الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة القوم فساء صباح المنذرين"، فخرجوا يسعون في السكك فقتلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المقاتلةَ، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها صداقها. (1) وفي رواية: ( .. فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أَعْطِنِي جَارِيةً مِنَ السَّبْي، قَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً"، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ. قَالَ: "ادْعُوهُ بِهَا"، فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خُذْ جَارِيةً مِنَ السَّبْي غَيْرَهَا". (2)
قال النووي: قَالَ المازِرِيّ وَغَيْره: يَحْتَمِل مَا جَرَى مَعَ دِحْيَة وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون رَدَّ الْجَارِيَة بِرِضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي غَيْرهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي جَارِيَة لَهُ مِنْ حَشْو السَّبْي لَا أَفْضَلهنَّ، فَلَمَّا رَأَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَخَذَ أَنْفَسهنَّ وَأَجْوَدهنَّ نَسَبًا وَشرَفًا فِي قَوْمهَا، وَجَمَالًا اِسْتَرْجَعَهَا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْذَن فِيهَا، وَرَأَى فِي إِبْقَائِهَا لِدِحْيَة مَفْسَدَة لِتَمَيُّزِهِ بِمِثْلِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْش، وَلِمَا فِيهِ مِنْ اِنْتِهَاكهَا مَعَ مَرْتَبَتهَا، وَكَوْنهَا بِنْت سَيِّدهمْ، وَلمِا يَخَاف مِنْ اِسْتِعْلَائِهَا عَلَى دِحْيَة بِسَبَبِ مَرْتَبَتهَا، وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ شِقَاق أَوْ غَيْره، فَكَانَ أَخْذه صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَاطِعًا لِكُلِّ هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمتخَوَّفَة، وَمَعَ هَذَا فَعَوَّضَ دِحْيَة عَنْهَا. وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: "إِنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْم دِحْيَة، فَاشْتَرَاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤُس، يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ:(وَقَعَتْ فِي سَهْمه) أَي: حَصَلَتْ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذ جَارِيَة لِيُوَافِق بَاقِي الرِّوَايَات، وَقَوْله:(اِشْتَرَاهَا) أَيْ: أَعْطَاهُ بَدَلهَا سَبْعَة أَنْفُس تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، لَا أَنَّهُ جَرَى عَقْد بَيْع، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِق الرِّوَايَات. (3)
الوجه الثالث: النبي صلى الله عليه وسلم لم يغتصب صفية وحاشاه
.
والدليل على ذلك عدة أمور: أولها: إشهار عرسه عليها. ففي بعض روايات الحديث: " .. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا؛ وَهِي صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيي، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الأَرْضُ
(1) البخاري (4200)، مسلم (1365)
(2)
البخاري (371)، مسلم (1365).
(3)
شرح النووي 5/ 240.
أَفَاحِيصَ، وَجِيء بِالأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبعَ النَّاسُ، وَقَالَ النَّاسُ: لا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ، قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْي امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْي أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا
…
". (1)
ثانيها: رضى صفية بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يسمَّى زواجه منها اغتصابًا، والدليل على رضاها: أنها لو رفضت الزواج منه لتركها، وما أجبرها عليه كما فعل مع الجوينية؟
فعن عائشة: أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها:"لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك". (2)
وفي رواية: عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم، حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"اجْلِسُوا هَا هُنَا"، وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِي بِالْجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ في بَيْتٍ في نَخْلٍ في بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"هَبِي نَفْسَكِ لِي"، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِالله مِنْكَ، فَقَالَ:"قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ"، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ:"يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ (3)، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا". (4)
وأما قولها للنبي: (سوقة) فقد قال ابن حجر السوقة عندهم من ليس بملك كائنًا من كان؛ فكأنها استبعدت أن يتزوج الملكة من ليس بملك، وكان صلى الله عليه وسلم قد خير أن يكون ملكًا نبيًا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًا تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم لربه، ولم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم بكلامها معذرة لها لقرب عهدها بجاهليتها. (5)
ثالثها: معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لها لا تشير إلى أي إكراه أو اغتصاب:
(1) مسلم (1356).
(2)
البخاري (5254).
(3)
قال: اكْسُها رازِقِيَّيْنِ وفي رواية رازقيّتَين: هي ثياب كتان بيض؛ لسان العرب (رزق).
(4)
البخاري (5255).
(5)
فتح الباري 9/ 271.