الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "معها مثل الذي معها" أي معها فرج مثل الفرج الذي مع تلك الأجنبية، ولا مزية لفرج الأجنبية عليه، والتمييز بينهما من تزيين الشيطان، وقد قال الأطباء: إن الجماع يسكن هيجان العشق، وإن كان مع غير المعشوق (1).
5 -
أن تخلصه من الشهوة يجمع قلبه على ما هو بصدده.
6 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان" معناه: الإشارة إلى الهوى، والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء، والالتذاذ بنظرهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها، والإعراض عنها مطلقًا.
قال العلماء: إنما فعل هذا بيانًا لهم، وإرشادًا لما ينبغي لهم أن يفعلوه، فعلمهم بفعله وقوله، وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره، وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه، لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره (2).
ومن فوائد هذا الحديث الإشارة إلى أهمية قرار المرأة في بيتها؛ فإذا عاد زوجها وهو في حاجة إليها وجدها.
الوجه الثالث: الشهوة بين الرجال والنساء أمر فطري، وهو في كل البشر كمالًا وزواله نقص وقد جاء الإسلام بتوجيهه وتعديله ولم يأت بمنعة ولا بإطلاقه لأن منعه خلاف الفطره وفيه منع النسل وفي إطلاقه فساد الدنيا والدين
وبيان هذا الوجه فيما يلى:
1 -
(1) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 194).
(2)
شرح مسلم للنووي 9/ 178.
ففي هذه الآية يخبر تعالى عما زُيِّن للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:"مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء"(1).
والتزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها في القلوب، وهو بهذا المعنى مضاف إليه تعالى حقيقة؛ لأنه لا خالق إلا هو، ويطلق ويراد به الحض على تعاطي الشهوات المحظورة فتزيينها بالمعنى الثاني مضاف إلى الشيطان تنزيلا لوسوسته وتحسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها". ثم بين -سبحانه- أهم المشتهيات التي يحبها الناس، وتهفوا إليها قلوبهم، وترغب فيها نفوسهم، فأجملها في أمور ستة.
أما أولها: فقد عبر عنه القرآن بقوله: {مِنَ النِّسَاءِ}
ولا شك أن المحبة بين الرجال، والنساء شيء فطري في الطبيعة الإنسانية، ويكفي أن الله عز وجل قد قال في العلاقة بين الرجل والمرأة:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} وقال تعالى في آية ثانية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، وإن بعض الرجال قد يستهين بكل شيء في سبيل الوصول إلى المرأة التي يهواها ويشتهيها، والأمثال على ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها هنا، ولذا قدم القرآن اشتهاءهن على كل شهوة. (2)
فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف، وكثرة الأولاد؛ فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج، والاستكثار منه (3).
والمراد بالناس: الجنس، والشهوات جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده، والمراد
(1) تفسير ابن كثير (1/ 468).
(2)
روح المعاني للآلوسي، والتفسير الوسيط لسيد طنطاوي (سورة آل عمران: 14).
(3)
تفسير ابن كثير (1/ 468).
هنا: المشتهيات عبر عنها بالشهوات، مبالغة في كونها مرغوبًا فيها، أو تحقيرًا لها؛ لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، ووجه تزيين الله سبحانه لها: ابتلاء عباده، كما صرح به في الآية الأخرى. (1)
وقال الآلوسي: وقدم النساء لعراقتهن في معنى الشهوة وهن حبائل الشيطان، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، ويقال: فيهن فتنتان قطع الرحم، وجمع المال من الحلال والحرام، وثنى بالبنين؛ لأنهم من ثمرات النساء في الفتن. (2)
وقال ابن عاشور: فالميْل إلى النساء مركوز في الطبع، وضعه الله تعالى لحكمةِ بقاء النوع بداعي طلب التناسل، إذ المرأة هي موضع التناسل، فجُعل ميل الرجل إليها في الطبع حتى لا يحتاج بقاء النوع إلى تكلّف رُبَّمَا تعقبه سآمة، وفي الحديث:"ما تركتُ بعدي فتنةً أشدّ على الرجال من فتنة النساء" ولم يُذكر الرجالُ، لأنّ ميل النساء إلى الرجال أضعف في الطبع، وإنّما تحصل المحبّة منهن للرجال بالإلف والإحسان. (3).
وفي سبيل توجيه هذه الشهوة وعدم كبتها يقول السيد قطب رحمه الله: ولما كانت هذه الرغائب والدوافع -مع هذا- طبيعية، وفطرية، ومكلفة من قبل البارئ -جل وعلا- أن تؤدي للبشرية دورًا أساسيًا في حفظ الحياة وامتدادها؛ فإن الإسلام لا يشير بكبتها وقتلها، ولكن إلى ضبطها وتنظيمها، وتخفيف حدتها واندفاعها؛ وإلى أن يكون الإنسان مالكًا لها متصرفًا فيها، لا أن تكون مالكة له متصرفة فيه؛ وإلى تقوية روح التسامي فيه والتطلع إلى ما هو أعلى.
ومن ثَمّ يعرض النص القرآني الذي يتولى هذا التوجيه التربوي .. هذه الرغائب والدافع، ويعرض إلى جوارها على امتداد البصر ألوانًا من لذائذ الحس والنفس في العالم
(1) فتح القدير للشوكاني (1/ 487).
(2)
تفسير الآلوسي (3/ 99).
(3)
التحرير والتنوير (1/ 721).
الآخر، ينالها من يضبطون أنفسهم في هذه الحياة الدنيا عن الاستغراق في لذائذها المحببة، ويحتفظون بإنسانيتهم الرفيعة.
وفي آية واحدة يجمع السياق القرآني أحب شهوات الأرض إلى نفس الإنسان؛ النساء، والبنين، والأموال المكدسة، والخيل، والأرض المخصبة، والأنعام .. ، وهي خلاصة للرغائب الأرضية إما بذاتها، وإما بما تستطيع أن توفره لأصحابها من لذائذ أخرى، وفي الآية التالية يعرض لذائذ أخرى في العالم الآخر: جنات تجري من تحتها الأنهار، وأزواج مطهرة، وفوقها رضوان من الله، وذلك كله لمن يمد ببصره إلى أبعد من لذائذ الأرض، ويصل قلبه بالله على النحو الذي تعرضه آيتان تاليتان:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (آل عمران: 14 - 17).
وصياغة الفعل للمجهول هنا تشير إلى أن تركيبهم الفطري قد تضمن هذا الميل؛ فهو محبب ومزين، وهذا تقرير للواقع من أحد جانبيه، ففي الإنسان هذا الميل إلى هذه "الشهوات"، وهو جزء من تكوينه الأصيل، لا حاجة إلى إنكاره، ولا إلى استنكاره في ذاته، فهو ضروري للحياة البشرية كي تتأصل وتنمو وتطرد -كما أسلفنا- ولكن الواقع يشهد كذلك بأن في فطرة الإنسان جانبًا آخر يوازن ذلك الميل، ويحرس الإنسان أن يستغرق في ذلك الجانب وحده؛ وأن يفقد قوة النفخة العلوية أو مدلولها وإيحاءها. هذا الجانب الآخر هو جانب الاستعداد للتسامي، والاستعداد لضبط النفس ووقفها عند الحد السليم من مزاولة هذه "الشهوات"، الحد الباني للنفس وللحياة؛ مع التطلع المستمر إلى
ترقية الحياة ورفعها إلى الأفق الذي تهتف إليه النفحة العلوية، وربط القلب البشري بالملإ الأعلى والدار الآخرة ورضوان الله، هذا الاستعداد الثاني يهذب الاستعداد الأول، وينقيه من الشوائب، ويجعله في الحدود المأمونة التي لا يطغى فيها جانب اللذة الحسية، ونزعاتها القريبة، على الروح الإنسانية وأشواقها البعيدة، والاتجاه إلى الله وتقواه، هو خيط الصعود والتسامي إلى تلك الأشواق البعيدة.
وهنا يمتاز الإسلام بمراعاته للفطرة البشرية وقبولها بواقعها، ومحاولة تهذيبها ورفعها، لا كبتها وقمعها، والذين يتحدثون في هذه الأيام عن "الكبت" وأضراره، وعن "العقد النفسية" التي ينشئها الكبت والقمع، يقررون أن السبب الرئيسي للعقد هو "الكبت" وليس هو "الضبط"، وهو استقذار دوافع الفطرة واستنكارها من الأساس، مما يوقع الفرد تحت ضغطين متعارضين: ضغط من شعوره -الذي كونه الإيحاء، أو كونه الدين أو كونه العرف- بأن دوافع الفطرة دوافع قذرة لا يجوز وجودها أصلًا، فهي خطيئة ودافع شيطاني! وضغط هذه الدوافع التي لا تغلب؛ لأنها عميقة في الفطرة؛ ولأنها ذات وظيفة أصيلة في كيان الحياة البشرية، لا تتم إلا بها، ولم يخلقها الله في الفطرة عبثًا، وعندئذ وفي ظل هذا الصراع تتكون "العقد النفسية"، فحتى إذا سلمنا جدلًا بصحة هذه النظريات النفسية؛ فإننا نرى الإسلام قد ضمن سلامة الكائن الإنساني من هذا الصراع بين شطري النفس البشرية، بين نوازع الشهوة واللذة، وأشواق الارتفاع والتسامي، وحقق لهذه وتلك نشاطها المستمر في حدود التوسط والاعتدال، ثم قال: وهذه الشهوات التي ذكرت هنا هي نموذج لشهوات النفوس، يمثل شهوات البيئة التي كانت مخاطبة بهذا القرآن؛ ومنها ما هو شهوة كل نفس على مدار الزمان، والقرآن يعرضها ثم يقرر قيمتها الحقيقية، لتبقى في مكانها هذا لا تتعداه، ولا تطغى على ما سواه: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ