الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثلاثون
غزوة تبوك
أحداث الغزوة:
1 -
قال ابن اسحاق: ثم أقام رسول الله (ص) بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب - يعني من سنة تسع - ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم. وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة (1) وغيرهم من علمائنا. كل حدث في غزوة تبؤ ما بلغه عنها. وبعض القوم يحدث ما لا يحدث بعض: (أن رسول الله (ص) أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارجم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله (ص) قلما يخرج في غزوة، إلا كنى عنها.
وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له. إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم.
فقال رسول الله (ص) ذات يوم للجد بن قيس أحد بني سلمه:
يا جد. هل لك هذا العام في جلاد بني الأصفر؟. فقال: يا رسول الله أو تأذن لي فلا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد
(1) كل رواة ابن اسحاق ثقات.
عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر (الروم) أن لا أصبر. فأعرض عنه رسول الله (ص) وقال: قد أذنت لك. ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} ) (1).
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكا في الحق، وإرجافا برسول الله (ص) فأنزل الله تبارك وتعالى:{.. وقالوا لاتنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون} ) (2).
قال ابن هشام: وحدثني الثقة عمن حدثه، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن إسحاق ابن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة عن أبيه عن جده قال: بلغ رسول الله (ص) أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله (ص) في غزوة تبوك. فبعث إليهم النبي (ص) طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم. ففعل طلحة. فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت. فانكسرت رجله. واقتحم أصحابه، وأفلتوا) (3).
2 -
عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي (ص) بألف دينار .. حين جهز جيش العسرة فينثرها في حجره. قال
(1) التوبة /49.
(2)
التوبة /81 - 82.
(3)
السيرة النبوية لابن هشام /2/ 515 - 517.
عبد الرحمن: فرأيت النبي (ص) يقلبها في حجره ويقول: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم))) مرتين) (1).
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال .. اذكركم بالله عز وجل هل تعلمون أن رسول الله (ص) قال في جيش العسرة. من ينفق نفقه متقبلة والناس مجهدون معسرون. فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم ....) (2).
3 -
ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله (ص) وهم البكاؤون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم. فاستحملوا رسول الله (ص) وكانوا أهل حاجة. فقال: (لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون)(3).
وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه. فلم يعذرهم الله تعالى وقد ذكر لي أنهم نفر من غفار (4).
ثم استتب برسول الله (ص) سفره، وأجمع السير. وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله (ص) حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم: كعب بن مالك .. ومرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية. وأبو خيثمة (5). وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم (6).
(1) رواه الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ج 5/ ص 622/ ح 3701.
(2)
المصدر نفسه وقال: هذا حديث حسن صحيح/ ح/ 3699.
(3)
و (4) و (6) السيرة النبوية لابن هشام 2/ 518 - 522.
(5)
أبو خيثمة: التحق بالجيش الإسلامي وتفادى التخلف.
4 -
(وقد كان رسول الله (ص) حين مر بالحجر (1) نزلها، واستقى الناس من بئرها. فلما راحوا قال رسول الله (ص): لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضؤوا منه. وما كان من عجين عجنتموه فأعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا. ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له. ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله (ص)، إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه. وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتمله الريح حتى طرحته في جبل طيىء. فأخبر بذلك رسول الله (ص) فقال: ألم أنهكم عن أن يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه، ثم دعا رسول الله (ص) للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر الذي وقع بجبل طيىء. فإن طيئا أهدته لرسول الله (ص) حين قدم المدينة) (2).
5 -
وعن ابن عباس قال: قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن شأن العسرة. فقال: عمر: خرجنا مع رسول الله (ص) إلى تبوك. في قيظ شديد.
فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد. حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان أحدنا يذهب يلتمس الخلاء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويضعه على بطنه. فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله عودك في الدعاء خيرا فادع فقال النبي (ص): أتحب ذلك يا أبا بكر: قال: نعم. فرفع رسول الله (ص) يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت. فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر) (3)
(1) الحجر منازل ثمود.
(2)
السيرة النبوية لابن هشام 2: 518 - 522.
(3)
مجمع الزوائد للهيثمي 194/ 6 وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار ثقات.
6 -
ولما انتهى رسول الله (ص) إلى تبوك. أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة. فصالح رسول الله (ص) وأعطاه الجزية. وأتاه أهل جرباء وأذرح. فأعطوه الجزية. فكتب رسول الله (ص) لهم كتابا فهو عندهم. فكتب ليحنة بن رؤبة:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله، ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة. سفنهم وسياراتهم في البر والبحر. لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا. فإنه لا يحول ماله دون نفسه. وإنه طيب لمن أخذه من الناس. وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر (1).
3 -
ثم إن رسول الله (ص) دعا خالد بن الوليد. فبعثه إلى أكيدر دومة. (هو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا عليها، وكان نصرانيا، فقال رسول الله (ص) لخالد: إنك ستجده يصيد البقر. فخرج خالد حتى إذا كان بحصنه على منظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته. فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله! قالت: فمن يترك هذه؟ قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه، فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته. فيهم أخ يقال له حسان. فركب، وخرجوا معهم بمطاردهم. فلما خرجوا تلقفتهم خيل رسول الله (ص)
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2/ 525 - 526.