الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
تزكية الفرد:
فالجيل الأول الذي تربى من خلال المحنة، هو جيل فريد، أقدم على اختيار طريق الإسلام ويعرف تكاليف هذا الطريق، يستوي في هذا الأمر الحر الكريم في قومه، والعبد والمرأة والصبي.
(أ) (فذاك أبو بكر سيد عشيرته، لقيه سفيه من سفهاء قريش، وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه ترابا، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل فقال أبو بكر: ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه؟
قال: أنت فعلت هذا بنفسك. قال وهو يقول: أي رب ما أحلمك!
أي ربي ما أحلمك! أي رب ما أحلمك!) (1).
(ب) وذاك راعي الغنم عبد الله بن مسعود
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال:
كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله (ص) بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله (ص) فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟
فقال عبد الله بن مسعود: أنا؛ قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعوه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 374، وقد رواه ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابن القاسم بن محمد ن أبي بكر، فكل رجاله ثقات.
سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} رافعا بها صوته {الرحمن علم القرآن} ثم استقبلها يقرؤها. قال: فتأملوه فجعلوا يقولون ماذا قال ابن أم عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا؟ قالوا: لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون) (1).
وذاك فتى مكة جمالا ومالا مصعب بن عمير رضي الله عنه (جـ)(فعن إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه قال: كان مصعب بن عمير فتى مكة شبابا وجمالا وسبيبا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه مليئة كثيره المال، تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه. وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرمي من النعال. فكان رسول الله (ص) يذكره ويقول: ((ما رأيت بمكة أحدا أحسن لمة ولا أرق حلة، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير)). فبلغه أن رسول الله (ص) يدعو إلى الإسلام في دار أرقم بن أبي الأرقم، فدخل عليه فأسلم وصدق به، وخرج.
فكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، فكان يختلف إلى رسول الله (ص) سرا. فبصر به عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر أمه وقومه، فأخذوه
(1) السيرة النبوية لابن هشام 1/ 314.
فحبسوه، فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغير الحال قد حرج (يعني غلظ) فكفت أمه عنه من العذل) (1).
وعن عمر بن عبد العزيز قال: أقبل مصعب بن عمير ذات يوم، والنبي (ص) جالس في أصحابه، عليه قطعة نمرة (2) قد وصلها بإهاب (3)، قد ردنه (4) ثم وصله إليها. فلما رآه أصحاب رسول الله (ص) نكسوا رؤوسهم رحمة له، ليس عندهم ما يغيرون عنه، فسلم فرد عليه النبي (ص)، وأحسن عليه الثناء وقال:((الحمد لله ليقلب الدنيا بأهلها، لقد رأيت هذا (يعني مصعبا) وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيما منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير، في حب الله ورسوله)) (5).
(د) وتلك فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها وقد دخل عمر عليها فقال: (ما هذه الهيمنة التي سمعت؟ قالت له: ما سمعت شيئا؛ قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنة سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها، فشجها؛ فلما فعل قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 82/ 3.
(2)
نمرة: بردة من صوف تلبسها الأعراب.
(3)
إهاب: قطعة من جلد.
(4)
ردنه: جعل له كما.
(5)
الطبقات الكبرى لابن سعد 82/ 3.