الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال:"شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين. (1)
3 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: "قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله، قال: فشام السيف فها هو ذا جالس" ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
تاسعًا: إخباره عن بعض المغيبات:
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته ما اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلة، وإخباره عنها، ومن المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله وحده، وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز قال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} [النمل: 65] وقال تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] ومن المعلوم أيضا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا لأقوامهم. {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: 50].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
(1) رواه مسلم (1777).
(2)
رواه البخاري (2910)، ومسلم (843).
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد: فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} . (1)
وكما جاءت الأدلة تدل على أن الله تعالى قد اختص بمعرفة علم الغيب وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحى إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، وقال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27].
فنخلص من ذلك: أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار بالمغيبات، وحي من الله تعالى، وهو من إعلام الله صلى الله عليه وسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم للدلالة على ثبوت نبوته، وصحت رسالته، وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيبات:
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، مَا ترَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. (2)
قال القاضي عياض: ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون. والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على التواتر لكثرة رواتها، واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب. (3)
ومعجزات هذا الباب لا يمكن استقصاؤها لكثرتها ووقوعها منه صلى الله عليه وسلم، وهي على أقسام ثلاثة. (4)
(1) البخاري (4855)، مسلم (177).
(2)
رواه البخاري (6604)، ومسلم (2891) واللفظ له.
(3)
الشفا صـ (336).
(4)
موسوعة نضرة النعيم (1/ 544 - 554) باختصار وتصرف يسير.
1 -
قسم في الماضي: كإخباره عن القرون السالفة والأمم البائدة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب، الذي قطع عمره في تعلم ذلك، وقد كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألونه تعنتًا وتعجيزًا عن أخبار الامم السالفة، فينزل عليهم منه ما يتلو عليهم منه ذكرًا، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، بالإضافة إلى ما جاءت به السنة المطهرة من تفاصيل ودقائق عن أخبار الأمم الماضية، وأشباه ذلك مما صدقه علماؤهم ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها بل أذعنوا لذلك فمن موفق آمن بما سبق له من خير، ومن شقي معاند حاسد.
2 -
قسم في الحاضر: وهو ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع أثناء حياته منها على سبيل المثال: ذكره لمصارع الطغاة في غزوة بدر الكبرى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلًا حديد البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال: فجعلت أقول لعمر، أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يرينا مصارع أهل بدر، بالأمس، يقول:"هذا مصرع فلان غدًا، إن شاء الله"، قال: فقال عمر: فو الذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم، فقال:"يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقًّا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقًّا"، قال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئًا". (1)
3 -
قسم في المستقبل: وهو ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات زيادة على ما جاء في القرآن الكريم، منها ما وقع بعد وفاته إلى يومنا هذا، ومنها ما هو آت إلى قيام الساعة، وهذا
(1) رواه مسلم (2873).