الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم (1).
الوجه الثالث: هل الإنسان يؤاخذ على شيء يدور في خاطره ولم يفعله أم لا يؤاخذ
؟ !
قال الله عز وجل: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} [البقرة: 284].
ذهب أكثر أهل العلم من المفسرين أن هذه الآية منسوخة وبه قال ابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة، وهو مروي عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وهذا هو أولى الأقوال (2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَب فَقَالُوا أَيْ رَسُولَ الله كُلِّفْنَا مِنْ الْأَعمالِ مَا نُطِيقُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالجهَادَ وَالصَّدَقَةَ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذه الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ"، قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ فَلَمّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ الله فِي إِثْرِهَا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا الله تَعَالَى فَأَنْزَلَ الله عز وجل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ نَعَمْ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَالَ
(1) رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة د. عماد السيد الشربيني (47، 42)، وانظر شبهة (عصمة الأنبياء عليهم السلام.
(2)
فتح القدير للشوكاني (1/ 455).
نَعَمْ {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَالَ نَعَمْ {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} قَالَ نَعَمْ (1).
قال القاضي عياض: وقد أنكر بعض المتأخرين النسخ، ودعواهم في إنكار أنه خبر ولا يدخل النسخ الأخبار وليس كما قال، فإنه وإن كان خبرًا فهو خبر عن تكليف ومؤاخذة بما تكن النفوس، والتعبد لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث بذلك، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهذه أقوال وأعمال اللسان والقلب ثم نسخ ذلك عنهم برفع الحرج والمؤاخذة، وروي عن بعض المفسرين: أن معنى النسخ هنا إزالة ما وقع في قلوبهم من الشدة والفرق من هذا الأمر، فأزيل عنهم بالآية الأخرى، واطمأنت نفوسهم، وهذا القائل يرى أنهم لم يلزموا ما لا يطيقون، لكن ما يشق عليهم من التحفظ من خواطر النفس وإخلاص الباطن فأشفقوا أن يكلفوا من ذلك ما لا يطيقون، فأزيل عنهم الإشفاق وبين أنهم لم يكلفوا إلا وسعهم، وعلى هذا لا حجة فيه لجواز تكليف ما لا يطاق إذ ليس فيه نص على تكليفه واحتج بعضهم باستعاذتهم منه بقوله عز وجل:{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ولا يستعيذون إلا مما يجوز التكليف به وأجاب عن ذلك بعضهم بأن معنى ذلك ما نطيقه إلا بمشقة، وذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة في إخفاء اليقين والشك للمؤمنين والكافرين فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين (2).
ثم أورد الإمام مسلم عدة أحاديث في كتاب الإيمان تدور حول هذا المعنى منها: وما بعده حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعلموا به"(3).
والحديث الآخر الذي رواه أبو هريرة أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إذا
(1) مسلم (1/ 421).
(2)
شرح النووي على مسلم (1/ 428).
(3)
مسلم (127).