الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا لجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذات والسبب، وقال أبو العباس القرطبي: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه؛ فإنها تعينه على المكتسب، وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزًا، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان، فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، كان في الحياء المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم. (1)
الوجه الخامس: ذكر بعض ما عندهم من التعري
.
هذه القصة فيها بيان ما تنسبه التوراة إلى الله من أمره لنبيه إشعياء بالتعري، ولماذا؟ لكي يري بني إسرائيل ما ينتظرهم من الهوان والذل والعري على يد ملك آشور: تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ قَائِلًا: اذْهَبْ وَحُلَّ المسْحَ عَنْ حَقْوَيْكَ وَاخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ. فَفَعَلَ هكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِيًا. فَقَالَ الرَّبُّ: كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِيًا ثَلاثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصرَ وَعَلَى كُوشَ، هكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصرَ وَجَلاءَ كُوشَ، الْفِتْيَانَ وَالشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي الأَسْتَاهِ خِزْيًا لمِصْرَ. (إشعياء 20/ 2 - 4).
يقول التفسير التطبيقي تعليقًا على هذه الفقرة: كان أمر الله لإشعياء أن يتجول عاريًا لمدة ثلاث سنوات، وهو اختبار مُذِل، فقد كان الله يستخدم إشعياء لبيان ما ستختبره مصر وكوش من إذلال على يد آشور، ولكن كانت الرسالة في الواقع ليهوذا.
وهكذا فإن رؤية بني إسرائيل لنبيهم عريانًا ثلاث سنين درس كبير وعظة بالغة! أمَا من وسيلة للإيضاح أفضل من هذه الوسيلة العارية؛ فهل يعقل هذا؟ هل يأمر الرب نبيه بالتعري ثلاث سنين؟
وما جاء في إنجيل يوحنا المقدس عندهم عن الرسول بطرس: بطرس الرسول - صخرة الكنيسة - عاريًا على شاطىء البحر!
(1) فتح الباري (10/ 539).
يروي يوحنا قصة ظهور المسيح لتلاميذه عند بحيرة طبرية قائلًا: بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلامِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هكَذَا: كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الجلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذ مَعَ بَعْضِهِمْ. قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَلا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ. قَالُوا لَهُ: نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكَ. فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا. وَلمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟ . أَجَابُوهُ: لَا! فَقَالَ لَهُمْ: ألقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا. فَألقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ! . فَلَمّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَألقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. (يوحنا 21: 1 - 7).
إن الحدث الغريب حقًّا أن بطرس الرسول عندما سمع أن المسيح قد حضر اتزر بثوبه؛ لأنه كان عريانًا وألقى بنفسه في البحر (يوحنا 21: 7)، كيف يكون بطرس كبير الحواريين عريانًا على شاطىء البحر؟ ! ولماذا يخجل من التعري عندما سمع بحضور المسيح فقط؟ ! هل التعري جائز في غياب المسيح وغير جائز في حضورة؟ ! كيف كان بطرس الرسول الملقب بصخرة الكنيسة عاريًا على الشاطىء أمام التلاميذ ومن كان موجودًا؟ !
ويشبه سفر ميخا حزن الرب على ما أصاب بني إسرائيل بنواح النعام ونحيب إناث الثعالب، فيقول: قول الرب الذي صار إلى ميخا
…
من أجل ذلك أنوح وأولول، أمشي حافيًا وعريانًا، أصنع نحيبًا كبنات آوى، ونَوحًا كرعال النعام (ميخا 1/ 1 - 8).
وقصة الشاب الذي هرب من الشبان، فأمسكوا بإزاره الذي يلبسه على عري، فترك الإزار، وهرب منهم عريانا. (انظر: مرقس 14/ 51 - 52).