه» فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يارسول الله؟ قال: «لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان (4)، وبحر
(1) الروض الأنف للسهيلي 1/ 17.
(2)
رواه أحمد والترمذي وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. راجع سنن الترمذي م 5 المناقب 50، ح 3607 ص 583.
(3)
قصبه: أمعاءه.
(4)
الأوثان ج وثن وهو ما يعبد من دون الله إذا كان من غير صخرة كالنحاس وغيره.
البحيرة (1)، وسيب السائبة (2)، ووصل الوصيلة (3)، وحمى الحامي (4)».
قال ابن هشام: (حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق .. رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب، فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل، فقدم به مكة، فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه)(5).
(وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت، ونفت جرهم من مكة قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها لشرعة لأنه كان يعظم الناس ويكسو في الموسم، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة، وكسا عشرة آلاف حلة، حتى ليقال: إنه اللات التي يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى صخرة اللات، ويقال أن الذي يلت كان من ثقيف، فلما مات
(1) البحيرة: الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها، ولا بجز وبرها، ولا يشرب لبنها وتهمل للآلهة.
(2)
السائبه: التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو أصاب أمرا يطلبه، ولا ينتفع بولدها.
(3)
الوصيلة: التي تلد أمها اثنتين في كل بطن، فيجعل صاحبهما الإنات منها للآلهة.
(4)
الحامي: الفحل إذا أنتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب، ولم يجز وبره.
(5)
رواه ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه ورجاله ثقات. وللإمام أحمد عن أبى هريرة: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار وكان أول من سيب السوائب وبحر البحيرة. والحديث صحيح.
قال لهم عمرو إنه لم يمت ولكن دخل في الصخرة، ثم أمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات، ويقال دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة، فلما هلك سميت تلك الصخرة: اللات مخففة التاء واتخذ صنما يعبد) (1) .. وكانت التلبية في عهد إبراهيم: لبيك لا شريك لك، حتى كان عمرو بن لحي. فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه. فقال عمرو: لبيك لا شريك لك. فقال الشيخ: إلا شريكا هو لك. فأنكر ذلك عمرو وقال: وما هذا؟ فقال الشيخ: قل: تملكه وما ملك، فإنه لا بأس: بهذا، فقالها عمرو، فدانت بها العرب) (2).
إنها الطاعة العمياء التي تقود إلى الضلال، فإعظام العرب عمرو بن لحي دفعهم إلى طاعته في كل ما شرع، ودفعهم إلى الشرك بالله. كما كان الأحبار والرهبان يفعلون باليهود والنصارى.
يقول ابن تيمية: (وقال سبحانه عن النصارى (4: 171): {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} .وقال (5: 16 و 72): {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} إلى غير ذلك من المواضع.
ثم إن الغلو في الأنبياء والصالحين: قد وقع في طوائف من ضلال المتعبدة والمتصوفة حتى خالط كثيرا منهم من مذاهب الحلول والاتحاد ما هو أقبح من قول النصارى أو مثله أو دونه. وقال تعالى: (9: 31) {اتخذوا
(1) الروض الأنف للسهيلي 1/ 101.
(2)
الروض الأنف للسهيلي 1/ 102.