الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضًا ما قيمة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بمادة السحر ومكانه إذا لم يكن لإخراجه واتلافه معنى وقيمة، ثم إن حصول الشفاء للرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الضرر من غير سلوك أسبابه قهرًا لأعدائه صلى الله عليه وسلم وإظهارًا لحماية الله تعالى وعصمته من كيد أعدائه كما يكون ذلك في حالة عدم تأثير السحر عليه لكن الله سبحانه وتعالى كما ابتلى رسوله صلى الله عليه وسلم بتأثير السحر عليه لم يميزه بإزالة الأثر من غير تعاطي الأسباب وهو العليم الحكيم والشرع العليم لتكون القدرة للأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله سبحانه وتعالى المعوذتين لهذا السبب لطلب الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء ليحميه من أسباب الشر والضرر لأنه القادر على منع ذلك فالتعوذ بهاتين السورتين عبادة لله تعالى وسبب للوقاية من الأضرار والحمد لله رب العالمين. (1)
الوجه الرابع: أن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم يخالف قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}
.
والرد على ذلك نقول: أنه كلام حق أريد به باطل:
فهذا استدلال واهٍ جدًّا وهو استدلال بالمتشابه من المعاني فقوله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} حق وصدق يجب الإيمان به كسائر آيات الله ولكن الإيمان لا يكمُل إلا إذا فُسِّر القرآن تفسيرًا صحيحًا مجردًا عن الأهواء والأغراض والتعصب المذهبي.
أولًا: هذه الآية نزلت حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم على حراسته - وهو سعد بن أبي وقاص - بعض أصحابه ولو كان في المعركة فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية وهو في كوخ صغير متواضع وبجانبه أحد أصحابه فلما نزلت هذه الآية صرفه وتلاها عليه {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي أن الله يعصمه من الناس أن يقتلوه قبل أن يتمكن من أن يقوم بواجب التبليغ لدعوة ربه.
إن سحر الأنبياء لا ينافي حماية الله تعالى لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل
(1) كتاب السحر بين الحقيقة والخيال (صـ 120: 121).
والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتليء صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه، لذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها لما سئلت (هل رأى محمد ربه)؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت.
قال: يا أم المؤمنين أليس يقول رب العالمين {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14] قالت رضي الله عنه: أنا أعلم الناس بذلك سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت جبريل في صورته التي خُلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سدَّ الأفق. جبريل رآه الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين وليس رب العالمين حيث يهم بعض الناس فيُرجعون الضمير إلى رب العالمين فالسيدة عائشة تقول: أنا أعلم الناس بذلك لأنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فأجابها بأنه لم يرى ربه وإنما رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته الطبيعية التي خلقه الله عليها وهو لعظمته قد سدَّ الأفق.
ثم تابعت السيدة عائشة رضي الله عنها كلامها معلِّمة المسلمين لأنها من أمهات المؤمنين قالت ثلاث من حدَّثكم بهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدَّثكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
ومن حدَّثكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].
والثالثة والآخرة - وهنا الشاهد - قالت: من حدَّثكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا أُمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أن يحولوا بينك وبين تبليغك لرسالة ربك.
هذا هو معنى الحديث فليس له علاقة بتسلط بعض المشركين الأشرار على النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الإيذاء كيف ومن الثابت في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُذي وشُج في رأسه في بعض الغزوات وكُسرت رباعيته فهل هذا ينافي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} .
الجواب: لا: لأن الآية في معناها الصحيح في وادٍ ودعوى أولئك الناس في وادٍ آخر.
ثم هم يبطلون بهذا الفهم الخاطئ حديثًا صحيحًا متفق عليه بين الشيخين:
أولًا: البخاري ومسلم ثم هو مما تلقته الأمة بالقبول وقد جاء له أن إسناده في غاية الصحة لأن له طرقًا كثيرة تدور كلها على هشام بن عروة عن عائشة هذا السند معروف جدًّا جدًّا عروة هو ابن أسماء أخت عائشة وهشام هو ابن عروة الابن يروي عن أبيه وأبوه يروي عن خالته عائشة.
هذه القصة فأبعد ما يكون من حيث الرواية أن تكون هذه القصة غير صحيحة فهؤلاء لا يقيمون وزنًا لجمهور علماء الحديث المتكاثفة المتعاونة طيلة هذه القرون الطويلة بالعناية بحفظ السنة أن يدخل فيها ما ليس منها فهم خرجوا عن طريق المسلمين لا فرق بين فريق أهل الحديث وفريق أهل التفسير وفريق أهل الفقه فقد خالفوهم جميعًا لأن هذا الحديث قد رواه الشيخان كما علمتم في صحيحهما ثم تلقته علماء الأمة في جميع اختصاصهم من مفسرين وفقهاء ونحو ذلك تلقوه بالقبول فجاء بعضهم وإن كان هذا وأمثاله سُبق إلى مثل هذا الانحراف فخالفوا بذلك السبيل فنخشى أن يشملهم وعيد قول رب العالمين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].
لذلك يقول علماء التفسير وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إذا كان هناك آية وفي تفسيرها قولان فلا يجوز لمن جاء في آخر الزمان أن يأتي بقول ثالث لأن هذا القول الثالث يكون بدعة في الدين ويكون مخالفًا لسبيل المؤمنين فقد فرضنا أن في آية ما قولين فمن أين جاء هذا الإنسان بقول ثالث؟
ولو سلِّم بفتح هذا الباب لأصاب دين الإسلام ما أصاب دين اليهود والنصارى من تلاعب بنصوص كتابهم.
كذلك نقول نحن إذا جاء الحديث وقد تلقته الأمة بالقبول بدون خلاف بينهم كأهل الاختصاص في هذا العلم فلا يجوز لأحد أن يأتي من بعدهم ليخالفهم فيقول هذا الحديث ضعيف لأنه في ذلك يكون قد خالف سبيل المؤمنين.
المؤمنون اتفقوا على أحاديث واختلفوا في بعضها فما كان القسم الأول فلا يجوز المخالفة بل المخالفة خروج عن سبيل المؤمنين.
إذا عرف فلا سبيل لإنكار حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الاستدلال الواه بتسليط آية {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} على أن معنى أن أحدًا من البشر لا يستطيع أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم إيذاءًا بدنيا ماديًا لأن ذلك:
أولًا: معناه تخطئة الأمة في تلقيهم لهذا الحديث بالقبول.
ثانيًا: سيلزم من ذلك رد أحاديث كثيرة أشرنا إلى بعضها آنفا كشجِّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته أيضًا هذا صحيح فهل يرد مثل {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ؟
الجواب: لا: رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بطبيعته البشرية فهو كالبشر تمامًا وذلك هو صريح القرآن الكريم {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110]، وفصلت: 6) فقط هذا؟ لا: إنما مُيِّز بقوله تعالى حكاية عن قوله هو: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إلى آخر الآية ففيما يتعلق به عليه السلام بصفة كونه بشرًا هو كسائر البشر أي يمرض ويفرح ويحزن ويضحك ويبتسم، يبكي إلى آخره ولذلك ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة بعض الرواة حينما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما مات تغير بعد موته بدنه أنكر ذلك في الرواية بعضهم من الناحية قال: هذا لا يليق نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردَّ الذهبي عليه هذه الرواية إن صحت فما فيها شيء ينافي عصمته صلى الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه تبارك وتعالى لأنه بشر لا يجري عليه كل أحكام البشر من ذلك أن اليهودي سحره هذا السحر هنا ينبغي أن نتوقف قليلًا سحر يتوهم كثيرون