الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولعله لا يكون دورهم إلا تسليم الراية لمن بعدهم يتابع المسير، ولعل النصر من نصيب جيل جديد، هم حداته ومقدمته.
ثالثا: عرض نفسه على القبائل
قال موسى بن عقبة عن الزهري:
(فكان رسول الله (ص) في تلك السنين، يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه ويمنعوه ويقول:((لا أكره أحدا منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحوزوني فيما يراد لي من القتل، حتى أبلغ رسالة ربي، وحتى يقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء)) فلم يقبله أحد منهم، وما يأتي أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به .. أترون أن رجلا يصلحنا، وقد أفسد قومه ولفظوه؟! وكن ذلك مما ذخره الله للأنصار وأكرمهم به) (1).
وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال:
(لما أفسد الله عز وجل صحيفة مكرهم خرج النبي (ص) وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس ورسول اللهء (ص) في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه أو
(1) البداية والهاية لابن كثير 3/ 154.
يمنعوه، ويقول:((لا أكره منكم أحدا على شيء، من رضي الذي أدعو إليه قلبه، ومن كرهه لم أكرهه، إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي، ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء)) فلم يقبله أحد منهم، ولا أتى على أحد من تلك القبائل إلا قالوا: قوم الرجل أعلم به، أفترى رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه، وذلك لما أذخر الله عز وجل للأنصار من البركة) (1).
…
إنها صورة واضحة بينة تؤنكد بحث رسول الله (ص) عن مكان آمن في أرض العرب يحميه حتى يؤدي رسالة ربه سواء أآمن هذا المجير به أم لم يؤمن، ولم تعد مكة دار أمان لرسول الله (ص)، فلا بد من البحث عن موقع جديد، والحبشة تصلح موقعا احتياطيا لا رئيسيا لبعدها عن مركز الانطلاق، وتجمع العرب، ومن الصعب أن تنتشر الدعو ابتداة خارج البيئة العربية.
ومن نماذج هذا العرض ما روه جابر بن عبد الله ضي الله عنهما قال:
كان رسول الله (ص) يعرض نفسه على الناس بالموقف، فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل، فأتاه رجل من همذان فقال:((ممن أنت؟)) فقال الرجل: من همذان.
فقال: ((هل عند قومك من منعة؟)) قال: نعم. ثم قال: إن الرجل خشي أن يخفره قومه، فأتى رسول الله (ص) فقال: آتيهم أخبرهم، ثم آتيك
(1) مغازي رسول الله (ص) لعروة بن الزبير 117.
من قابل، قال:((نعم)) وجاء وفد الأنصار في رجب) (1).
(وعن ربيعة بن عباد قال: إني لمع أبي شاب أنظر إلى رسول الله (ص) يتبع القبائل، ووراءه رجل أحمر وضيء ذو جمة، يقف رسول الله على القبيلة، يقول:((يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني، حتى أنفذ عن الله ما بعثني به)) فإذا فرغ من مقالته، قال الآخر من خلفه:
يا بني فلان إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا، فقال: عمه أبو لهب) (2).
(وعن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل، قال: لما قدم أبو اليسر أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله (ص)، فأتاهم، فجلس إليهم، فقال لهم:((هل لكم إلى خير مما جم إيه؟)) قالوا: وما ذاك. قال: ((أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علي كتابا)) ثم ذكر الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا: أي قومي هذا والله خير مما جئتم إليه.
(1) مجمع الزوائد 34/ 6. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات، وراه رجال السنن الأربعة وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
المصدر نفسه 36/ 6. وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد الطبراني وفيه حسين بن عبد الله وهو ضعيف وقد وثقه ابن معين.
قال: فأخذ أبو اليسر، أنس بن رافع حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس، وقام رسول الله (ص) عنهم، وانصرفوا إلى المدينة فكات وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ..) (1).
…
كانت المقاومة عنيفة من قريش، ولم تفز بشيء فوزها بأبي لهب - لعنه الله - الذي كان يمضي مع رسول الله (ص) إلى كل مكان يكذبه ويؤذيه، فكانت هذه أضخم دعاية ضد النبي (ص) حين يرون عمه يرد عليه قوله، ويسفه رأيه، ومن أجل هذا رأينا رسول الله (ص) يستعمل الوسيلة نفسها، فيأتي إلى عمه العباس ليرافقه في دعوته.
فقد روى الحافظ أبو نعيم عن العباس قال:
قال لي رسول الله (ص): ((لا أرى لي عندك ولا عند أخيك منعة:
فهل أنت مخرجي إلى السوق غدا، حتى نقر في منازل قبائل الناس؟)) وكانت مجمع العرب. قال: فقلت: هذه كندة ولفها، وهي أفضل من يحج البيت من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بني عامر بن صعصعة، فاختر لنفسك.
قال: فبدأ بكندة فأتاهم، فقال:((ممن القوم؟)) قالوا: من أهل اليمن، قال:((من أي اليمن؟)) قالوا: من كندة، قال:((من أي كندة؟)) قالوا: من بني عمرو بن معاوية. قال: ((فهل لكم إلى خير؟))
(1) مجمع الزوائد 36/ 6 وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات.
قالوا: وما هو؟ قال: ((تشهدون أن لا إله إلا الله، وتقيمون الصلاة، وتؤمنون بما جاء من عند الله)).
قال عبد الله بن الأجلح: وحدثني أبي عن أشياء في قومه أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟ فقال رسول الله (ص): ((إن الملك لله يجعله حيث يشاء)) قالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. وقال الكلبي فقالوا: أجئتنا لتصدنا عن آلهتنا، وننابذ العرب؟ الحق بقومك فلا حاجة لنا بك. فانصرف من عندهم.
فأتى بكر بن وائل، فقال:((ممن القوم؟)) قالوا: من بكر بن وائل. فقال: ((من أي بكر بن وائل؟)) قالوا: من بني قيس بن ثعلبة. قال: ((كيف العدد؟) قالوا: كثير مثل الثرى. قال: ((فكيف المنعة؟)) قالوا: لا منعة، جاورنا فارس فنحن لا نمتنع منهم ولا نجير عليهم. قال:((فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا لله ثلاثا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، وتكبروه أربعا وثلاثين؟) قالوا: ومن أنت؟ قال: ((أنا رسول الله)) ثم انطلق. فلما ولى عنهم - قال الكلبي: وكان عمه أبو لهب يتبعه فيقول للناس لا تقبلوا قوله -مر أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، هذا في الذروة منا. فعن أي شأنه تسألون؟ فأخبروه بما دعاهم إليه، وقالوا: زعم أنه رسول الله، قال: ألا لا ترفعوا برأسه قولا، فإنه مجنون يهذي من أم رأسه، قالوا: وقد رأينا ذلك حين ذكر من أمر فارس ما ذكر.
قال الكلبي: فأخبرني عبد الرحمن المعايري عن أشياخ من قومه، قال: أتانا رسول الله (ص) عكاظ، فقال:((ممن القوم؟)) قلنا: من بني عامر بن
صعصعة. قال: ((من أي عامر بن صعصعة؟)) قالوا: بنو كعب بن ربيعة. قال ((كيف المنعة؟)) قلنا: لا يرام ما قبلنا، ولا يصطلى بناربا. قال: فقال لهم: ((إني رسول الله وآتيكم لتمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي، ولا أكره أحدا منكم على شيء)) قالوا: ومن أي قريش أنت؟ قال: ((من بني عبد المطلب)) قالوا: فأين أنت من عبد مناف؟ قال: ((هم أول من كذبني وطردني)) قالوا: ولكنا لا نطردك، ولا نؤمن بك، وسنمنعك حتى تبلغ رسالة ربك. قال: فنزل إليهم والقوم يتسوقون، إذ أتاهم بحيرة بن فراس القشيوي، فقال: من هذا الرجل أراه عندكم أنكره؟ قالوا: محمد بن عبد الله القرشي، قال: فما لكم وله؟ قالوا: زعم أنه رسول الله (ص) فطلب إلينا أن نمنعه حتى يبلغ رسالة ربه، قال: ماذا رددتم عليه؟ قالوا: بالترحيب والسعة، نخرجك إلى بلادنا، ونمنعك مما نمنع منه أنفسنا، قال بحيرة: ما أعلم أحدا من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشد من شيء ترجعون به بدءا، ثم لتنابذوا الناس، وترميكم العرب عن قوس واحدة، قومه أعلم به، لو آنسوا منه خيرا لكانوا أسعد الناس به. أتعمدون إلى زعيق (1) قد طرده قومه وكذبوه، فتؤونه وتنصرونه؟! فبئس الرأي رأيتم. ثم أقبل على رسول الله (ص) فقال: قم فالحق بقومك فوالله لولا أنك عند قومي لضربت عنقك. فقام نول الله (ص) إلى ناقته فركبها فغمز الخبيث بحيرة شاكلتها (2)، فقمصت برسول الله (ص) فألقته.
وعند بني عامر يومئذ ضباعة ابنة عامر بن قرط، كانت من النسوة
(1) زهيق: مطرود ومضيق عليه.
(2)
شاكلتها: خاصرتها.
اللاتي أسلمن مع وسول الله () بمكة، جاءت زائرة إلى بني عمها، فقالت: يا آل عامر - ولا عامر لي - أيصنع هذا برسول الله بين أظهكم، لا يمنعه أحد منكم؟ فقام ثلاثة من بني عمها إلى بحيرة، واثنين أعاناه. فأخذ كل رجل منهم رجلا فجلد به الأرض ثم جلس على صدره، ثم علوا وجوههم لطما. فقال رسول الله (ص):((اللهم بارك على هؤلاء، والعن هؤلاء)) قال: فأسلم الثلاثة الذين نصروه، وقتلوا شهداء وهم غطيف وغطفان ابنا سهل، وحزن بن عبد الله بن سلمة رضي الله عنهم، وقد روي هذا الحديث بتمامه الحافظ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه عن أبيه به) (1) اه ..
…
1 -
لقد كان جواب كندة متناسقا مع طبيعتهم، فهم ملوك العرب في اليمن، ومن أجل ذلك كان جل تفكيرهم ينصب على هذا الملك، واشترطوا على رسول الله (ص) ليمنعوه أن يكون لهم الأمر والملك من بعده. وقصاري ما يفكرون به هو استقرار هذا الأمر بيدهم إن نصروا رسول الله (ص) على عدوه فانتصر. غير أن الجواب النبوي المنطلق من مبادىء هذا الدين:((الأمر لله يضعه حيث يشاء)).
فليس الأمر صراعا على الحكم أو تسابقا على السلطة، إن الأمر انتشار هذه الدعوة وتبليغها، وسوف تكون العاقبة للمتقين، فالحماية المشروطة بشرط مغاير لمبادىء هذا الدين، حماية مرفوضة.
ويقظة الدعاة إلى الله في هذا الأمر، وفقههم لهذه القضية هو
(1) البداية النهاية لابن كثير 3/ 154، 155.
الذي يعصهمهم من الانزلاق في منحدرات السياسة، التي تضع الحكم غاية، والعقيدة والدين وسيلة من وسائله.
2 -
وحين لا يحقق الداعية هدفه في تأمين الحماية من سلطة جاهلية، لا ينسى نفسه أنه داعية قبل كل شيء، وأن عليه أن ينقل روح هذا الدين التي تؤكد أنه غالب وحاكم مهما تكاثفت المحن، وادلهمت الخطوب، وأن الباطل زاهق لا محالة. {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (1).
وثقة الداعية بالنصر لدين الله - لا لشخصه - سمة أساسية من سمات الدين نفسه لا تنفك عن أن تكون جزءا من منهج الداعية وهو يدعو إلى الله. ولهذا رأينا رسول الله (ص) ولم يصل إلى المنعة التي يريد، أراد أن يعلم هؤلاء القوم الذين ترهبهم سلاطين الأرض من فارس، أنه ستكون لهم الدولة عليهم إن آمنو بالله ورسوله.
وكان هذا الأمر عندما طرح عليهم، وهم في ظل فارس ضربا من الجنون، وبه استشهدو على جنون رسول الله (ص) حين قال لهم:
((فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحو لله ثلاثا وثلاثين
…
).
فلم يكن العربي في ذلك الوقت يطمح في أكثر من أن يحظى برضاء كسرى أو قيصر، وأن يكون عميلا مخلصا له، ولم تتحرر هذه
(1) سبأ 49.
النفوس إلا بالإسلام، وبرسول الإسلام الذي زرع في النفوس هذه الثقة العظيمة التي غيرت واقع الأرض كله.
والذين يباهون بذي قار، ولمجد العربي فيه، يجب عليهم أن يعرفوا أن الفضل في النصر فيها لهذا اللقاء المذكور، والذي يرد تفصيلات عنه بعد في رواية أخرى.
قال: (فلم يلبث رسول الله (ص) إلا يسيرا حتى خرج إلى أصحابه فقال لهم: ((احمدوا الله كثيرا، فقد ظفرت اليوم أبناء ربيعة بأهل فارس، قتلوا ملوكهم، واستباحوا عسكرهم وبي نصروا)) (1).
وقد ورد هذا من طريق أخرى، وفيه أنهم لما تحاربوا هم وفارس والتقوا معهم بقراقر - مكان قريب من الفرات - جعلوا شعارهم اسم محمد (ص). فنصروا على فارس بذلك، وقد دخلوا بعد ذلك في الإسلام) (2).
فهذه الأمة قد ابتعثها الله تعالى من القرآن، وأخرجت إخراجا من أثر هذا الكتاب المنزل على محمد بن عبد الله (ص).
ولم يمر على هذا الوعد الذي وعد به رسول الله (ص) بالنصر عشرون عاما حتى كانت بنات كسرى سبايا في المدينة، ثم كان أن نكحهم الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن أبي بكر،
(1) دلائل النبوة لأبي نعيم ص 243. ورواه عن خالد بن سعيد عن أبيه عن جده.
(2)
البداية والنهاية لابن كثير 3/ 159.
فأنجبن سادة أهل الأرض علما وفقها وفضلا - آنذاك - علي بن الحسين زين العابدين، وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد بن أبي بكر.
3 -
(((إني رسول الله وآتيكم لتمنعوني حتى أبلغ رسالة ربي، ولا أكرهكم على شيء) قالوا: ولكننا لا نطردك، ولا نؤمن بك، وسنمنعك حتى تبلغ رسالة ربك).
فنحن أمام خط أصيل من خطوط الدعوة، ومرحلة من المراحل تمر فيها، بل تسعى إلى الوصول إليها. وهو أن توجد السلطة المحايدة التي تضمن حرية الدعوة، وحرية التبليغ، والحماية لها من الإبادة والقتل.
ولا شك أن النظام الذي ينطلق في مفاهيمه ومبادئه وأعرافه من حرية الناس في ما يدعون ويعتقدون، ويضمن لهم هذه الحرية، وهو خير قطعا من النظام الذي يقتل الناس على معتقداتهم، ويخنق حرية التعبير عندهم وحرية الرأي.
وقد تجد الدعوة الإسلامية نفسها في مرحلة من المراحل، تسعى وتساهم للوصول إلى هذا النظام، وهو مرحلة سابقة لحكم الإسلام، بل يمكن القول: أن حكم الإسلام غالبا يتم عن هذا الطريق، طريق القوة المحايدة، سواء أآمنت بالإسلام أم لم تؤمن - والتي تخلي بين الناس وبين ما يعتقدون، وعندئذ ستكون الغلبة للإسلام - لا بقوة السيف وإرهاب السلطة، إنما بقناعات الناس وتدينهم لهذا الدين، وعندئذ إذا
خالط الإسلام بشاشة القلوب، فلن يرضى أهله بديلا من حكمه فيهم.
ومن أجل هذا يحسن أن يفقه الدعاة هذا الجانب، فلا تكون الانطلاقة من الحدة والتعميم المتعسف أن كل الأنظمة التي لا تحكم بالإسلام سواء. ويجب حربها جميعا، وإزاحتها، لأنها أنظمة كافرة جاهلية.
لا بد من الوعي لدروس السيرة النبوية وفقهها، أن الحكم على النظام والسلطة - بغض النظر عن الحكم الذي ينطلق منه - إنما يكون من خلال موقف هذا النظام من الدعوة والدعاة، وإمكانية التعايش معه أو مساندته قائمة بمقدار ما يتيح الحرية لهذه الدعوة أن تنتشر وتبلغ، وضرورة المواجهة معه قائمة حين يفرض الحرب المدمرة على دعاة الإسلام لإبادتهم واستئصالهم.
4 -
وتبقى هذه النماذج المذكورة نبراسا أمام الدعاة في الصبر على مشاق الدعوة، وتحمل تبعاتها، فلا يهن الدعاة لصد يواجههم، ولا يستكينوا لمقاومة تود تحطيمهم وتحطم دعوتهم، وأن يوطنوا هذه النفوس على مثل هذه الاحتمالات من المواجهة، والمحاربة، والتشويه، فليس أحد أكرم على الله تعالى من رسوله وقد لاقى ما لاقى. حتى ليهدد بضرب عنقه، ويرمى عن ناقته، وتعبأ المجالس بالدعاية ضده بجنونه وسحره، فهذا هو قدر الدعاة، وهذا هو طريق النصر {إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل
شي قدرا} (1).
(1) الطلاق 3.