الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع والثلاثون
بيعة الصديق وحروب الردة
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي (ص) أن رسول الله (ص) مات وأبو بكر بالسنح. فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله (ص)، وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله (ص) فقبله. قال: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا. والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك (يقصد عمر). فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال {إنك ميت وإنهم ميتون} وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} . قال: فنشح الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح. فذهب عمر يتكلم. فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أن هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبا بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس. فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل. منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا. ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء
هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا. فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر: بل نبايعك فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله (ص) فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله) (1).
وفي رواية لابن عباس قال: (
…
فقدمنا المدينة عقب ذي الحجة. فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته. فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله. فجلس عمر على المنبر. فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر الله لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي. فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته. ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي ..).
وبعد أن تكلم رضي الله عنه من آية الرجم والرغبة عن الآباء قال:
(.. ألا ثم إن رسول الله (ص) قال: ((لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، وقولوا عبد الله ورسوله))) ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا. فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت. ألا وإنها كانت كذلك. ولكن الله وقى شرها. وليس منكم من تقطع
(1) البخاري /م 2/ ج 5/ ب. فضائل أصحاب النبي/ ص 8.
له الاعناق مثل أبي بكر من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو والذي بايعه تغرة (1) أن يقتلا.
وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه (ص) إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة. وخالف عنا علي والزبير ومن معهما. واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار. فانطلقنا نريدهم. فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان. فذكرا ما تمالى (2) عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟. فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت ما له؟ قالوا يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثني على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام. وأنتم معشر المهاجرين رهط. وقد دفت (3) دافة من قومكم. فإذا هم يريدون أن تختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا (4) من الأمر.
فلما سكت أردت أن أتكلم، مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أذاري (5) منه بعض الحد. فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على
(1) تغرة: على وزن تحلة عرض نفسه للهلاك.
(2)
تمالي: تمالأ.
(3)
دفت دافة القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
(4)
يحضنونا: يخرجونا.
(5)
آذاري: اداري.
رسلك. فكرهت أن أغضبه. فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر. ووالله ما من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيه من خير فأنتم له أهل. ولم يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا. فلم أكره مما قال غيرها. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار. أنا جذيلها (1) المحكك وعذيقها المرجب (2) منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف. فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة. فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر. خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد. فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا) (3).
…
(1) أنا جذينها المحكك: ضرب مثلا للرجل يستشفى برأيه.
(2)
وعذيقها المرجب: ضرب به المثل في الرجل الشريف الذي يعظمه قومه.
(3)
البخاري: م 3/ ج/ 8/ باب: رجم الحبلى من الزنى/ ص 209 - 211.