الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو حمام أو قبر، وأجعل السكينة في قلوبكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم، يقرؤها الرجل والمرأة، والحر، والعبد، والصغير، والكبير، فقال ذلك موسى لقومه، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلا نظرًا، فقال الله تعالى:{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فجعلها الله لهذه الأمة.
فقال موسى عليه السلام: يا رب اجعلني نبيهم، فقال: نبيهم منهم، قال: رب اجعلني منهم فقال: إنك لن تدركهم، فقال موسى عليه السلام: يا رب أني أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا، فأنزل الله تعالى:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159]، فرضي موسى (1).
قلت: هذا الكلام هو من كلام نوف البكالي بغض النظر عن مصدرية هذا الكلام لكنه يكشف عن أحوال تدل على اهتمام موسى عليه السلام وقومه بأمر محمد صلى الله عليه وسلم.
ورواية نوف البكالي هذه من الأخبار الإسرائيلية، فقد كان نوف راويا للقصص، وهو ابن زوجة كعب الأحبار، وله ترجمة في تهذيب الكمال (2).
الوجه الثالث:
نجد أن الآيات الكريمة وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن قوم موسى عليه السلام، ومن منهم أدرك محمدًا وآمن بدعوته. وكيف يعرفون محمدًا؟ . . وتجيبهم الآية أنه ذلك النبي الذي يجدونه بصفاته مذكورًا في كتبهم. وما هي تلك الصفات؟ . . وتجيبهم الآية إنه مذكور بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وأنه يأمرهم بالمعروف، ومكارم الأخلاق، وينهاهم عن المنكر من أفعالهم، ويحل لهم من الطيبات ما حرم عليهم في شريعتهم، ويحرم عليهم
(1) معالم التنزيل 3/ 288.
(2)
تهذيب الكمال (6498).
الخبائث التي كانوا يستحلونها من قبل، ويضع عنهم ثقال الأعمال التي فرضت عليهم من قبل، كقتل النفس عند التوبة، وقطع أثر النجاسة، وعدم مجالسة الحائض، وتحريم شحوم الأنعام، وغير ذلك من الإصر الذي قيدهم من أعناقهم بأغلال الشريعة. فالذين آمنوا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم منهم وعزَّروه ووقروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن الكريم أولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.
وعندما يعترض البعض ويقول: إن حديث النبي الأمي يقتطع مرتين ولا ينسجم مع خطاب موسى لربه، لا في النسق ولا في الموضوع! أي أن موسى يطلب من ربه أن يسجل له ولقومه يهوديتهم حسنة لهم، فيرد ربه أن على موسى وقومه أن ينتظروا قرابة الألف سنة حتى يأتي محمد ويؤمنوا به فيسجل لهم بهذا حسنةً! ! .
والرد: يقول موسى عليه السلام لربه: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ، و {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا إليك توبة نصوح (1).
ففي المعجم: هادَ هَوَدًا أي تاب ورجع إلى الحق، فهو هَائِدٌ والجمع هودٌ (2)، وليس المقصود أي الملة اليهودية كما ذهب بعض النصارى!
ويرد عليه رب العزة عز وجل: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ} أي: أنه إن كانت قد أصابتكم فتنة أهلكت بعضكم؛ فإن ذلك عذابي وتلك بإرادتي، ومع ذلك فرحمتي قد وسعت كل شيء من الخلق، حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها. قال قتادة: طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس، فقال: أنا شيء؛ فقال الله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ، فقالت اليهود والنصارى: بل نحن متقون؛ فقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} . فخرجت بذلك عن العموم (3).
(1) تفسير الجلالين (1/ 217).
(2)
المعجم الوجيز مادة هاد.
(3)
جامع البيان 6/ 78، والجامع لأحكام القرآن 7/ 261.