الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: فينا نزلت، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي، فعلمنا القرآن والخير، وكان يخوفنا بالجنة والنار وما ينفعنا والموت والبعث، فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فقالا: إنا من أشراف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك، قال: نعم، قالوا: لا نرضى حتى تكتب بيننا كتابًا، فأتى بأديم ودواة، فنزلت هذه الآيات {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله تعالى {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (1).
الوجه الخامس: بيان بعض أخلاق النبي
(2).
إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله رب العالمين رحمة للناس ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأدبه ربه بأحسن الأخلاق، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، والنبي صلى الله عليه وسلم كان رحمة بالصغير والكبير والشيخ والشباب والضعيف والقوي والمرأة والأطفال والصحيح والمريض والسقيم، ولم يكن فظًا ولا غليظًا وكان حريصًا على المؤمنين رؤوفًا بهم ورحيمًا بأمته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ هَذه الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} [الأحزاب: 45]، قَالَ فِي التَّوْرَاةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئةَ بِالسَّيئةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ الله حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الملَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا) (3).
(1) سنن ابن ماجه (4127) بإسناد صحيح.
(2)
راجع تفصيل هذه المسألة في شبهة (محمد صلى الله عليه وسلم يطرد الضعفاء).
(3)
البخاري (4838).
فتبين من هذا شأنه وهذه مكانته وهذه أخلاقه، كيف يوصف بالقسوة والإعراض عن الضعفاء والفقراء والمساكين؟ ! ، وقال الله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَقَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنكُمْ أَخْلَاقًا"(1).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا ضرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ ولا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يجاهِدَ فِي سَبِيلِ الله وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ الله فيَنْتَقِمَ للهَّ عز وجل (2).
وقد امتَلأت نفس الرسول الكريم بالرحمة، وأوصى أتباعه بأن يكونوا رحماء كما وصفهم القرآن {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح: 29)، ومن وقائع السيرة النبوية أن ثقيفًا آذت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام حتى رشقوه بالحجارة وأدموا قدميه، وخيره الله أن يعاقبهم فيطبق عليهم الجبال، فقال صلى الله عليه وسلم "بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا"(3).
وعن أَنَس رضي الله عنه قَالَ: خَدَمْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قط وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس
(1) مسلم (2321).
(2)
مسلم (2328).
(3)
البخاري (3231)، مسلم (1795).