الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وهو الإيمان الذي يزيد وينقص كما في قوله تعالى {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} فيزاد في معنى عدم دراية الإيمان انتفاء تعلق علم الرسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام.
فانتفاء درايته بالإيمان مثل انتفاء درايته بالكتاب أي انتفاء العلم بحقائقه ولذلك قال {مَا كُنْتَ تَدْرِي} ولم يقل: ما كنت مؤمنًا.
وكلا الاحتمالين لا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مؤمنًا بوجود الله ووحدانية إلهيته قبل نزول الوحي عليه؛ إذ الأنبياء والرسل معصومون من الشرك قبل النبوءة، فهم موحدون لله عز وجل، ونابذون لعبادة الأصنام ولكنهم، لا يعلمون تفاصيل الإيمان، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم في عهد جاهلية قومه، يعلم بطلان عبادة الأصنام، وإذ قد كان قومه يشركون مع الله غيره في الإلهية، فبطلان إلهية الأصنام عنده، تمحضه لإفراد الله بالإلهية لا محالة. (1)
الآية الثانية: قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} ففيها وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالضلال، وهذا دليل على أنه كان على دين قومه
.
والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أنها كقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} (الشورى: 52)، وقد سبق القول فيه.
الوجه الثاني:
للآية تأويلات عديدة منها:
الأول: أن يكون المراد بهذا أنه صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صغير، ثم رجع.
الثاني: وقيل: إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام، وكان راكبًا ناقة في الليل، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق. (2)
الثالث: غافلًا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك: أي أرشدك.
(1) التحرير والتنوير 1/ 3897.
(2)
تفسير ابن كثير 4/ 674.
والضلال هنا بمعنى الغفلة، كقوله جل ثناؤه:{لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} (طه: 52) أي لا يغفل. وقال في حق نبيه: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (يوسف: 3).
وقال قوم: ضالًا لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك الله إلى القرآن، وشرائع الإسلام، عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما.
الرابع: وقال قوم: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} أي في قوم ضلال، فهداهم الله بك.
هذا قول الكلبي والفراء. وعن السدي نحوه، أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم. أو وجدك ضالًا عن الضالين منفردًا عنهم مجانبًا لدينهم، فكلما كان بعدك عنهم أشد كان ضلالهم أشد، فهداك إلى أن اختلطت بهم ودعوتهم إلى الدين المبين.
الخامس: وقيل: ووجدك ضالًا عن الهجرة، فهداك إليها. فقد كنت متحيرًا في يد قريش متمنيًا فراقهم، وكان لا يمكنك الخروج بدون إذنه تعالى، فلما أذن له، ووافقه الصديق عليه، وهداه إلى خيمة أم معبد، وكان ما كان من حديث سراقة، وظهور القوة في الدين كان ذلك المراد بقوله:{فَهَدَى} .
السادس: وقيل: {ضَالًّا} أي ناسيًا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح - فأذكرك، كما قال تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} (البقرة: 282).
السابع: وقيل: ووجدك طالبًا للقبلة فهداك إليها، بيانه:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} (البقرة: 144). ويكون الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب.
الثامن: وقيل: ووجدك متحيرًا عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحير؛ لأن الضال متحير.
التاسع: وقيل: ووجدك ضائعًا في قومك، فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع.
العاشر: وقيل: ووجدك محبًا للهداية، فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة.
ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} (يوسف: 95) أي في محبتك.
قال الشاعر: