الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عمر أنه أتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني لا أدع مجلسا جلسته في الكفر إلا أعلنت فيه الإسلام. فأتى المسجد وفيه بطون قريش متحلقة. فجعل يعلن الإسلام. ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فثار المشركون فجعلوا يضربونه ويضربهم. فلما تكاثروا عليه خلصه رجل، فقلت لعمر من الرجل الذي خلصك من المشركين؟ قال: العاص بن وائل (1).
وجوب الصبر على الابتلاء
إذا كان الابتلاء لا بد قائما بالنسبة للمؤمن، فالصبر عليه وعلى مشاقه واجب، ومن فقد الصبر فافتتن في دينه أو ارتد على عقبه فقد وقع في سخط الله عز وجل.
(وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق، وأكرمهم عند الله خاتم أنبيائه ورسله، فإنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في
(1) المصدر نفسه 9/ 65 وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(2)
العنكبوت.1، 11.
الله حق جهاده، وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل، فإنه لما نزل عليه:{يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر ..} (1) شمر عن ساق الدعوة وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهارا. فلما نزل عليه:{فاصدع بما تؤمر} (2) فصدع بأمر الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس، ولما صدع بأمر الله، وصرح لقومه بالدعوة، وناداهم بسب آلهتهم، وعيب دينهم، اشتد أذاهم له، ولمن استجاب له من أصحابه، ونالوهم بأنوع الأذى، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه كما قال تعالى:{ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} (3) وقال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن} (4) وقال: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} (5)، فعزى الله تعالى نبيه بذلك وأن له أسوة بمن سبقه من المرسلين، وعزى أتباعه بقوله:{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} (6) .. فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتلى بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم ولم يطعهم، عوقب في
(1) المدثر: 1 - 4.
(2)
الحجرات 94.
(3)
فصلت 41.
(4)
الأنعام 112.
(5)
الذاريات 52.
(6)
البقرة 214.
الدنيا والآخرة، فحصل له ما يؤلمه. وكان هذا المؤلم أعظم وأدوم من ألم اتباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت، أو رغبت عن الإيمان. لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان يحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير في الألم الدائم، وسئل الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل: أن يمكن أو يتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى، والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة. وإنما تفاوت أهل الآلام في العقول، فأعقلهم من باع ألما مستمرا عظيما بألم متقطع يسير، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير، بالألم العظيم المستمر) (1).
…
(1) زاد المعاد لابن القيم 2/ 45، 46.