الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكونهم في جهنم لم يسكت، وحين طلبوا إليه أن يدهن فيدهنوا، أي أن يجاملهم فيجاملوه، بأن يتبع بعض تقاليدهم ليتبعوا هم بعض عاداته، لم يدهن .. وعلى الجملة كان للدعوة وجودها الكامل في شخص رسول الله (ص) محروسا بسيوف بني هاشم، وفي إبلاغه لدعوة ربه كاملة في كل مكان وفي كل صورة .. ومن ثم لم تكن هناك الضرورة
القاهرة لاستعجال المعركة، والتغاضي عن كل هذه الاعتبارات البيئية التي هي في مجموعها مساندة للدعوة ومساعدة في مثل تلك البيئة .. هذه الاعتبارات كلها - فيما نحسب - كانت بعض ما اقتضت حكمة الله معه أن يأمر المسلمين بكف أيديهم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .. لتتم تربيتهم وإعدادهم، ولينتفع بكل إمكانيات الخطة في هذه البيئة، وليقف المسلمون في انتظار أمر القيادة، في الوقت المناسب .. وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلها، فلا يكون لذواتهم فيها حظ لتكون خالصة لله، وفي سبيل الله .. والدعوة لها (وجودها) وهي قائمة ومؤداة ومحمية ومحروسة ..) (1).
ثانيا: الإذن في الجهاد:
1 -
يقول ابن إسحاق:
(
…
وكان رسول الله (ص) قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب، ولم تحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله، والصبر على
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب م 2 ج 5 (سورة النساء) ص 714، 715. ط. دار الشروق.
الأذى، والصفح عن الجاهل، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم، ونفوهم من بلادهم، فهم بين مفتون في دينه، ومن بين معذب في أيديهم، وبين هارب في البلاد فرارا منهم ..
منهم من بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة، وفي كل وجه.
فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه (ص) وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن الله عز وجل لرسول الله (ص) في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية نزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى علهيم، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء: قول الله تبارك وتعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (1).
أي أني أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله، وأنهم إن ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، يعني النبي (ص) وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين) (2).
(1) الحج 39 - 41.
(2)
السيرةالنبوية لابن هشام 467/ 1 - 468.
2 -
(وقال حنبل بن هلال عن إسحاق بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي عن مطرق بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري قال:
أول آية نزلت في القتال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ..} الآية، بعد مقدم رسول الله (ص) المدينة) (1).
3 -
(وقال العوفي عن ابن عباس: نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة، وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف كابن عباس وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة وغيرهم: هذه أول آية نزلت في الجهاد .. وقال ابن جرير .. عن ابن عباس قال: لما أخرج النبي (ص) من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون ليهكن .. قال ابن عباس فأنزل الله عز وجل:{أذن للذين يقاتلون ..} . قال أبو بكر رضي الله عنه: فعرفت أن سيكون قتال.
ورواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به، وزاد: قال ابن عباس: وهي أول آية أنزلت في القتال. ورواه الترمذي والنسائي في التفسير وابن أبي حاتم من حديث إسحاق بن يوسف، زاد الترمذي ووكيع كلاهما عن سفيان الثوري به. وقال الترمذي: حديث حسن ..
ولهذا قال ابن عباس في قوله: {وإن الله على نصرهم لقدير} وقد فعل، وإنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون وهم أقل من
(1) البداية والنهاية لابن كثير 3/ 265.