الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَغَازِي مُوسَى بْن عُقْبَة" أَنَّ لَوْنه صَارَ فِي الحال كَالطَّيْلَسَانِ (1) " يَعْنِي أَصْفَر شَدِيد الصُّفْرَة (2).
الوجه الرابع: جمع الله له بين الحسنيين
.
وكون السم كان من أسباب موته صلى الله عليه وسلم ففي هذا فضيلة له صلى الله عليه وسلم إذ جمع له ربه الشهادة إلى سائر فضائله فمات متأثرًا بسم الشاة. وهذا لا يتنافى مع عصمته أبدًا لسبب واضح وهو أن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمت كما وعده ربه عز وجل لأن هذه العصمة هدفها تمكينه من تبليغ الرسالة وهي مقترنة بها، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67] وقد حدثت العصمة له حتى أتم مهمته، ولم يمت رغم السم إلا بعد ثلاثة سنين كاملة (إن كان مات بسببه) في حين مات الصحابي الجليل (بشر) رضي الله عنه فور أكله منها مباشرة، فكان في ذلك إعجاز على إعجاز، وقد كانت هذه السنوات الثلاث من أهم مراحل الدعوة النبوية، ففيها فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، واكتملت الشريعة غير منقوصة.
فتبين من هاتين النقطتين مدى الكرامة المقدرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جمع له ربه بين الحسنيين، فما استطاعوا أن يقتلوه حين أرادوا لوقف دعوته وتدميرها، ونال الشهادة حين وفاته بعد أن أكمل رسالته وأتمها أتم كمال.
وأيضًا من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر قطعًا وجزمًا أن هذه الشاة مسمومة، مما يؤكد صدقه صلى الله عليه وسلم كنبي موحى إليه من الله، إذ جاء الصحابة باليهودية واعترفت أنها سمت الشاة، كما أخبرت الذراع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد والكراهية يدفعها
(1) ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 156).
(2)
فتح الباري (10/ 258).
حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب، وبما لا يعيب، واتهامه بما لا يصلح أن يكون تهمة، حتى إنك لترى من يعيب إنسانًا مثلًا بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل القامة، أو مثلًا قد أصيب بالحمى ومات بها، أو أن فلانًا من الناس قد ضربه وأسال دمه؛ فهذا كأن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلًا؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلاء ويرفضونه ويرونه إفلاسًا وعجزًا. (1)
قال ابن سعد رحمه الله بعد ما سم به رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادًا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري"، وهو عرق في الظهر، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدًا، صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه. (2)
وأليس موته صلى الله عليه وسلم متأثرًا بهذا السم بعد سنوات فيه رفع درجاته.
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الجْزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ". (3)
* * *
(1) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (351).
(2)
الطبقات الكبرى (2/ 156).
(3)
الترمذي (2396)، ابن ماجه (4031)، وحسن سنده الألباني في الصحيحة (146).